ايقونة كردستان…الشهيدة ليلى الخالدة

آناهيتا حمو – باريس

في الثاني عشر من أيار كل عام، يتوقف الزمن الكردي عندإاسم لا يُنسى: ليلى قاسم حسن.
هي ليست مجرّد شهيدة، بل صفحة خالدة من كتاب النضال، أيقونة تتردّد في كل بيت حرّ، ووجه من وجوه البطولة التي لا تموت.
وُلدت ليلى عام 1952 في مدينة خانقين، وتشكل وعيها على وقع المظلومية الكُردية. منذ صباها، آمنت بالحرية كحقّ لا يُساوَم عليه، فانضمت إلى صفوف الحركة الكردية ” الحزب الديمقراطي الكُردستاني “، بدافع من إيمان لا يعرف التردّد، بل ينبض بالكرامة والعدالة. في جامعة بغداد، حيث كانت تتابع دراستها في كلية الآداب، نضج وعيها السّياسي، وتحول الحلم إلى إلتزام، والتوق إلى نضال.

ليلى لم تكن فقط ناشطة سياسية، بل كانت امرأة تجاوزت خوفها لتُحيل الجرح إلى صوت، والخوف إلى فعل. إنخرطت في تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني في وقتٍ كانت فيه الهوية الكردية تُعد جريمة، والكلمة الحرة خيانة. اعتقلها النظام البعثي عام 1974 بتهمة “المساس بأمن الدولة”، وخضعت لتعذيب وحشي لم يُفل من عزيمتها، بل زادها صلابة وشموخًا.

وفي صباح 12 أيار 1974، وقفت ليلى أمام مشنقة الاستبداد، شابة في ربيعها، بزيها الكردي ووجهها الباسم يواجه الموت كمن يواجه الحياة… رسالة صامتة، لكنها مدوّية:
“الموت من أجل الحرية… حياة خالدة.”
لم يكن إعدام ليلى قاسم نهاية، بل بداية لمسيرة طويلة من التحدي، إذ تحوّلت في استشهادها إلى ضمير أمة، ورمز نضال متجدد. بعد أكثر من خمسة عقود، ما زال إسمها يُرفع في المسيرات، في كُردستان وكل العالم وصورتها تُروى للأجيال، لتبقى جذوة الحرية متقدة لا تنطفئ.
في كل بيت كُردي، اسم ليلى في كل بيت، يُعاد تكراره: في مهاباد، قامشلو، خانقين، آمد، هولير، والعالم…
فالأمهات ما زلن يُنجبن ليلى، والمشانق لم تعد تُرعب قدر ما تُلهِم.
من باريس بلد الحريات والمفكرين، إلى جبال الأمل…
في مدينة النور والفكر، حيث كتب فولتير عن التسامح وهاجم الطغيان، وصرّح روسو بأن “الإنسان يولد حرًا”، تتردّد أصداء هؤلاء كلما خطّ أحدهم للحرية كلمة. من هنا، من باريس، حيث ترك فيكتور هوغو “البؤساء” صرخة ضد الظلم الاجتماعي، تولد مقاومة كُردية جديدة، لا بالسلاح فقط، بل بالكلمات.
فالحرية ليست شعارًا يتردّد، بل موقف يُتّخذ.
كما كتب بول إيلوار في قصيدته الشهيرة “أكتب اسمك – الحرية”، فإن تكرار الكلمة لا يُضعفها بل يرسّخها.
كل حرف مقاومة، كل سطر سلاح، وكل قصيدة حجارة في وجه الطغيان.

وكما احتفل أحمد خاني في مم و زين بالحب كصورة للتحرر، يبقى الأدب الكردي الملاذ الذي يحمي هويةً تُقاتل كي لا تُمحى. من أسطورة كاوا الحداد، الذي أشعل ثورة النار ضد الظلم، إلى نصوص المناضلات والسجناء في الزنازين، تتكرّس الكتابة الكردية كوثائق حرية تُترجم وتُدرّس في جامعات الغرب.
وكما قال ألبير كامو: “الحرية لا تُعطى، بل تُنتزع.”
من باريس، حيث تنتصب تماثيل الفلاسفة، تكتب كُردستان قصيدتها الحرة. لا تحلم بالفرار، بل بالتحليق… لا تطلب الخلاص، بل تطالب بالحق.
الحرية تُكتَب باسم كردستان.
باسم ليلى، وكل ليلى…
باسم شعب لا يزال يحمل روحه على كفّه كي لا يُسلَب إسمه.

قد يعجبك ايضا