وسائل الإعلام أسوة بالناس تعترف بالمعايير الأخلاقية المشتركة، إن لم تضعها في قمة مدونتها وحساسيتها العالية، لكنها تختلف فيما بينها في تفسيرها وموازنتها بطرق مختلفة، إن لم يكن إيجاد الذرائع لتبرير أفعال لا أخلاقية بالأساس !
يستعين الكاتب ديفيد إغناتيوس بجملة كان روبرت كايسر المحرر في صحيفة واشنطن بوست قد أطلقها، من أجل تعريف علاقة الصحافة بالقراء، بالقول إن “القراء يستحقون لقطة واحدة وواضحة على الحقائق حتى يتمكنوا من تحديد من هم الرجال الصالحون ومن هم الأشرار” .
ولكن إغناتيوس المشغول بمصير العالم في مقالاته، يعتذر من نفسه ومن زملائه الصحافيين بالقول “حتى في أفضل أيامنا، فإننا لا نفي دائما بهذا الاختبار العسير” .
وكما يبدو لا بد من إعادة التفكير في أخلاقيات وسائل الإعلام وإعادة اختراعها بعد سحق الصحافة المستقلة بأموال الحكومات في أغلب دول العالم، بما فيها الديمقراطية . فالسؤال المثير الآن هو إلى أي مدى قد تكون أخلاقيات الإعلام مناسبة لوسائل الإعلام الحالية والمستقبلية التي تتسم بالتفاعل الفوري .
لقد تم تطوير المبادئ على مدى القرن الماضي، حيث نشأت في إطار بناء الأخلاقيات المهنية والموضوعية للصحف. بيد أن التغييرات التي طرأت على الإعلام تشكل تحديا لأسس أخلاقياته. والتحدي أعمق من مجرد المناقشات حول مبدأ أو آخر، مثل الموضوعية. بل إن التحدي أعظم من مجرد مشاكل محددة، مثل كيفية تمكن غرف الأخبار من التحقق من المحتوى الذي يقدمه المواطنون. وتتطلب الثورة منا إعادة النظر في الافتراضات. فماذا تعني الأخلاقيات بالنسبة إلى مهنة لا بد أن تقدم أخبارا وتحليلات فورية؛ حيث يصبح كل من لديه منصة ناشرا؟
لقد خلقت الثورة الإعلامية توترات أخلاقية على مستويين.الأول، هناك توتر بين الصحافة التقليدية والصحافة الإلكترونية. فثقافة الصحافة التقليدية، بقيمها المتمثلة في الدقة والتحقق قبل النشر والتوازن والحياد والرقابة، تتعارض مع ثقافة الصحافة الإلكترونية التي تؤكد على الفورية والتحيز من قبل المواطن الصحافي والتصحيح بعد النشر. وعلى المستوى الثاني هناك توتر بين الصحافة المحلية والعالمية. فإذا كان للصحافة تأثير عالمي، فما هي مسؤولياتها العالمية؟ وهل ينبغي لأخلاقيات وسائل الإعلام أن تعيد صياغة أهدافها ومعاييرها بحيث توجه الصحافة التي أصبحت الآن عالمية النطاق والتأثير؟ وكيف يبدو ذلك؟ يمكن تلخيص التحدي الذي تواجهه أخلاقيات الإعلام اليوم في سؤال: إلى أين تتجه الأخلاقيات في عالم الصحافة متعددة الوسائط؟