“قانون العفو العام: بين ضرورة الإصلاح ومخاوف تفريغ العدالة

حمزة رشيد الصيداوي

يُعد قانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016 علامة بارزة في مسار التشريع الجنائي العراقي، إذ جاء هذا القانون ليحقق غايات متعددة، منها التخفيف من اكتظاظ السجون وتحقيق المصالحة الوطنية وإعطاء فرصة لاصلاح الذات للمحكمومين داخل السجون العراقية . إلا أن التعديل الثاني للقانون لعام 2025 أثار موجة من الجدل بين الأوساط القانونية والاجتماعية، لما انطوى عليه من توسع في الفئات المشمولة بالعفو وشبهات تعارض مع مبادئ العدالة الجنائية.
إن القراءة الأولية للتعديل تكشف عن نزعة واضحة نحو توسيع مظلة العفو لتشمل أفعالاً كانت تُعتبر سابقًا من الجرائم الجسيمة،و غير قابلة للشمول بقانون العفو العام بما في ذلك بعض الجرائم الاقتصادية والجرائم المرتكبة ضد المال العام.
وهنا تثار عدة ملاحظات نقدية:

أولاً:
المساس بمبدأ الردع العام والخاص: إذ أن شمول فئات واسعة بالعفو، دون تمييز دقيق بين الجنايات الخطيرة والجنح البسيطة، قد يُضعف هيبة القانون ويعزز شعور الإفلات من العقاب، بما يشجع على تكرار الأفعال الإجرامية.

ثانياً:
الانتقاص من حقوق الضحايا: فالتعديل الجديد لم يراعِ بالقدر الكافي مصالح الضحايا وذويهم، خصوصًا في الجرائم المتعلقة بالاعتداءات الجسدية والمالية، مما يعد افتئاتًا على مبدأ جبر الضرر وإقرار الحقوق الفردية.

ثالثاً:
الإخلال بمبدأ المساواة: إذ أن اشتراط دفع مبالغ مالية أو إبرام صلح مع المشتكي قبل شمول بعض الجرائم بالعفو يطرح إشكالية التمييز بين مرتكبي الجرائم وفقًا لقدرتهم المالية أو وضعهم الاجتماعي، وهو ما يتنافى مع قاعدة المساواة أمام القانون.

رابعاً:
غياب الرؤية الإصلاحية: فالتعديل خلا من نصوص تضمن أن يستفيد المشمولون بالعفو من برامج تأهيل اجتماعي أو مراقبة لاحقة، ما يحول العفو إلى إجراء شكلي لا يحقق غايته الحقيقية في إعادة إدماج المدانين في المجتمع بشكل سليم.

بينما تُفهم الضرورات السياسية والاجتماعية التي دعت إلى إقرار التعديل الثاني لقانون العفو العام، إلا أن تغليب الاعتبارات الآنية على حساب مبادئ العدالة وإعلاء مصلحة المجتمع على المصلحة الفردية يثير القلق. وكان الأحرى بالمشرع أن يعتمد مقاربة أكثر توازنًا، تأخذ في الحسبان حماية الحقوق والحريات مع الحفاظ على السلم الاجتماعي وسيادة القانون.
إن مسؤولية التطبيق الآن تقع على عاتق القضاء الموقر الذي ينبغي أن يستخدم صلاحياته التقديرية بحكمة، لتفادي النتائج السلبية المحتملة لهذا التعديل. ولنا ثقة كبيرة لسلطة القضاء العادل والمحترم .

قد يعجبك ايضا