في ذكراها الحادية والخمسين: ليلى قاسم من المشنقة إلى الذاكرة

صبحي مندلاوي

في مثل هذا اليوم، منذ واحدٍ وخمسين عامًا، وقفت ليلى قاسم على خشبة الموت، بشموخ لا يشبه سوى الجبال التي حلمت بها حرةً، وببسالة لا يحملها إلا قلب امرأة كوردية اختارت أن تُعدم واقفة على أن تُركع منحنية.
ليلى لم تكن سوى زهرة عشرينية، لكنها آمنت بقضية شعبها، بحقه في الحياة والحرية والكرامة، آمنت حتى وهي تعلم أن نهاية هذا الطريق قد تكون مشنقة تنصبها أنظمة الخوف والرعب لمن يقول “لا” في زمن الصمت العام.
كانت بنت “الوند”، من عائلة فيلية عريقة، كبرت على حب كوردستان لا في أزقة الحرية، بل في دروب النفي والمصادرة والتشريد، حيث نُهبت دورهم، وسُلبت وثائقهم، وقُطعت جذورهم من الوطن ظلماً، ليصبحوا غرباء على الأرض التي وُلدوا عليها.
ورغم ذلك، لم تساوم ليلى على هويتها.
لم تساوم على حق الكورد في أن يكون لهم وطن لا يُعاملون فيه كمواطنين من الدرجة الأخيرة. لم تساوم على لسان أمها، ولا دموع أبيها، ولا أحلام شعبها ، كان بإمكانها أن تنجو، أن تنحني، أن تكتب سطور توبة زائفة يكتبها الجبناء، لكنها آثرت أن تكون شمعةً تحترق لتنير درب الأجيال، آثرت أن تذهب إلى الموت لتقول لنا جميعًا: “إن الحرية لا توهب، بل تُنتزع، وإن الوطن لا يُمنح، بل يُصنع بدماء الشجعان”.
لقد كانت و لازالت القيادة الكوردية، وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني، دائمًا أوفياء لدماء الشهداء، ولا سيما دم ليلى قاسم. لم تنسها الثورة، ولم تنسها جبال كوردستان، ولم تنسها صفحات التاريخ الكوردي. لقد كرّمتها الذاكرة الرسمية والشعبية، وظلت صورتها تُرفع في ساحات الحرية، رمزًا للمرأة المناضلة، وللروح الفيلية التي لم تنكسر ، إن مسؤولية إحقاق الحق لا تقع على عاتق القيادة وحدها، بل على كل مؤسسة، وكل حزب، وكل مسؤول، أن يجعل من قضية الفيليين أولوية سياسية وليست فقط عاطفية.
الوفاء لا يكون في المناسبات وحدها، بل في السياسات والتمثيل والحضور الفعلي على الأرض.
ففي كوردستان، التي فدتها ليلى بدمها، لا تزال شريحة الفيلية تبحث عن حضور يعكس عمق تضحياتها، وعن مشاركة فعلية في مراكز القرار، وفي صياغة الحاضر والمستقبل ، ومع ذلك، بعد واحدٍ وخمسين عامًا، بعد أن أصبح الكورد يحصدون بعض ثمار التضحيات يعيش الكورد الفيليين في الظل، على هامش التجربة، مهمشين في مؤسسات الحكم، غائبين عن مراكز القرار، لا تزال قضيتهم مؤجلة، وحقوقهم منسية، وكأن هذا الشعب الذي حمل همّ كوردستان على كتفه، لا يستحق أن يكون جزءًا من حاضرها السياسي كما كان في مقدمة شهداءها.
الوفاء لا يكون في المناسبات وحدها، بل في السياسات والتمثيل والحضور الفعلي على الأرض ، ليلى قاسم ليست فقط شهيدة، بل وصية، حملتها لنا على حبل المشنقة.
وصية تقول: لا تتركوا الفيلية في الظل، فهم أول من سقط دفاعًا عن الشمس.
فهل نرتقي إلى مستوى هذه الوصية؟ وهل نعيد للفيليين مكانهم الطبيعي في بيتهم الكوردي، الذي لم يغادروه يومًا؟
لقد آن أوان الفعل… فليلى تستحق أكثر من الذكرى

قد يعجبك ايضا