” العبور المؤجل “

ماهين شيخاني

كانت الحافلة قد غادرت عند الفجر، من مدينة صغيرة يلفّها الغبار والنسيان، متجهة نحو العاصمة. ابنتي في الطريق… هكذا أخبرتني برسالة قصيرة، ثم انقطعت.

كل ساعة كنت أبعث لها رسالة:
– “هل وصلتِ إلى نقطة التفتيش؟”
– “هل غلبك النعاس؟ فقط اكتبي لي ’أنا بخير‘ وسأطمئن.”
– “إن لم تستطيعي الرد، أرسلي رسالة صوتية… أي شيء.”

لم أذق طعم النوم. كنت أقف عند النافذة، أنظر إلى الفراغ، وكأن الطرقات كلها تفضي إلى جهة واحدة: قلبها.

في منتصف الليل وصلت إلى العاصمة، ودخلت الفندق بصحبة زميلاتها. هناك استقرت قليلًا، واليوم التالي كان هو الامتحان، امتحان اللغة في السفارة اللبنانية. بوابة عبورها نحو حلمها المعلّق بخطيبها الذي سبقها إلى بلاد الهجرة.

عند الساعة الثانية عشر ظهرًا، اتصلت بها:
– “هل استعددتِ؟ هل ارتديتِ سترتك؟ لا تنسي جواز السفر، وورقة الدعوة!”
ضحكت بصوتها الخافت:
– “بابا، كل شيء تمام، لا تقلق.”

لكني قلق.

منذ لحظة خروجها من الفندق وحتى حلول الليل، كنت على أعصابي. كنت أتواصل مع أختها في البيت:
– “هل اتصلت بكِ؟ هل خرجت من سوريا؟ هل سمحوا لها بالدخول؟”

لكن لا جواب. حتى الساعة العاشرة ليلًا، جاءت الرسالة:
– “بابا، دخلت… ثم أرجعوني.”
– “لماذا؟ ماذا حدث؟”
– “لا أستطيع الكلام الآن، سامحني… سأعود.”

صمتت. وأنا؟
بقيت أمام الهاتف كمن ينتظر معجزة أو صفعة.
سؤال واحد ظلّ يطنّ في رأسي: لماذا؟

وها أنا الآن، لا أنام، لا أهدأ. أنتظرها تعود من بوابة لم تُفتح… من فرصة أُغلقت في وجهها… من حلمٍ تأجل.

قد يعجبك ايضا