هل ستصبح كوردستان رائدة الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي في العراق؟

 

 

ساهرة صديق

الذكاء الاصطناعي لم يعد خيالاً علمياً، بل أصبح قوة تحوّل جذرية تؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا؛ من طريقة عملنا وتواصلنا وصولاً إلى إدارة البلاد. في الوقت الذي تستعد فيه الحكومات في جميع أنحاء العالم للانتخابات ووضع برامج عمل جديدة، يبرز سؤال مهم: هل نحن مستعدون لهذه الثورة التكنولوجية؟ هل الذكاء الاصطناعي جزء من رؤيتنا وخطتنا المستقبلية، أم أننا نتعامل معه كقضية ثانوية؟

 

الحقيقة هي أن تجاهل الذكاء الاصطناعي في برنامج الحكومة ليس مجرد إضاعة لفرصة، بل إنه يحمل خطر التراجع. إن غياب وحدة أو مركز متخصص بالذكاء الاصطناعي داخل الحكومات يؤدي إلى استخدام المؤسسات والوزارات المختلفة لهذه التكنولوجيا بشكل متفرق وغير منسق، وغالباً ما يكون غير فعال. وهذا لا يهدر الموارد فحسب، بل يخلق أيضاً مخاطر أمنية ويمنع الاستفادة الكاملة من المزايا الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي.

 

حالياً، لا تزال مؤسسات إقليم كوردستان الرسمية والحكومية لا تستفيد بالشكل المطلوب من إمكانيات الذكاء الاصطناعي. تتشكل الحكومة من صميم برامج الأحزاب، وخلال انتخابات برلمان كوردستان في شهر تشرين الأول، كنت أفكر في أي حزب سيبادر بإدراج الذكاء الاصطناعي ضمن برنامج خططه واستراتيجياته، لكن ما لم يجرِ مناقشته هو موضوع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

 

في حين، خلال انتخابات بريطانيا في 04-07-2024، تم ترشيح نموذج للذكاء الاصطناعي أُطلق عليه اسم (إيه آي ستيف)، وكان يرد على المواطنين أثناء الحملة الانتخابية ويعرض برنامجه. قد يكون هذا مجرد نوع من العروض، لأن قوانين بريطانيا لا تسمح لشخصية خيالية بأن تصبح عضواً في البرلمان، لكن هذا يوضح أهمية الذكاء الاصطناعي في المنافسة التي بدأتها دول العالم حالياً، خاصة القوى العظمى مثل الصين والولايات المتحدة.

 

الآن، مع اقتراب انتخابات مجلس النواب العراقي حيث يشكل الكورد قوة مؤثرة في توجيه سياسة واستراتيجية العراق، من المهم أن تفكر الأحزاب وتصبح رائدة لثورة تكنولوجية من هذا النوع في العراق. لذلك، أعتقد أنه من المهم أن أناقش لماذا يعتبر وجود وحدة متخصصة للذكاء الاصطناعي في الحكومة ضرورياً.

 

إن إنشاء وحدة مركزية للذكاء الاصطناعي في الحكومة يحقق عدة أهداف استراتيجية:

 

وضع استراتيجية وطنية وتنسيق الجهود:

صياغة رؤية وطنية موحدة حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الأهداف العامة.

 

تنسيق الجهود بين الوزارات والمؤسسات المختلفة (مثل الصحة، الدفاع، النقل، التعليم، المالية، إلخ)، لمنع الازدواجية والتأكد من أن الجميع يعملون نحو هدف واحد.

 

للذكاء الاصطناعي تأثير عميق على حياة المواطنين. يمكن لهذه الوحدة صياغة مسودات القوانين والإرشادات للتأكد من استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة عادلة وشفافة وآمنة.

 

منع إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي أو استخدامه لأغراض ضارة وغير مرغوب فيها.

 

التأكد من استخدام التكنولوجيا بما يتوافق مع المعايير الأخلاقية والقيم العامة.

 

إنشاء نظام للمساءلة لضمان ثقة المواطنين في أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها الحكومة.

 

تمتلك الحكومات كميات هائلة من المعلومات. يمكن لفريق مركزي متخصص بالذكاء الاصطناعي ضمان حماية سرية وأمن المعلومات وفقاً لأعلى المعايير.

 

دعم الابتكار:

تشجيع الابتكار في القطاع العام من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات.

 

العمل والتعاون مع الشركات الناشئة، ومراكز البحوث، والشركاء الدوليين.

 

توفير التمويل أو تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التي تخدم الأهداف العامة.

 

الريادة والمنافسة العالمية:

أصبح الذكاء الاصطناعي قضية جيوسياسية مهمة. الدول الرائدة في هذا المجال ستؤثر على صياغة القوانين والمعايير العالمية.

 

وجود وحدة متخصصة يساعد الدولة على المنافسة على المستوى الدولي وتمثيل مصالحها في ساحة الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي.

 

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير القطاعات الرئيسية؟

إن غياب رؤية واضحة للذكاء الاصطناعي في الحكومة يحرم البلاد من الحلول المبتكرة التي تقدمها هذه التكنولوجيا، خاصة في القطاعات التي لا تزال تعتمد على أنظمة قديمة وغير فعالة. على سبيل المثال:

 

الصحة: تحليل أسرع للبيانات الطبية، التشخيص المبكر للأمراض، التنبؤ بانتشار الأوبئة، دعم الأطباء عن بُعد وأتمتة السجلات الصحية.

 

التعليم: تقديم دروس مخصصة حسب مستوى الطالب، ترجمة المواد التعليمية، أتمتة المهام الإدارية للمعلمين وتحديد الطلاب المعرضين لخطر التسرب.

 

المالية والضرائب: كشف الاحتيال الضريبي والجرائم المالية، التنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية لتحسين إعداد الميزانية، وتحسين نظام إدارة المالية العامة.

 

الأمن والدفاع: تحديد التهديدات الإلكترونية، تحليل بيانات الجريمة، وتعزيز أمن الحدود (كما تفعل الولايات المتحدة والصين التي تستخدم الذكاء الاصطناعي).

 

الزراعة: مراقبة صحة المحاصيل من خلال صور الأقمار الصناعية أو الطائرات بدون طيار، التنبؤ بالطقس والكوارث، وتحسين إنتاجية المزارعين (الزراعة الذكية).

 

الإعلام ومكافحة المعلومات الخاطئة: تحديد الأخبار الكاذبة والمحتوى الضار على الإنترنت ووسائل الإعلام.

 

الإغاثة وإدارة الأزمات: التنبؤ بالكوارث الطبيعية، تنسيق فرق الإغاثة بشكل أسرع، وتخصيص المساعدات بطريقة أكثر فعالية (مثل اليابان للتنبؤ بالزلازل).

 

ماذا تفعل دول العالم؟ وأين يقف العراق؟

الدول الرائدة مثل الولايات المتحدة (مع مكتب المبادرة الوطنية للذكاء الاصطناعي)، الاتحاد الأوروبي (مع مكتب الذكاء الاصطناعي في المفوضية الأوروبية)، الصين، سنغافورة، الإمارات، السعودية، بريطانيا، فرنسا والهند، جميعها وضعت استراتيجيات وطنية وأنشأت وحدات متخصصة للذكاء الاصطناعي. أدركت هذه الدول أن الذكاء الاصطناعي هو مفتاح لتحسين كفاءة الحكومة، ورفع مستوى الخدمات، والبقاء في المنافسة العالمية.

 

في العراق، اتُخذت خطوات أولية. أعلن مكتب المستشار في رئاسة الوزراء، محمد شياع السوداني، عن خطة لوضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وشكل لجنة عليا لهذا الغرض تضم ممثلين من عدة وزارات. هذه خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، لكن من المهم ألا تبقى هذه الاستراتيجية حبراً على ورق وأن تُنفذ بشكل عملي لتصبح أساسًا لإنشاء وحدة فعالة وقوية.

 

في عصر يُحدث فيه الذكاء الاصطناعي تغييرات في كل شيء، لا يمكن لأي حكومة تجاهل هذه القضية بعد الآن. إن عدم وجود استراتيجية وتنسيق مركزي يشكل مخاطر كبيرة على الكفاءة والأخلاق ومستقبل البلاد. لذلك، فإن إنشاء وحدة متخصصة للذكاء الاصطناعي داخل الحكومة ليس مهمًا فقط، بل ضرورة حتمية لأي حكومة ترغب في التعامل بحكمة وأمان واستراتيجية مع هذه التكنولوجيا الثورية واستخدامها لخدمة مواطنيها. هذا استثمار في المستقبل.

قد يعجبك ايضا