د. إبراهيم أحمد سمو
مقدمة: خطاب من نوع خاص
في كلمة تاريخية ألقاها الرئيس مسعود بارزاني خلال كونفرانس توحيد اتحادي الطلبة والشباب في أربيل اليوم، وجه من خلالها رسائل صريحة وواضحة إلى الشعب الكوردي والحكومة الفيدرالية في بغداد. كان الحضور حاشدًا، وبارزاني، بهدوئه المعتاد وثقته الراسخة، قدم خطابًا مفعمًا بالمعاني والدلالات، تميز بالصراحة المعتادة دون تلميح أو مجاملة.
لم يكن الخطاب مجرد كلمات عابرة، بل كان صوتًا للحق الكوردي في مواجهة التحديات الراهنة، محملًا بالرسائل المباشرة والدلالات السياسية. تحدث الرئيس بارزاني عن قضايا الشباب والطلبة، مؤكدًا دورهم المحوري في بناء كوردستان قوية. كما تناول موضوع العلاقة الهشة بين بغداد وكوردستان بأسلوب واقعي بعيد عن المجاملات.
الخطاب التاريخي… بين الإصرار والشفافية
في بداية كلمته، أبدى الرئيس بارزاني سعادته بحضور عدد كبير من الشباب والطلبة، معبرًا عن اعتزازه بالدور الفعّال للمرأة في هذه الفعالية.
كان الرئيس في حديثه مباشرًا دون أي تلميح، معبرًا عن حفاوته بهذا الجمع الذي يمثل روح كوردستان المتجددة. وأوضح أن الشباب هم القوة الدافعة نحو مستقبل أفضل، داعيًا إياهم إلى الاستمرار في طريق التقدم والتطور.
رحلة النضال… بين الماضي والحاضر
لم يغب عن خطاب الرئيس بارزاني التذكير بجذور النضال الكوردي. فقد استعرض بداية الطريق، وكيف بدأ الشباب الكوردي مسيرتهم في ظروف صعبة، يحملون السلاح بإرادة قوية، مدافعين عن حرية كوردستان وحقوق شعبها.
أشار بارزاني إلى أن النضال لم يكن يومًا سهلاً، بل كان مليئًا بالتحديات والصعوبات. لكن ما يميز هذا النضال هو إصرار الشعب على الصمود والوقوف في وجه كل المخططات التي حاولت النيل من مكتسباته.
كلمة بلا مجاملات… بلغة العقلانية والثبات
في لقاء سابق عبر فضائية “شمس”، تحدث بارزاني عن أهمية العلاقات الدولية، وأشار إلى العديد من الإشارات المتعلقة بما هو قادم. لم يكن اللقاء مجرد حديث إعلامي عابر، بل كان تمهيدًا للخطاب التاريخي في الكونفرانس اليوم. فقد أكد الرئيس أن العقلانية في التعامل مع بغداد ضرورة لا بد منها، موضحًا أن التراجع عن الحقوق الدستورية غير وارد على الإطلاق.
لم تكن هذه الكلمة كغيرها من الكلمات، فقد حملت في طياتها لغة الحزم والحكمة. كان واضحًا أن بارزاني يسعى لإيصال رسالة بأن كوردستان لن تتنازل عن حقوقها، وأن الشراكة الحقيقية مع بغداد لا تعني التفريط في المكتسبات التي تحققت بدماء الشهداء.
التوحيد الشبابي والطلابي… خطوة نحو المستقبل
أشاد بارزاني خلال خطابه بالجهود المبذولة لتوحيد اتحادي الطلبة والشباب، معتبرًا أن هذه الخطوة ليست مجرد عمل تنظيمي، بل هي رمز لوحدة الصف الكوردي في ظل ظروف حساسة تمر بها كوردستان.
وأوضح أن الشباب، بوعيهم ونضجهم السياسي، هم الأمل الحقيقي لكوردستان، داعيًا إلى تعزيز روح العمل الجماعي والنهوض بالواقع الطلابي والشبابي ليكونوا جزءًا من صناعة القرار السياسي والاجتماعي.
العلاقة مع بغداد… بين الواقعية والصرامة
لم يكن حديث الرئيس بارزاني عن العلاقة بين كوردستان وبغداد مجرد استعراض للأزمات المتكررة؛ بل كان قراءة واضحة لموقف كوردستان الراسخ. صرّح بأن “العلاقة الحالية لا ترقى إلى مفهوم الاتحاد الحقيقي الذي يضمن الحقوق”.
أوضح بارزاني أن الدستور العراقي كان من المفترض أن يشكل ضمانة للشراكة، لكن ما يحدث على أرض الواقع يناقض ذلك تمامًا. وأشار إلى أن هناك محاولات متواصلة للنيل من الفيدرالية الكوردية عبر قرارات وسياسات مركزية لا تتماشى مع روح الدستور.
رسالة واضحة… لا تراجع ولا تنازل
كانت الرسالة الأكثر وضوحًا في الخطاب هي أن كوردستان لن تقبل بالمساس بحقوقها، ولن تتخلى عن مبادئها في ظل أي ضغوط سياسية. وأشار الرئيس إلى أن “من يريد الالتزام بالشراكة الحقيقية، فأهلاً وسهلاً. أما من يسعى لفرض إرادته بالقوة، فلن يجد استجابة من كوردستان”.
هذه الصراحة في الخطاب تؤكد على أن القيادة الكوردية ترى في العلاقة مع بغداد اختبارًا لإرادة الشعب الكوردي، وأن أي تهاون في الدفاع عن المكتسبات يعني خسارة لتاريخ طويل من النضال.
بين الحكمة والثبات… قائد يملك القرار
على الرغم من حدة الخطاب، أظهر بارزاني هدوءه وثقته في مستقبل كوردستان. كان خطابه بمثابة تذكير بأن الإرادة الكوردية قوية وصامدة، وأن الشعب الكوردي لن يقبل بالعودة إلى الوراء مهما كانت التحديات.
أراد بارزاني أن يبعث برسالة مفادها أن القيادة الحكيمة ليست في التهاون أو الخضوع، بل في المواجهة العاقلة والصمود على المبادئ. وهذا ما يعبر عن شخصية القائد الذي لا يساوم على حقوق شعبه.
خاتمة: ثقة بالمستقبل وإصرار على الثبات
لقد كان خطاب بارزاني في الكونفرانس التاريخي رسالة واضحة لكل من يعتقد أن كوردستان يمكن أن تتراجع عن مطالبها. كان التأكيد على أن الشباب هم أساس النضال، وأن القيادة ستظل تحمي حقوقهم وتدعم طموحاتهم.
وفي مواجهة التحديات، كان الرئيس واضحًا في أن كوردستان لن تقبل بفرض إرادات خارجية عليها، بل ستبقى صامدة بثبات شعبها وإرادة قيادتها. لقد كان الخطاب دعوة للوحدة الداخلية والتصدي لمحاولات النيل من الفيدرالية، مع التشديد على أن الثقة بالمستقبل هي سر البقاء والاستمرار.