مسرور بارزاني… من الحزبية الكلاسيكية إلى الثورة الرقمية: دعوة إلى الانفتاح والتجديد

د. ابراهيم احمد سمو

 

في كلمة مفصلية تعبّر عن وعي سياسي عميق وإدراك لمتغيرات المرحلة، وجّه نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسرور بارزاني، رسالة بالغة الأهمية إلى كوادر الحزب بمناسبة افتتاح الدورة العشرين لتأهيل الكوادر في معهد الكوادر الحزبية وجمهوره السياسي، مفادها أن الزمن الذي كانت تُدار فيه الأحزاب وفق قواعد تقليدية ونهج كلاسيكي قد ولّى، وأن المرحلة الراهنة تقتضي انتقالًا واعيًا نحو التفكير الحديث والتفاعل مع أدوات العصر، وفي مقدمتها التكنولوجيا.

 

ففي ظل التسارع الرقمي والتطور الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد من المقبول أن تبقى الكوادر السياسية في حدود الرؤية الضيقة التي تحصر الفعل السياسي في الاجتماعات الحزبية المغلقة أو التصريحات النمطية في المناسبات المحددة. الرسالة التي حملتها كلمة مسرور بارزاني هي دعوة جريئة إلى الخروج من “بوتقة النغمة القديمة”، والانفتاح على مفاهيم جديدة في التواصل والتأثير والعمل السياسي.

 

وداعًا للنمطية… مرحبًا بالعقل الرقمي

 

كلمة مسرور بارزاني لا يمكن اعتبارها خطابًا عابرًا أو تقليديًا. لقد جاءت حاملة لرسائل تتجاوز الإطار الحزبي الضيق، وتنفتح على واقع سياسي واجتماعي متحوّل، يحتاج إلى أدوات جديدة في الفهم والممارسة. من هنا، فإن التركيز على التكنولوجيا ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية لكل حزب يسعى إلى البقاء والتطور والتأثير في عالم يتشكل رقميًا كل لحظة.

 

اليوم، لم تعد المواجهة السياسية تُخاض فقط من خلال الخطابات أو الاجتماعات المغلقة، بل أصبحت تدور في الفضاء المفتوح لمنصات التواصل الاجتماعي، حيث يستطيع أي شخص أن ينقل فكرته، ويؤثر في الرأي العام، ويتفاعل مع القضايا لحظة بلحظة. وأمام هذا التحدي، لا بد أن يكون الحزب، بكل كوادره، حاضرًا في هذا الفضاء، لا كمراقب سلبي، بل كفاعل ومبادر ومؤثر.

 

حزب في حالة وفاق وآخر في معارضة… لكن التحدي رقمي

 

لقد أشار مسرور بارزاني أيضًا إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني، رغم كونه في حالة وفاق مع بعض الأحزاب، إلا أنه في حالة خلاف وربما شبه عداء مع أخرى، وهذا أمر طبيعي في الحياة السياسية. لكن الجديد في هذا السياق هو أن المواجهات لم تعد تدور فقط في الميدان أو على طاولة الحوار، بل انتقلت إلى العالم الرقمي، حيث المعركة الإعلامية لا تقل خطورة عن المعركة السياسية.

 

ومن هذا المنطلق، فإن استخدام التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي لم يعد خيارًا، بل ضرورة. يجب على الكوادر الحزبية أن تواكب هذه التحولات، وأن تستخدم هذه الوسائل بذكاء ووعي ومسؤولية، لأن من لا يواكب العصر يُقصى منه تدريجيًا.

 

صراحة مع الذات… وشجاعة في المواجهة

 

في كلمته، عبّر مسرور بارزاني عن روح جديدة تتطلب من كوادر الحزب أن تكون في حالة صراحة مع الذات أولًا، ثم مع الآخرين. وهي صراحة تنبع من إدراك حقيقة التحديات التي تواجه الإقليم اليوم، داخليًا وخارجيًا. فالمواجهة لم تعد مع طرف خارجي فقط، بل هناك تحديات داخلية تمثّل خطرًا لا يقلّ عن الأخطار الخارجية. ومن هنا، فإن الوقفة المطلوبة ليست وقفة عسكرية أو شعاراتية، بل وقفة فكرية وتنظيمية تتطلب شجاعة في المصارحة، وجرأة في التغيير.

 

وهذه المرحلة، كما وصفها نائب رئيس الحزب، هي بمثابة ثورة جديدة، لكنها ثورة لا تُخاض بالبندقية، بل بالعقل، وبالقدرة على استيعاب المتغيرات، والتأقلم مع المعطيات الجديدة، والانفتاح على أدوات العصر. إنها ثورة رقمية، ثقافية، سياسية، وأخلاقية.

 

من الكوادر إلى المؤثرين… إعادة تعريف الدور الحزبي

 

أبرز ما يمكن استخلاصه من خطاب السيد مسرور بارزاني هو ضرورة إعادة تعريف دور الكادر الحزبي. لم يعد الكادر هو ذلك العضو الذي يحضر الاجتماعات ويشارك في المناسبات الحزبية فقط. الكادر اليوم يجب أن يكون مثقفًا رقميًا، وفاعلًا على منصات التواصل، وصاحب رأي، وقادرًا على الدفاع عن قضيته بأسلوب مقنع ومتمدن. لقد أصبحت “السوشيال ميديا” جزءًا من ساحة الصراع السياسي، ومن لا يتقن أدواتها يُفقد صوته وتأثيره.

 

ولذلك، فإن التدريب والتأهيل في هذا المجال بات ضرورة ملحّة. يجب على الأحزاب أن تنقل ثقافتها إلى المجال الرقمي، وأن تخلق كوادر تمتلك أدوات التعبير العصري، وتحسن خوض المعارك الفكرية والسياسية والإعلامية بلغة العصر.

 

التكنولوجيا: السلاح الجديد في الدفاع عن كوردستان

 

في ظل الهجمات المنظمة على الإقليم، ومحاولات التشويه والتحريض التي تُشن عبر الفضاء الرقمي، يجب ألا نقف موقف المتفرج أو الضحية. لقد أكد مسرور بارزاني أن الدفاع عن كوردستان اليوم يمر عبر معارك إعلامية وتوعوية وفكرية، تقودها أقلام حرة وعقول نيرة. والسلاح الجديد في هذه المواجهة هو التكنولوجيا، وما تتيحه من أدوات لنشر الوعي، وكشف الأكاذيب، وتقديم الرؤية الكوردية بشكل حضاري وشفاف.

ومن هنا، فإن الحزب مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن يكون في طليعة هذا النوع من المواجهة، وأن يُفعّل كل قنواته الإعلامية والرقمية، ويُسهم في خلق رأي عام داخلي وخارجي مساند لقضية كوردستان، ويقف بوعي ضد محاولات التفرقة أو التحريض.

 

المرحلة تتطلب شجاعة… وتستحق المواجهة

 

ليس خافيًا أن المرحلة الحالية من أصعب المراحل في تاريخ الإقليم، لكنها في الوقت ذاته من أكثرها أهمية. إنها لحظة مفصلية تتطلب شجاعة كبيرة، لا في إطلاق العبارات الحماسية، بل في مصارحة الذات، والاعتراف بالتقصير، والعمل الجاد على التغيير.

 

وقد جاءت كلمة مسرور بارزاني لتدق ناقوس الإنذار وتعلن بداية التحوّل من النمط الحزبي التقليدي إلى الانفتاح على آفاق جديدة. وقد فهم الكثير من المتابعين هذه الكلمة على أنها دعوة إلى ثورة داخلية داخل الحزب، عنوانها: “نحن بحاجة إلى عقل جديد، لا سلاح جديد”.

 

وإذا كان الماضي قد فُرض علينا أن نخوض فيه معارك السلاح، فإن الحاضر يفرض علينا أن نخوض فيه معارك الكلمة والفكرة والصورة. إنها مواجهة من نوع آخر، لكن تأثيرها لا يقلّ خطورة ولا أهمية.

 

ختامًا…

الوعي السياسي الذي حملته كلمة مسرور بارزاني يعكس فهمًا عميقًا لروح المرحلة، وإدراكًا واعيًا لطبيعة التحديات، ودعوة صريحة إلى أن تكون كوادر الحزب على مستوى اللحظة التاريخية. إنها لحظة تجديد لا يمكن تأجيلها، وثورة فكرية لا تُدار بالبندقية، بل بالمعرفة والانفتاح.

فمن أراد أن يبقى في قلب المشهد، عليه أن يغادر الظل، ويستخدم أدوات العصر، ويُسلّح نفسه بالعلم والتكنولوجيا… لأن المستقبل لا ينتظر المترددين

قد يعجبك ايضا