الشيخ عبد السلام البارزاني (1887- 1914)

 

 أن دمي سيكلفهم ثمنا غاليا وانا أخاف على أولادي وإخوتي بعدي”

المرحوم شيخ عبدالسلام بارزاني 

 

الدكتور سيار الجميل

 

المقدمة:

حركته الكردية التحرّرية وإعدام الزعيم الكردي الشيخ عبد السلام البارزاني في الموصل من قبل الاتحاديين العثمانيين

تصادف في 14 ديسمبر / كانون الاول 2024  ذكرى مرور110 سنوات على إعدامه في الموصل من قبل الحكومة العثمانية الاتحادية يوم 14 ديسمبر 1914 وهو زعيم إحدى أولى الثورات التحررية الكردية ضد العثمانيين في ولاية الموصل التي كانت تابعة للعثمانيين وهي اليوم تابعة بعد تجزئتها الى الوية (محافظات) الى العراق الحالي.

 

تعريف بالشيخ المجاهد:

ولد الشيخ عبد السلام في قرية بارزان عام 1887 (واعتقد ان صورته توحي بأنه قد ولد قبل هذا التاريخ). كان من أتباع الشيخ عبيد الله. والده الشيخ محمد البارزاني، وجده الشيخ عبد السلام. وهو الشقيق الأكبر لملا مصطفى البارزاني، وأحمد البارزاني، والشيخ محمد صادق، والشيخ بابو. وبعد أن درس العلوم الدينية انتسب الى الطريقة الصوفية التي كانت منتشرة في كردستان وخصوصا الطريقة النقشبندية التي أصبح شيخنا زعيما لها بعد وفاة والده. وفي عام 1907، أرسل برقية إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بدعم من زعماء وشيوخ القبائل الكردية، يطالب فيها بالحقوق الثقافية والسياسية للكورد. وتضمنّت مطالبه بأن تصبح اللغة الكردية لغة رسمية، وأن يتم تعليم اللغة الكردية في المدارس، وأن يكون المسؤولون المحليون في المناطق الكردية كوردا أو يتحدثون اللغة التي يتفاهم بها الناس، وأن يتم إنفاق الضرائب المجمعة محليًا على الطرق والمدارس في كردستان.

 

وخوفًا من انتفاضة محتملة، أرسل العثمانيون جيشًا إلى منطقة بارزان للقبض على الشيخ عبد السلام. وفي عام 1908 دخل الشيخ عبد السلام في مناوشات ومعارك وقام بطرد القوات العثمانية من بارزان. وفي عام 1913، أرسل والي الموصل جيشاً آخر، مما أجبر الشيخ عبد السلام على الفرار إلى شرق كردستان (الإيرانية) ومن ثم امتد براً إلى جورجيا حيث التقى بالقيصر الروسي ليشرح له قضيته واعتبر الأتراك العثمانيون ذلك اتصال غير مصرّح به مع الأعداء. وقد تم القبض على الشيخ عبد السلام لدى عودته إلى كردستان، اذ قام بالإبلاغ عنه شيخ كردي آخر. وفي 14 ديسمبر/ كانون الاول 1914 حيث تم إعدامه في الموصل. كان ثائرًا كرديًا في عهد الدولة العثمانية وشيخًا خالديًا ومجاهدا له أخلاقياته العالية.

 

“باختصار، يمكن للمرء أن يرى بصيرة الشيخ عبد السلام والدور الكبير الذي لعبه في الحركة الكردية. كانت لديه علاقات دبلوماسية وسياسية واسعة النطاق مع جميع القوى الكبرى في ذلك الوقت. ولا يزال إرث الشيخ عبد السلام محسوسًا في برزان. كان من أوائل المدافعين عن البيئة، فقد حظر الصيد ومنع قطع الأشجار. كي تظل منطقة برزان منطقة محمية للحياة البرية. كما أدخل إصلاحات مجتمعية، مثل حظر زواج الأطفال المدبر، والتخلص من نظام المهر، ومنح اليهود والمسيحيين حرية العبادة والاحتفال بأعيادهم الدينية. كما أنه أدخل بعض المفاهيم الحديثة للنضال السياسي منذ ذلك الوقت”

 

 

الشيخ عبد السلام بارزاني واستقلال كردستان:

إن لمحة من المعلومات الواردة من مصادر حكومية روسية وعثمانية وبريطانية من أوائل القرن العشرين تعطينا نظرة مختلفة وتقديرًا لدور هذا الشيخ في تاريخ حركات التحرر الكردستاني في جوانب متعددة. وتشير المصادر الى دوره الكبير في عموم كردستان في أوائل القرن العشرين.

 

أولاً، لعب دوراً هاماً في الحركة الوطنية الكردية “الإرشاد”.

ثانياً، كان على علاقة جيدة بالأقليات المسيحية في كردستان وكان يحميهم.

ثالثًا، كان من أوائل قادة الكرد الرافضين التفوق الديني والسياسي للحكومة الاتحادية العثمانية.

تم تنظيم حركة ” إرشاد ” إلى حد كبير في كردستان العثمانية وكان لها علاقة واضحة وتأثير جيد في كردستان الشرقية (الإيرانية) عبر سمكو آغا. بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية بتاريخ الشرق الأوسط الحديث، كانت كردستان العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى تغطي الأجزاء الشمالية (تركيا) والجنوبية (العراق) والأجزاء الغربية من روج آفا (سورية). ووفقاً للدكتور جليل جليلي استناداً إلى الوثائق الروسية، فقد تم تنظيم الإرشاد في معظم المدن الكردية الكبرى مثل أرضروم، ووان، وديار بكر، وأورفا، وموصل، وبدليس، وبعض المدن الأخرى.

تأسست المنظمة في مايو/ آيار 1912. وكان هدفها إنشاء واستقلال كردستان بدعم روسي احيانا وفي عام 1913، عقدت هيئة الإرشاد اجتماعًا في سيرفان (شيروان) وهي منطقة فرعية من سعرت وقررت المنظمة فيه إرسال لجنة بقيادة الشيخ عبد السلام بارزاني إلى تفليس (التي كانت تحت سيطرة الروس) للاجتماع مع المسؤولين الروس. وفقاً للدكتور سوات أكغول، يشار إلى اللجنة باسم “لجنة الشيخ عبد السلام “. وتشير المصادر إلى أن عبد السلام كانت علاقته جيدة جداً مع سمكو آغا الزعيم الكردي المميز في كردستان الشرقية (الإيرانية) وكانت تحت السيطرة الروسية.

 

الشيخ عبد السلام والأقليات الاجتماعية:

وقد حظي دور الشيخ عبد السلام بملاحظة جيدة من قبل البريطانيين أيضًا. وكان المسؤولون البريطانيون في مدينة وان وفيهم الملازم آي إم سميث، نائب القنصل في 13 مارس 1914، جاء في في رسالته إلى السفير البريطاني في إسطنبول: “تفيد التقارير بأنه تم تنظيم حملة عسكرية رسمية ضد شيخ برزان وأتباعه”.. ويناقش مكانة الشيخ باعتباره “واحداً من خمسة أو ستة شيوخ أكراد أكثر نفوذاً”، ويشير إلى أن الإدارة العثمانية كانت تخشى صلاته بالقادة الكورد الآخرين، ولم تكن لها سوى سلطة طفيفة في هذه المنطقة “.

 

الانتفاضة:

كانت انتفاضة البارزاني الأولى ضد جمعية الاتحاد والترقي (جمعية الشباب الأتراك)، التي تولت السلطة بعد ثورة تركيا الفتاة ضد السلطان عبد الحميد الثاني، واستبدلت أجندة عبد الحميد القومية الإسلامية بأجندتها القومية التركية. بعد بضعة أشهر، شن الشيخ عبد السلام البارزاني انتفاضة بالتزامن مع انتفاضة بتليس، بدعم من الإمبراطورية الروسية (التي قتلت لاحقًا 8000 كرديا في راوندوز بمساعدة متطوعين من اقليات سكانية في المنطقة ). في عام 1910، غادرت القوات العثمانية منطقة بارزان، حيث اندلعت الثورة، واستطاعت قمع انتفاضة بتليس. وفي عام 1913، أُلقي القبض عليه. الرؤية الثاقبة: وفيما يتعلق بالصراعات المحلية، فإن علاقات الشيخ عبد السلام مع الأقليات المسيحية معروفة وموثقة جيداً. في 21 مايو 1913، أرسل القنصل البريطاني في الموصل البيان التالي إلى حكومته: “… شيخ برزان، المخلص لسياسته في حماية المسيحيين، استعاد الأغنام وأرسل كلمة إلى رجال ثكوما ليأتوا ويحضروها”. .” هذا مجرد مثال واحد من بين العديد من الأمثلة الأخرى عن تسامح الشيخ عبد السلام وتفاهمه وتعاونه وحمايته للأقليات في كردستان. وتظهر الدراسات أن الشيخ عبد السلام كان لديه رؤية عظيمة لاستقلال كردستان ومعرفة بسكانها وكانت له علاقات كبيرة مع تجار اغنام الموصل ومع جميع أنحاء المنطقة.

لقد رأى أن النظام التركي الاتحادي لم يعد مستدامًا خاصة بعد الانقلابات العسكرية التي قامت بها “تركيا الفتاة”. مثلا ، يقول المسؤولون البريطانيون استناداً إلى صحيفة رسمية روسية “KAVKAS” بتاريخ 15/28 أبريل 1914 حول الحركة الكردية فيما يتعلق بالشيخ عبد السلام:

“بعد خلع عبد الحميد، لم يقم برزان، ومعه كل طائفته، الاعتراف بالخليفة الجديد محمد الخامس، وليس بالإدارة التركية الشابة، “

 

من المهم أن نعرف أن تركيا الفتاة أطاحت بالسلطان عبد الحميد من السلطة عام 1909 وربما يكون هذا مؤشرًا على أن الشيخ عبد السلام كان مقتنعًا بأن الإمبراطورية العثمانية ستنهار في ظل النظام الجديد قبل خمس سنوات من الحرب العالمية الأولى وقبل 14 عامًا من الإمبراطورية. تم حله رسميًا وانتهى.

 

دوره التاريخي في الحركة الكردية واستمرارية ارثه السياسي:

باختصار، يمكن للمرء أن يرى بصيرة الشيخ عبد السلام والدور الكبير الذي لعبه في الحركة الكردية. كانت لديه علاقات دبلوماسية وسياسية واسعة النطاق مع جميع القوى الكبرى في ذلك الوقت. ولا يزال إرث الشيخ عبد السلام محسوسًا في برزان. كان من أوائل المدافعين عن البيئة، فقد حظر الصيد ومنع قطع الأشجار. كي تظل منطقة برزان منطقة محمية للحياة البرية. كما أدخل إصلاحات مجتمعية، مثل حظر زواج الأطفال المدبر، والتخلص من نظام المهر، ومنح اليهود والمسيحيين حرية العبادة والاحتفال بأعيادهم الدينية. كما أنه أدخل بعض المفاهيم الحديثة للنضال السياسي منذ ذلك الوقت”. ويشير بعض المحللين الكرد الى أن الانقسام بين الكورد لعب دورا في اضطرار الشيخ عبد السلام إلى الفرار. وقال الباحث والمؤرخ من ديار بكر، كرم سرهادي، إن الشيخ عبد السلام كان رجلا “قوميا ومتدينا وواسع المعرفة”.وبحسب سرهادي، فإن القاضي وجلاد الشيخ عبد السلام كانا من الكورد.

 

الرؤية التاريخية من خلال الوثائق والمستندات:

ان لمحة من المعلومات الواردة من مصادر حكومية روسية وعثمانية وبريطانية من أوائل القرن العشرين تمنحنا رؤية جديدة لدور الشيخ الزعيم عبد السلام في جوانب متعددة. ان تقسيمات الكرد لعالمهم كردستان لا يعترف بالتقسيم الاداري العثماني الرسمي الذي يتبع ما اقرته الدولة من ولايات ( او  ايالات ) وسناجق واقضية منذ العام 1516 عندما تأسس الادارة الأهلية وكان الشيخ البدليسي صاحب فكرة السلطة الأهلية اللامركزية، ولكن سليمان القانوني اسس نظام ولايات الشرق، فغدت كردستان العراق في اطار ولاية الموصل لاربعة قرون.

 

خطواته التأسيسية على الطريق:

باختصار، يمكن للمرء أن يرى بصيرة الشيخ عبد السلام والدور الكبير الذي لعبه في الحركة الكردية في جميع أنحاء كردستان. كان لديه علاقات دبلوماسية وسياسية واسعة النطاق مع جميع القوى الكبرى في ذلك الوقت. وهذا موضوع مهم لمزيد من الدراسة من أجل فهم أفضل للحركة الوطنية الكردية والعلاقات الدولية السابقة. لقد كان الشيخ عبد السلام واحدا من ضحايا حكم الاتحاديين الذين اضطهدوا الأحرار الترك والعرب والكرد، والارمن والسريان وغيرهم.

 

 

النهاية المريرة:

كان المرحوم الملا مصطفى البارزاني طفلاً صغيراً مع والدته عندما أُلقي القبض على أخيه الكبير الشيخ عبد السلام. بعد عام، أُطلق سراح الشيخ عبد السلام، وجمع جيشاً، وعاد للقتال. هذه المرة، هُزمت القوات العثمانية، وقُبل السلام، مما أدى إلى إطلاق سراح كوردًا آخرين من السجن. لاحقاً، اتُهم رجل يُدعى صفوت بيك من بارزان بالقتل، وحاصرت القوات الحكومية العثمانية المنطقة مرة أخرى. بعد فترة من القتال وهزيمة المتمردين، أُلقي القبض على الشيخ عبد السلام، ونُقل إلى الموصل، وأُعدم في سجن الموصل ودفن فيها . وقد حزن عليه كلّ أهل الموصل حزنا شديدا نظرا لعلاقتهم الطيبة مع الشيخ عبد السلام رحمه الله ، ونشرت القطع السوداء في اسواق الموصل.

 

المصادر المعتمدة:

ملاحظة: هذه المادة هي جزء من دراسة تتضمها كتابي الجديد ” زنابق : النهايات المريرة لزعماء ومثقفين في العراق ابان القرن العشرين” الذي سأدفعه للطبع قريبا. شكرا لما أتاح لي بعض هذه المصادر، وشكرا للسيدة الفاضلة التي خدمتني في ترجمة النصوص من الكردية الى العربية.

 

لقد اعتمدت في كتابة هذه الفصلة على المراجع والمصادر التالية :

‏- Celil, Celile. “ XIX. Yuzyil Osmanli Imparatorlugu’ nda Kurtler P. 202 (Translated from Russian to Turkish by Demir, ‏Mehmet” Ozge yayinlari February 1992 Ankara/Turkey ‏- Akgül, Suat “Rusya’nın Doğu Anadolu Politikası” (Ph.D. diss., Hacettepe Üniversitesi, 1995), P. 78 ‏[Russian Policy on Eastrn Anatolia (Till 1918)] [4] Dispatch, Lt. I.M. Smith, HM Vice-Consul, Van to Sir L. Mallet, HM Ambassador to Turkey, Constantinople, 13 March 1914, No. 5 [FO 195/2458] P. XXV] Records of the Kurds : territory, revolt and nationalism, 1831-1979. British documentary sources. Volume 4. ‏- Vice-Consul Hony to Sir G. Lowther (No. 15.) Mosul, May 21, 1913. Records of the Kurds : territory, revolt and nationalism, 1831-1979. British documentary sources. Volume 4 P. 559 ‏- Enclosure in Consul Monahan’s No. 200f the 20thth. June 1914. ‘KAVKAS’ 15/28TH April 1914 Kurdish movement Records of the Kurds : territory, revolt and nationalism, 1831-1979. British documentary sources. Volume 4 P. 667. وراجع في العربية : سيار الجميل ، تكوين العرب الحديث 1516- 1916 ، ط1 ( جامعة الموصل : مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر والتوزيع ، 1991) . متين فاضل طه ، حركة الشيخ عبد السلام البارزاني 1903- 1914 ، مراجعة وتقديم : عبد الفتاح البوتاني ، ط2 ( اربيل ، 2018 ) . وفي الكردية : رۆحانی, کەمال. کورد و کوردستان لە ڕێڕەوی مێژوودا. تاران: ئاراس. ص. 3

 

 

قد يعجبك ايضا