لجأت السلطات الأردنية إلى حجب 12 موقعا إخباريا أجنبيا وعربيا لأنها “تبث السموم الإعلامية وتهاجم رموزه الوطنية،” في خطوة أثارت الجدل بشأن جدواها حيث يرى الكثيرون أن الرهان يجب أن يكون على تطوير الإعلام المحلي وفتح المجال له لتناول القضايا التي تهم الرأي العام .
وقررت هيئة الإعلام الأردنية حجب مجموعة من المواقع الإخبارية العربية والأجنبية التي وُصفت بأنها “تبث السموم الإعلامية وتهاجم الأردن ورموزه الوطنية،” وسط جدل حول جدوى الخطوة في عصر الفضاء المفتوح وإمكانية تجاوز الحظر بسهولة .
وشملت قائمة الحجب 12 موقعاً، من أبرزها: “ميم مرآتنا”، “رصيف 22”، “ميدل إيست.أي”، “الشعوب”، “عربي 21”، “رصد”، “عربي بوست”، و”صوت الأردن ” .
وقالت هيئة الإعلام الأردنية إن هذه الخطوة تأتي ضمن إجراءات هيئة الإعلام واستنادا إلى الصلاحيات القانونية الممنوحة لها في إطار “الحفاظ على الأمن الإعلامي الوطني والتصدي لمحاولات التشويش على استقرار الأردن والإساءة لرموزه السياسية والاجتماعية والوطنية ” .
ويبدو الاستياء واضحا لدى الأردنيين من الأخبار والمعلومات التي تطال بلادهم، لاسيما التي تتعلق بالدور الأردني في القضية الفلسطينية، إذ أن حجب هذه المواقع لقي تأييدا من بعض المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي .
وفي الكثير من الأحيان تستخدم الحكومة الأردنيّة سياسة حجب المعلومات عن الصحافة، بينما الإعلام الرسمي غالبا ما يكتفي بالبيانات والتصريحات الرسمية لتنشأ ثغرة معلوماتية لدى الجمهور الذي يتجه إلى مواقع التواصل والمنابر الأجنبية لإيجاد ما يبحث عنه، وساهم كلُّ ذلك في انتشار الأخبار الكاذبة وغير الدقيقة، حتى باتت مشكلة تُطرح لها مشاريع للحلّ من الحكومة ومن منظمات المجتمع المدني التي راحت تضع مشاريع لحل هذه المشكلة، كان آخرها إضافة منهجٍ دراسيّ حول التربية الإعلاميّة، في الجامعات والمدارس .
وفي عصر الإنترنت والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي لم يعد مقبولا استمرار العمل الإعلامي بشكله التقليدي دون تطوير مضمونه ورسالته، فالتطور في الإعلام مرتبط بتطور مستوى الخطاب الإعلامي الموجه إلى الجمهور المحلي .
وبالتوازي مع سياسية حظر المواقع الإخبارية كثيرا ما تلجأ الحكومة إلى فرض قرار بحظر النشر حول القضايا التي تثير اهتمام الرأي العام في الأردن. وفي السنوات الماضية زادت هذه القرارات بشكل كبير في أوقات الأزمات، سواء الأمنية أو السياسية أو حتى الكوارث الطبيعية. ويؤكد صحافيون أن “القرارات لم تلاحظ فيها فائدة حقيقية لخدمة العدالة أو خدمة الحقيقة للجمهور الأردني ” .
المادة 15 من الدستور الأردني تنص على أن الدولة تكفل حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون .
وتساءل مراقبون عن قيمة قرار حظر النشر في الإعلام الأردني ومواقع التواصل إذا كان هناك الكثير من الحسابات التي تتداول القصص المحظور الحديث عنها بينما يزيد الغموض من إمكانية نشر الأخبار الكاذبة حولها
ووجه مراقبون انتقادات للأجهزة الرسمية التي تنتهج في كل قضية سياسة عدم النشر بحجج واهية لتشتكي لاحقا من انتشار الشائعات والأخبار المضللة. كما وجه الإعلاميون أنفسهم انتقادات للإعلام في بلادهم متسائلين “كيف نكون سلطة رقابية ونحن نتحرك بالريموت كنترول؟” خاصة أن الإعلام الخارجي يتلقف القصص المهمة وينشر كل ما يتعلق بها دون ضوابط ومحددات، غير تلك التي يختارها هو لنفسه .
وأكد صحافيون أنه على الأجهزة الرسمية أن تدرك حجم الضرر الذي تتسبب به إذا ما قررت أن تستمر في تقييد الإعلام وتدجينه .
وعندما لا يواكب الأداء الإعلامي المحلي تطورات الأحداث على مستوى تطلعات الأردنيين، فإن حظر النشر في قضايا تهم الرأي العام يؤدي إلى زيادة الغموض وخلق مساحات واسعة لمروجي الإشاعات، وذلك على الرغم من أن القانون الأردني يضمن حق الحصول على المعلومة الذي صدر عام 2007، وهو من أوائل الدول العربية التي أقرت القانون، لكن المشرع الأردني لم يعرّف المقصود بحق الحصول على المعلومة، وترك أمر تعريفها للفقه القانوني .
وتستند قرارات “حظر النشر” على المادة 224 من قانون العقوبات الأردني، والتي تنص على أن “كل من نشر أخبارا أو معلومات أو انتقادات من شأنها أن تؤثر على أيّ قاض أو شاهد، أو تمنع أيّ شخص من الإفضاء بما لديه من المعلومات لأولي الأمر، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز مئتي دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين .
كما تنص المادة 225 من القانون نفسه على أنه “يعاقب بالغرامة من 5 دنانير إلى 25 دينارا من ينشر وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية، أو محاكمات الجلسات السرية، أو المحاكمات في دعوى السب، أو كل محاكمة منعت المحكمة نشرها .
في المقابل تنص المادة 15 من الدستور الأردني على أن “الدولة تكفل حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون” و”تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون ” .
الى ذلك أكد نقيب الصحافيين الأردنيين طارق المومني، أن مجلس النقابة الجديد، الذي يضم طاقات شابة ودماء جديدة، حريص على التعاون مع مجلس النواب لتعديل قانون النقابة، إلى جانب إعادة النظر في بعض التشريعات الإعلامية ومنها قانون الجرائم الإلكترونية بالشراكة مع الجهات المعنية .
ويواجه مجلس النقابة الجديد جملة من المشكلات المتوارثة وعلى رأسها أزمة الصحافة الورقية التي تحاول استعادة دورها في التأثير على الرأي العام، إضافة إلى قانون الجرائم الإلكترونية ذي السمعة السيئة الذي يعتبره الكثيرون سيفا مسلطا على الصحافيين بسبب بعض بنوده الفضفاضة .
وقال المومني خلال لقائه رئيس وأعضاء لجنة التوجيه الوطني والإعلام في مجلس النواب، الأحد، أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من اللقاءات مع اللجنة النيابية للتشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا التي تهم الصحافيين وقطاع الإعلام .
وشدد رئيس اللجنة النيابية فراس القبلان، بأن ملف الصحف الورقية على رأس أولويات اللجنة، مشيرا إلى أن اللجنة كانت بانتظار تشكيل المجلس الجديد لإعادة بحث أزمة الصحف وإيجاد حلول عملية لها .
وفقدت الصحافة الورقية الأردنية خلال السنوات الأخيرة، صدارتها في صناعة الرأي العام المحلّي بعدما توسعت رقعة الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي، مع تراجع مقابل لعوائد الإعلان التجاري الورقي الذي يقول مستثمرون إنه تراجع بنسبة لا تقل عن 60 في المئة .
كما أن دفعات الدعم المالية العديدة، التي حاولت الحكومات المتعاقبة في الأردن توجيهها للصحف الورقية، خاصة التي تمتلك مؤسسات حكومية فيها حصصاً بوصفها شركات مساهمة عامة، لم تستطع إعطاءها دفعة قوية إذ أن التضخّم الإداري لتلك المؤسسات واعتمادها على الإيرادات الحكومية من دون أن تشكل منصاتها الرقمية منافساً جادّاً، تسببا في تراجع التأثير.
وكشف القبلان أن اللجنة تسعى للتشاور مع مجلس النقابة بشأن إمكانية عقد مؤتمر عام يهدف إلى توحيد جهود العاملين في القطاع الإعلامي، لمواجهة التحديات وتعزيز دور الإعلام الوطني .
وقال متابعون أنه خلال النقاشات المتواصلة بين الحكومات السابقة وإدارات الصحف الورقية، تعددت مطالبات دعمها بين زيادة الإعلانات الحكومية عدا عن إعلانات التبليغات القضائية التي تستفيد منها غالبية الصحف الورقية الكبرى والصغيرة، فهناك من طالب بتخصيص صندوق وطني لدعم الصحافة الورقية، إلا أن هذه المطالبة اصطدمت بتوّجه الحكومة السابقة لوضع معايير للاستفادة من مخصصات هذا الصندوق، وهو ما قوبل من المؤسسات بالرفض بدعوى الحاجة إلى “جهات مستقلة لوضع المعايير “