تأثير الصحة النفسية على الاداء الوظيفي والاجتماعي

آراس عبدالكريم درويش صالح

ثبت بوضوح وجود العديد من العوامل النفسية والاجتماعية التي تزيد من الإجهاد ، مما قد يؤدي بدوره إلى الشعور بالضيق النفسي. في الواقع ، نحن لا نعرف سبب معظم الحالات الفردية للأمراض النفسية المختلفة. لكننا نعرف إن الإفراد الذين يعملون في بيئة تتميز بمخاطر نفسية عالية هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية واضحة. بالإضافة إلى ذلك ، تساهم أماكن العمل التي تهمل التعامل مع العوامل النفسية في تفاقم سوء الحالة الصحية للموظفين الذين لديهم بالفعل اضطرابات نفسية سابقة و إعاقة سيرورة العلاج وإعادة التأهيل. أما في أماكن العمل الداعمة هناك انخفاض في حدوث وشدة وتأثير و مدة الاضطرابات النفسية. بالإضافة إلى ذلك ، انه في المنظمات التي تبذل الجهد لمعالجة عوامل الخطر و خلق مكان عمل داعم للصحة النفسية يكون الموظفون أكثر سعادة وصحة جيدة . و هو ما ينعكس على أدائهم و إنتاجيتهم، لكي تتحقق الكفاية الإنتاجية في أي وسط مهني، يجب أن يتمتع العاملون فيه بالصحة النفسية والصحة الجسمية معاً، لأن الصحة النفسية تحقق للفرد التوافق مع بيئة العمل وتساعده على مواجهة الأزمات النفسية التي تطرأ عادة عليه في حياته، كما تجعله يحس إحساساً إيجابياً بالسعادة والكفاية والروح المعنوية العالية، وهذا ما يزيد من التركيز على الإنتاج وبأقل نسبة من حوادث العمل. ولعل هذه الحقيقة العلمية هي التي حدت بمكتب العمال الدولي أن ينص في إحدى اتفاقياته الدولية على ضرورة العناية بصحة العمال النفسية ،وذلك لأن خلو العامل من الصراع الداخلي والاضطراب النفسي والتوتر المرضي يضمن له السلامة أثناء العمل، ويضمن للإنتاج الكفاية المرجوة.

المقصود بالصحة النفسية ليس أن يكون العامل مجرداً من المرض النفسي فحسب، فكثير من الأفراد غير المرضى بأمراض نفسية لا يمكنهم مواجهة الأزمات العادية، ولا يشعرون شعوراً إيجابياً بالسعادة، وذلك لأن شخصياتهم ضامرة غير نامية نمواً اجتماعياً يحقق لهم الأخذ والعطاء بطريقة ترضيهم وترضي الغير ، ومن هنا برزت أهمية برامج تنمية شخصية العمال اجتماعياً وثقافياً وعناية المجتمع الصناعي بالعامل داخل وخارج عمله و الصحة النفسية بأنها حالة دائمة نسبيا يكون فيها الفرد متوافقا (نفسيا -اجتماعيا -انفعاليا )، أي مع نفسه و مع بيئته و يشعر فيها الفرد بالسعادة مع نفسه و مع الآخرين و يكون قادرا على تحقيق ذاته و استغلال قدراته و إمكاناته إلى أقصى حد ممكن بتعبير أخر فالصحة النفسية هي نوع من التوافق الكلي و التعامل بين الوظائف النفسية المختلفة و يكون الشخص لديه القدرة على مواجهة الأزمات و الضغوط و الإحباطات النفسية التي تواجهه مع إحساسه و شعوره الايجابي بالسعادة و الكفاية. فالصحة النفسية في الواقع مسألة نسبية مثلها مثل الصحة الجسمية، فكما أن التوافق التام بين الوظائف الجسمية المختلفة يكاد لا يكون له وجود، ولكن درجة اختلال هذا التوافق هي التي تبرز حالة المرض عن حالة الصحة، فإن الصحة النفسية لا تعني أن هنالك حداً فاصلاً بين السواء و اللاسواء، بمعنى أن نجاح الفرد في التكيف مع البيئة أمر نسبي، كما أن انعدام النزاع الداخلي للفرد مسألة نسبية، وعلى هذا الأساس فأن الفرد يتمتع بصحة نفسية على قدر توافقه الداخلي وحسن تكيفه مع البيئة.

فالسواء ليس مجرد الخلو من الاضطرابات النفسية و الأعراض المرضية و السمات الشاذة و لكن هناك عدد من المعايير التي تنتقل بمفهوم السواء من المعنى السلبي و هو مجرد الخلو من الاضطراب النفسي إلى المعنى الايجابي الذي يشترط عددا من المعايير و هي:
الكفاءة: يشير مفهوم الكفاءة إلى استخدام الطاقة النفسية و البدنية استخداما موجها نحو الهدف و مرشدا دون هدر لهذه الطاقة ، و يكون موضوعيا و واقعيا في وضع خططه المستقبلية و تحديد أهدافه و طموحاته في ضوء قدراته الشخصية و الظروف المتاحة .

الشعور بقيمة الذات و تقديرها: يعد تقدير الفرد لذاته و إدراكه لقيمتها عاملا مهما في عملية التوافق النفسي و الاجتماعي و يجب أن تكون درجة تقدير الذات في حدود معقولة و متسقة مع الواقع الشخصي.و ذلك دون مبالغة و إفراط في هذا الشعور حيث يكون ذلك علامة على سوء التوافق كما في الشخصية البارانويا و بدون تفريط و تقليل لهذا الشعور و تقليل قيمتها و الحط من شانها كما يحدث في الاكتئاب فالسوي يستطيع إدراك جوانب القوة و الكفاءة في نفسه كما يدرك جوانب القصور و الضعف و يحاول تنميتها.

الملائمة: يستخدم هذا المعيار للإشارة إلى ملائمة أفكار و مشاعر الشخص السوي و اتساقها مع الواقع ( خبرة مؤلمة-حزن ، خبرة سارة فرح)، كما أن الأحكام و التصرفات التي يصدرها تكون ملائمة للمواقف من حيث اتساقها معه و مناسبتها له من حيث العمر و مستوى النضج لديه.
الفاعلية: يقصد بها أن يصدر عن الشخص سلوك أدائي يتسم بالفاعلية في حل المشكلات و مواجهة الضغوط التي يتعرض لها ، حيث يحاول خفض هذه الضغوط من خلال استخدام استراتيجيات المواجهة الفعالة و التعايش معها و ليس الاستسلام او الهروب من مواجهتها ، مما يؤدي إلى إكسابه حصانة نفسية تحول دون إصابته باضطراب نفسي ، و يعزز ذلك أيضا مهاراته في البحث عن مصادر المساندة و الدعم النفسي من شبكة العلاقات الاجتماعية المتمثلة في الأسرة و الأصدقاء و الزملاء و غيرهم بما يساعده على تجاوز ألازمات و حلها و تحقيق أهدافه.

المرونة: يقصد بالمرونة قدرة الشخص على التوافق مع مختلف ظروف الحياة و مع التغيرات الحياتية سواء الطارئة او المستمرة سواء من خلال تعديل سلوكياته بما يتلاءم مع الموقف و التغيرات التي طرأت على البيئة حيث يغير أسلوب حياته و نظامه الروتيني او من خلال إجراء تعديلات على البيئة نفسها..
الاستفادة من الخبرة: يستطيع الشخص السوي أن يتعلم من خبرته السابقة ، و يستفيد منها فيكرر السلوك الفاعل و المحقق للهدف و يتجنب السلوك السلبي المرتبط بخبرات الفشل.
القابلية الاجتماعية: و هذا المعيار يشير إلى درجة التوافق الاجتماعي مع الآخرين و يظهر ذلك في كفاءة الشخص و مهاراته الاجتماعية من حيث قدرته على التواصل و التفاعل الايجابي مع الآخرين و التعبير عن المشاعر في بدء العلاقة و الحفاظ عليها و استمرارها إذا كانت ذات عائد نفسي ايجابي و إنهائها إذا ترتب عليها تكاليف نفسية ، كما يجب ان تتسم العلاقات الشخصية المتبادلة بين الشخص و الآخرين بالتوازن من حيث الاحترام و التقدير المتبادل و كذلك درجة الاعتمادية المتبادلة دون إفراط فيها بحيث يسيطر على هذه العلاقة التعاون و التعاطف و التفاهم.

قد يعجبك ايضا