الاستاذ الدكتور : نزار الربيعي
إن فكرة الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية ، حيث وجد في كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو الكثير من الأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها، ويمكن القول إن فكرة الإصلاح كانت ومازالت الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم ، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام ميكافيلي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن العشرين .
أما في العالم العربي فان فكرة الإصلاح بدأت في الدولة العثمانية في المجال العسكري بعد الهزيمة التي تعرضت لها أمام روسيا القيصرية عام 1774 ، ثم امتدت لاحقاً إلى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية .
و الإصلاح هو: التغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء، ولا سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة أو متسلطة أو مجتمعات متخلفة أو إزالة ظلم أو تصحيح خطأ أو تصحيح إعوجاج ) ، و الإصلاح السياسي هو خطوات فعالة وجدية تقوم بها الحكومات والمجتمع المدني نحو ايجاد نظم ديمقراطية حقيقية تكون فيها الحرية القيمة العظمى والأساسية وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي الى تداول السلطات، وتقوم على إحترام جميع الحقوق مع وجود مؤسسات سياسية فعالة على رأسها التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية بكل تنوعاتها الفكرية والإصلاح السياسي مرتبط بعملية التغيير وله أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جاءت متضمنة في الكثير من المفاهيم الشائعة مثل: التنمية السياسية Political Development، أو التحديث Modernization، أو التغيير السياسي، Political Change، أو التحول Transition، أو التغيير Changeوهي جلها مفاهيم مرتبطة بالعالم الثالث ومنه الوطن العربي، كما انه يوجد لديها تعريفات متعددة دقيقة وواضحة ، إلا أن مفهوم الإصلاح لا يزال يكتنفه الغموض وذلك لتداخله مع العديد من المفاهيم السابقة،
وبالرغم من أن الإصلاح ضرورة ملحة من أجل إعادة ترتيب البيت العربي وتحصينه لمواجهة الاستحقاقات المستقبلية إلا انه ما زال مثار جدل للكثيرين في العالم العربي سواء قادة أو مفكرين أو جماهير، فأهدافه ودوافعه لا يزال يكتنفها الغموض ويكثر حولها الخصام، الأمر الذي يعطل فرص تحقيق إصلاح سياسي في كثير من دول العالم العربي.
فهنالك من يعتبر ان العالم حقيقة متغيرة لأن التغيير هو سنة الكون ، لذلك فان الإصلاح السياسي هو عملية حضارية وطبيعية لابد من الدخول فيها من أجل تغيير الوضع الراهن بواقع أفضل ، وهنالك فريق له نظرة أخرى خاصة بعد تبني الولايات المتحدة الأميركية لعدد من المبادرات والمشاريع الإصلاحية ، حيث يرى أن الإصلاح المفروض من الخارج الذي نادي به الغرب هو حلقة جديدة من حلقات الهيمنة والتآمر على العالم العربي ، وهو يهدف إلى تحقيق أجندة خفية خاصة بمصالح الدول الغربية ، لذلك يؤمن هذا الفريق بان الإصلاح لابد وان يكون ذاتياً ولا ياتي من الخارج .
ولابد من توفر بعض الشروط حتى يمكن إعتبار أي تغييرات في وضع ما إصلاحاً :
. أن يكون هناك وضع شاذ يحتاج إلى إصلاح أو علة تحتاج إلى دواء، إذ أنه في ظل غياب الوضع الشاذ فإنه لا مبرر للإصلاح، لأنه يصبح أقرب إلى الترف. فالعلة قد تكون غياب العدالة أو الحرية أو انتشار الفقر أو المرض وعدم الاستقرار، فالعلة تساعد في تحديد موطن الخلل لكي يتم اختيار العلاج الشافي .
. أن يكون التغيير نحو الأفضل، مثلاً تسود الحرية محل الإستبداد ، أو العدالة محل الظلم .
. أن يكون التغيير له صفة الاستمرارية ولا يتم التراجع عنهIrreversible ، فالتغيرات المؤقتة التي يمكن التراجع عنها لا يمكن اعتبارها إصلاحاً بالمعنى الحقيقي ، فتحول نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي هش يمكن زواله بسرعة لا يعتبر إصلاحاً.