حاوره-ناهي العامري
ضمن سلسلة حوارات ولقاءات جريدة التآخي مع الكتاب والمثقفين والشخصيات بشأن القضية الكوردية في الشرق الأوسط ، كان لنا لقاء مع الباحث والكاتب “د.فارس قائد الحداد” تناول فيها جوانب مهمة وجوهرية في القضية الكوردية، ننشر نصها لقراء صحيفتنا الكرام، بدأنا حوارنا بطرح السؤال التالي:
س/كيف تنظرون للقضية الكوردية في الشرق الاوسط بشكل عام، وهل ممكن تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، من دون حل عادل للقضية الكوردية؟
ج/ في البداية اتقدم بخالص الشكر لشخصك الكريم الصحف والمثقف ناهي العامري ولأسرة صحيفتكم الغراء (التاخي) على هذه المقابلة وعلى اتاحة الفرصة لنا في هذه المقابلة .
اما فيما يخص الأجابة عن سؤالك اسمح لي ان اقول نحن كدول عربية واقليمية ودولية ننظر للقضية الكردية كقضية وملف هام قائم فالقضية الكردية ليست مصطلح سياسي يتعلق بفصل او شعب او زمن او صراع محدد بل قضية مصير وجود لكل الكورد مرتبط بتاريخ وهوية وجغرافية وجنس وقضية واحدة ومصير مشترك ومعاناة وهم واحد ومشروع واحد كبير وعريق، لذلك ننظر للقضية في العراق و تركيا وايران وسوريا بانها قضية شعب وامة كردية واحدة كبيرة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض او حل بعضها عن البعض الاخر ولا يمكن حصرها في بلد دون آخر او تجاهلها وبالتالي عندما نقرا تاريخ القضية الكردية سنجد إنها ليست وليدة اللحظة بل عقود من التاريخ النضالي حيث تعرض الكورد منذ بداية تاريخهم النضالي الطويل منذ بداية الالفية العشرين والواحد والعشرين لكل اشكال الظلم والاضطهاد والانتهاكات والتمييز والحرمان من حقوقهم المشروعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن بدرجات متفاوتة بين الانظمة السياسية المتعاقبة التي حكمت العراق وتركيا وسوريا وايران الى اليوم وكل نظام من تلك الانظمة السياسية السابقة او القائمة اليوم لها ارتكتب أخطاء وسلبيات بحق الكورد او بحق الاقليات الاخرى على سبيل المثال ما تعرض له الكورد في تركيا في فترة حكم اردوغان ومن سبقوه.
حيث شن نظام اردوغان والنظم السابقة التركية حروب دموية ضد الشعب الكوردي بقتل وفجر منازل واعتقال وتشريد الالاف من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء ترتقي لمستوى جرائم حرب وانتهاك حقوق الانسان لن تسقط بالتقادم ودون فائدة له ومهما كان المبرر لذلك واعتقد هذا هو صراع النظام التركي ضد الكورد وخلافه معهم وأن استمرار نظام اردوغان العدائي بحق الكورد خطأ فادح لن تحل الخلاف وسيحصد الشر في معركة هو خاسر فيها اما الشعب التركي يحترم الشعب الكوردي، والجميع يستنكر ويقف ضد أفعال نظام اردوغان ومن سبقوه بحق اخوانهم الكورد،لا ذنب سوى ان الكورد طالبوا بحقوقهم القومية المشروعة وكان من المفترض ان تحل القضية الكوردية في الدول التي تقاسمت ارض كوردستان،عبر الحوار والسلام دون اللجوء لخيارات للعنف واراقة الدماء.
ايران أيضا ماضية بقمعها للشعب الكوردي، واليوم يتعرض الكورد في هذا البلد للاضطهاد والاقصاء والحرمان من حقوقهم ومورست انتهاكات رهيبة لحقوق الانسان الكردي والشواهد كثيرة، على سبيل المثال، حادثة قتل الفتاة الكردية مهسا اميني على يد شرطة الأخلاق الايرانية تحت مسوغ غير مشروع التي حدثت في الاعوام الماضية واثار قتلها حالة من الغضب والسخط في الشارع الكردي والايراني والاقليمي والدولي واشعل مقتلها ثورة المرأة في ايران والقائمة الى اليوم،وهي دلالة واضحة على الفشل السياسي والتعامل الظالم والغير الحكيم للنظام الايراني بحق الكورد او غيرهم من الاقليات الأخرى.
أما في العراق تعرض الكورد للابادة الجماعية و ومورست ضدهم جرائم كبيرة سواء ما ارتكب منها في فترة حكم صدام حسين المجيد رئيس الجمهورية واعتقد كان خطأ وردة فعل كارثية وقرار غير حكيم اتخذ بعجالة في دوائر صناع القرار انذاك واجزم أنه كان بمثابة فخ نصب لنظام صدام حسين والهدف منه ضرب عصفورين بحجر الأول رفع مستوى الخلافات بين الكورد ونظام صدام حسين والثاني توريط النظام بهذا الخطأ الفادح.
على اية حال يمكن القول أنه خطأ فادح لنظام صدام حسين عند قمعه المفرط للكورد في العراق وبعد الغزو الأمريكي في 2003 وبعد نضال طويل حصل الكورد على حقوق ثبتت في الدستور العراقي، بعدما تكالبت كل تركيا وايران والنظام العراقي على الشعب الكوردي، وأخيرا حملة الإبادة الجماعية لتنظيم داعش الإرهابي ضد الكورد الايزديين والتي خلفت ورائها ماسي وانتهاكات رهيبة تعرضوا من خلالها لابشع صور الظلم والاضطهاد و القتل والتشريد والسبي.
وفي سوريا أيضاً تعرض الكورد للاضطهاد والاقصاء والتضييق وبعد رحيل الأسد ووصول الشرع وجماعته الى الحكم في سوريا وسط تفاؤل كردي وسوري بكل مكوناته بواقع افضل يستوعب الجميع وبسوريا للجميع لكن وللاسف جاء الشرع ونظامه ومارس نفس أخطاء وسلبيات الماضي وأكثر بشاعة فالة الموت والمواجهات العسكرية لجيش النظام الجديد ومسلسل القمع ضد الكورد وغيرها من الاقليات والمكونات السورية الأخرى لم تتوقف لنظام وسط جرائم وانتهاكات بشعة لحقوق الانسان .
وعلى اثر ما تعرض الكورد له هنا أو هناك لكنهم ماضون بمشروعهم ومطالبتهم بحقوقهم بروح نضالية والتضحيات لقضيتهم العادلة ومشروعهم الواحد من العراق وتركيا وايران وسوريا فقدموا قوافل من الشهداء في سبيل حقوقهم المشروع’ وما يزالون الى اليوم.
وهذا ما يجعلنا نقول ان القضية الكردية في تركيا وايران وسوريا والعراق عبر تاريخها النضالي الطويل إحدى أهم القضايا والملفات الخطيرة والهامة التي تؤثر في امن وإستقرار العربي و الإقليمي والدولي، والتي واجهتها الحكومات التركية والايرانية والعراقية والسورية وهذا ما يعرفة الجميع وبالتالي ان استمرار القضية الكردية بلا حل عادل ،يهدد الامن والاستقرار العربي والاقليمي والدولي وستكون لها انعكاسات أمنية خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي في حال عدم إيجاد الحلول المناسبة لها.
س/برأيكم ماهو الحل الامثل للقضية الكوردية في الدول التي تقاسمت ارض كوردستان؟ هل هو في بناء نظم فدرالية، ام هناك حلول اخرى؟
ج/أعتقد ان الحل المناسب والعادل للقضية الكردية ليس صعب المنال بل سهل جداً لكنه يحتاج الى نوايا صادقة بين الكورد وتلك الدول و المرونه السياسية والنجاح الدبلوماسي لكل دولة من تلك الدول لكنه في المقابل يحتاج الى ضغط شعبي وقانوني وسياسي واقليمي ودولي موحد داعم للقضية الكردية على الدول التي تقاسمت أرض كردستان من خلال الضغط عليها واعتراف تلك الدول بوحدة الأرض الكردية الواحدة أولاً والاعتراف الرسمي بالكورد كمكون شعبي له قاعدة شعبية كبيرة داخل كل دولة من تلك الدول والتزام كل دولة من تلك الدول على منح الكورد كل حقوقهم من خلال شراكتهم في السلطة داخل تلك الدولة هذه او تلك وهذا مرهون بارادتهم او منحهم حقهم في الاستقلال ان ارادوا بعد استفتاء شعبي وقانوني في تأسيس اقليم قائم على نظام فيدرالي أي يحكم الاقليم الكردي نفسه بنفسة بشكل مستقل لكنه يتبع حكومة الدولة المركزية مثل كردستان العراق حاليا فتاسيس حكم فيدرالي للكورد في كل دولة من تلك الدول هو الحل المناسب لحل القضية الكردية.
س/استخدمت كل من تركيا وايران وسوريا والعراق على مدى القرن الماضي العنف كوسيلة للقضاء على مطالبة الشعب الكوردي بحقوقه القومية؟ برأيكم هل حقق هذا الاسلوب والسلوك العنفي هدفه في القضاء على الطموحات الكوردية؟
ج/ نعم ان حقوق الشعب الكردي القومية واضحة ولا يمكن لاحد تجاوزها إطلاقاً لكن للأسف ان لجؤ كل من تركيا وايران والعراق وسوريا لاسلوب العنف ضد الكورد لثنيهم عن حقوقهم أسلوب فاشل وسلاح العاجز فالعنف لا يولد الا عنف والشر لا يثمر الا شر فالعنف عمره ما كان حل إطلاقاً إلا في حالات معينة في حال نفاد كل الخيارات السلمية والدبلوماسية ومع ذلك يبقى العنف ليس حلًا أيضاً في هذه الحالة او تلك في كل الاحوال ان خيار العنف ضد الكورد لم ولن يحقق لتركيا او ايران او سوريا أو العراق أي فائدة وانما يورطها ويغرقها اكثر في مستنقع معركة خاسرة.
وتمسك الكورد بحقوقهم القومية له تاريخ طويل من النضال والكفاح السلمي او العسكري وسيكسبون المعركة ويصنعون النصر في معركتهم السلمية او العسكرية لا محاله مهما تعددت خسائرهم سواء كان في ايران او تركيا او في سوريا أو العراق لاعتبارات كثيرة وخصوصا في ظل التغيرات الجيوسياسية الاقليمية والدولية التي رسمت مشهد واقع جديد في المنطقة والعالم بالإضافة الى الدعم والحشد الاقليمي والدولي المؤيد لقضيتهم وغيرها من فرص النصر والنجاح الذي يمتلكونها هنا أو هناك ,كان من المفترض على تلك الدول اللجؤ الى خيارات السلام.
س/منذ اكثر من عقدين من الزمن، سقط النظام الدكتاتوري في العراق، لكن الخلافات بين اربيل وبغداد، لم تحسم بعد، برأيكم ماهي اسباب استمرار الخلافات؟
ج/ عندما نتحدث عن سقوط النظام العراقي منذ عقدين واعتقد ان المكون الكردي في العراق له موقف تاريخي رافض لغزوا وتدمير العراق ،واتذكر أني سمعت ما قاله الرئيس مسعود بارزاني في مقابلة مع قناة فضائية عندما سأل عن موقف إقليم كردستان العراق كحكومة وشعب من غزوا العراق وسقوط نظام صدام حسين فأجابة انه ضد لغزوا وتدمير واحتلال العراق على الرغم من الخلافات والجراح الغائرة بين الكورد ونظام صدام حسين حينها وهناك مكونات عراقية اخرى تتفق مع الكورد الرافض للغزوا واحتلال العراق واجزم ان موقف كردستان العراق حكومة وشعباً ، اما أسباب استمرار الخلاف بين اربيل وبغداد يرجع لاسباب كثيرة منها : رغبة بعض القوى السياسية والدينية في بغداد من الانتقام من اربيل والكورد لمواقفها الوطنية، و السبب الآخر عدم وجود نوايا صادقة لسلطات بغداد في الجلوس مع اربيل لحل كل نقاط الخلاف رغبة منها في تأجيج واستمرار الخلاف لأن هناك اطراف سياسية ودينية عراقية مستفيدة من استمرار الخلاف وان حل الخلاف سيفقدهم كثير من اوراق الضغط على اربيل .
س/بعد سقوط نظام الاسد في سوريا، لم نرى موقف جديد من النظام السوري الجديد، لحل القضية الكوردية في هذا البلد، برأيكم عدم اعتراف النظام السوري الجديد بحقوق الكورد والاقليات السورية الاخري، هل ستجلب الامن والاستقرار لهذا البلد المنهك عسكريًا واقتصاديًا؟
ج/بكل تاكيد هناك مشكلة يعاني منها نظام سوريا الجديد، فبعد الاحداث الاخيرة في سوريا ووصول احمد الشرع وجماعته الى الحكم في سوريا وسقوط نظام الرئيس بشار حافظ الاسد اصبحت سوريا تعيش فوضى فلا دولة قامت كدولة لكل السوريين وتحتضن كل السوريين وتفتح صفحة جديدة في تاريخها السياسي ولا امن استبب ولا يوجد بارقة أمل وبشائر سلام لتنتشل سوريا من وضعها الكارثي ولا شي ،قد حقق ذلك التحول شيء لسوريا لكنه ليس بالقدر المطلوب تصريحات الرئيس الشرع وتعهداته للسوريين ببناء سوريا على أرضية الحوار لا ثأر ولا انتقام فيها لكن تلك التعهدات وللاسف لم تترجم على الأرض وكأنها نوع من التخدير السياسي لانها لم تجد طريقها الى النور فسرعان ما صاحب ذلك التحول عدد كبير من الاخطاء والتجاوزات والسلبيات الكارثية التي لا داعي لها ووضعت النظام الجديد في سوريا والادارة السورية الجديدة في مازق اقليمي وعربي ودولي فالاحداث الأخيرة ومسلسل العنف والدم القائم وحالات الانتهاكات بحق الكورد او غيرهم من الاقليات هنا أو هناك التي ضربت سوريا اصبحت شاهد على ذلك الفشل اي بمعنى ان الادارة السورية الجديدة التي وصلت الى دفة الحكم في سوريا ربما لم تستوعب حجم المرحلة او انها لم تمتلك الرؤية الوطنية الكاملة التي تستوعب كل السوريين بكل نخبهم وفئاتهم ومذاهبهم واديانهم وتبني سوريا لكنها سرعان ما بدات تفرز اخطاء الانتقام والاضطهاد وتضييق الحريات واحتكار السلطة ضد طموحات الكورد وغيرهم من الأقليات.
على الرغم من الانتقال السياسي في سوريا لا توجد مؤشرات على انفتاح القيادة السورية الجديدة واعترافها بالحقوق القومية للكورد كمكون شعبي او بالمكونات او بحقوق الاقليات الأخرى وهذا من واجب الدولة وليس تفضل منها وما يحدث اليوم يوحي ان القيادة السورية لجئت الى لغة العنف الدموي ضد الأقليات بصورة وحشية في انتهاكات رهيبة لحقوق الانسان بدل من الحوار والسلام ومع استمرار التصعيد العسكري وحمام الدم بين النظام والاقليات الأخرى تحدثت وسائل اعلامية عن بوادر سلام بين النظام الكورد وهناك تفاهمات بين كل النظام والكورد برعاية من الرئيس مسعود بارزاني ودعوته للكورد في سوريا لتغليب العقل تم عقد المؤتمر الوطني الكوردي في سوريا الذي خرج بموقف ايجابي وهذا احد عوامل النصر وخطوة ايجابية فعلا الذي طالب من خلال بيان المؤتمر النظام السوري الجديد بالاعتراف بحقوق الكورد واحترام حقوق الاقليات والافكار والاديان والمعتقدات بدل من الصدام معهم والتوجه نحو بناء سوريا.
س/في اعتقادك هل تكوين اقليم كوردي في سوريا على غرار العراق ملائم للحفاظ على استقرار وحقوق الكورد؟
ج/ بالطبع نحن كنخب ومثقفين مع الحل العادل للقضية الكردية ونقف الى جانب كل الاطراف الاقليمية والدولية ورعاة السلام الراغبة في حل القضية الكردية ونرحب باي خطوات لحل القضية الكردية كما ان منح الكورد سواء في سوريا وتركيا وايران حقهم في تكوين اقليم كوردي خاص بهم على غرار التجربة العراقية خطوة ايجابية وتساهم في حماية استقرار تلك الدول والحفاظ على حقوق الكورد المشروعة وتحقيق هذا الأمر مرهون بتفاهمات الانظمة السياسية مع القيادات الكوردية .
س/ وفق مبدأ حق تقرير المصير ، من حق الكورد اعلان دولتهم القومية، لكن هناك معارضة من قبل الدول التي تضم اراضيهم، لماذا؟
ج/من حقهم الطبيعي والمشروع اعلان دولتهم القومية الواحدة لطالما لا يوجد أي خطر على تلك الدول وادعوا تلك الدول ان تنظر لقيام الدولة الكردية بعين الحكمة والعقلانية كحق مشروع لهم وتحترم ارادة شعوبها واقلياتها ومكوناتها ولا تنظر لحقوقهم المشروعة من الزوايا الضيقة وكما قلت سلفاً انها لا تشكل أي خطر عليها وان مسألة قيام الدولة القومية الكردية هو قرار الكورد.
نشكركم ضيفنا الكريم د.فارس قائد الحداد الباحث في الإعلام والقانون الدولي الصحافي والحقوقي اليمني على اتاحة الفرصة لنا لاجراء هذه المقابلة الخاصة ؟
وبدوري اشكركم على اجراء هذه المقابلة الصريحة والمهنية لتوضيح الحقائق للرأي العام وبالأخص الشارع العربي.