تأثير الهجرة واللجوء على بلدان الأصل وعلى بلد المهجر

إعداد ـ التآخي

تستمر عمليات الهجرة وطلب اللجوء من بلدان الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية وكندا واستراليا وغيرها، لأسباب متعددة ومتداخلة، يمكن تلخيص أهمها فيما يأتي: النزاعات والاضطرابات السياسية، وتتمثل في الحروب الأهلية والصراعات المسلحة، كما جرى في سوريا، اليمن، العراق، وأفغانستان، اذ تدفع أعمال العنف والقصف والقتال المستمر السكان إلى البحث عن ملاذ آمن.
ومن الاسباب الاخرى، الاضطهاد السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان ويشمل ذلك الاعتقالات التعسفية، التعذيب، القمع السياسي، وعدم تواجد حريات أساسية، مما يدفع الأفراد والجماعات المعارضة أو المستهدفة إلى الفرار.
وايضا من اسباب الهجرة الاخرى، عدم الاستقرار السياسي والتهديدات الأمنية، اذ يؤدي ضعف الحكومات، وانتشار الميليشيات والجماعات المتطرفة، وانعدام الأمن إلى خلق بيئة غير آمنة وغير قابلة للعيش لكثيرين.
اما الاسباب الاقتصادية للهجرة فتتضمن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومنها ان انتشار الفقر والبطالة يفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية، و ان نقص فرص العمل، وانعدام الآفاق المستقبلية يدفع الشباب والكفاءات إلى البحث عن فرص أفضل في الخارج.

وتؤدي الأزمات الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، ونقص الموارد الأساسية إلى تدهور مستوى المعيشة وتزيد من دوافع الهجرة، كما ان الفوارق الكبيرة في الدخول وتوزيع الثروة تخلق شعورا بالإحباط وعدم العدالة، مما يدفع البعض إلى البحث عن فرص أكثر إنصافًا في دول أخرى.
وهناك العوامل الاجتماعية كأحد اسباب الهجرة الرئيسة وتشمل التدهور في الخدمات الأساسية مثل نقص الرعاية الصحية الجيدة، وتدهور التعليم، وعدم توفر المياه النظيفة والصرف الصحي المناسب، ما يدفع الناس للبحث عن بيئات توفر لهم حياة كريمة.
و يمكن أن يكون التمييز على أساس العرق، الدين، الجنسية، أو الانتماءات الاجتماعية الأخرى سببا للهجرة بحثًا عن مجتمعات أكثر تسامحا وعدلا.
وهناك ما يعرف بـ “لم شمل العائلات” لتواجد أقارب أو أفراد من العائلة في دول أخرى يشجع على الهجرة بهدف الاستقرار والعيش معا.
وفي السنين الماضية برزت العوامل البيئية كأحد الاسباب الرئيسة للهجرة وتمثل ذلك بتغير المناخ والتصحر، اذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، ونقص المياه، والجفاف، وتدهور الأراضي الزراعية إلى فقدان سبل العيش وتهجير السكان، بخاصة في المناطق التي تعتمد على الزراعة التقليدية، كما ان الكوارث الطبيعية ومنها الفيضانات، الزلازل، والأعاصير يمكن أن تدمر المنازل والبنية التحتية وتجبر السكان على البحث عن مأوى في أماكن أخرى.
ويهاجر كثير من السكان للبحث عن الأمان والحماية، بخوفهم من الاضطهاد، اذ يسعى كثيرون للحصول على اللجوء خوفًا من التعرض للاضطهاد بسبب آرائهم السياسية، أو معتقداتهم الدينية، أو انتمائهم العرقي أو الاجتماعي.
وعندما تفشل الدولة في توفير الحماية لسكانها من التهديدات والعنف، يصبح اللجوء إلى دول أخرى خيارا ضروريًا للبقاء على قيد الحياة.
باختصار، إن استمرار الهجرة وطلب اللجوء هو نتيجة لتفاعل معقد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية التي تجعل الحياة في بلدانهم الأصلية غير مستدامة أو خطيرة، في حين تقدم دول أخرى آمالًا في حياة أكثر أمانًا واستقرارًا وفرصًا.

تأثير الهجرة على بلدان الأصل
إن استمرار الهجرة يحمل تأثيرات عميقة ومتنوعة على البلدان الأصل التي يغادرها الناس، ويمكن تلخيص هذه التأثيرات في جوانب رئيسة اهمها، خسارة الكفاءات والعقول “هجرة الأدمغة”، و فقدان النخب المتعلمة والماهرة، اذ يمثل رحيل الأطباء، المهندسين، العلماء، الأكاديميين، والفنيين خسارة فادحة لرأس المال البشري الذي يعد أساس التنمية والتقدم.
وكذلك تؤثر الهجرة على الابتكار والإنتاجية، اذ يؤدي نقص الكفاءات إلى تباطؤ عجلة الابتكار، وتراجع جودة الإنتاج والخدمات، وتأخر النمو الاقتصادي، كما ان هجرة الأكاديميين والباحثين تؤدي إلى تدهور مستوى التعليم والبحث العلمي، مما يقلل من قدرة البلاد على تطوير نفسها.
اما الآثار الاقتصادية السلبية فتتمثل في نقص الأيدي العاملة بخاصة في القطاعات التي بها حاجة إلى مهارات محددة، مما قد يعوق النمو الاقتصادي ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ وكذلك فان هجرة الشباب والقادرين على العمل تقلل من عدد دافعي الضرائب وتزيد العبء على الباقين.
وبالهجرة تصبح بعض البلدان معتمدة بشكل كبير على التحويلات المالية من المغتربين، مما يجعل اقتصادها هشًا وعرضة للتغيرات الخارجية، كما تتأخر التنمية الاقتصادية، فان فقدان الكفاءات والاعتماد على التحويلات يمكن أن يعوق جهود التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل.
وكثيرا ما تؤدي الهجرة الى التفكك الاجتماعي والأُسري، اذ ان هجرة أحد الوالدين أو أكثر تؤدي إلى تفكك الأسر وتؤثر سلبا على الأطفال والتماسك الاجتماعي.

كما ان هجرة الشباب المتعلم والطموح قد يحرم الأجيال الشابة من النماذج التي يمكن أن تقتدي بها، و يمكن أن تؤدي الهجرة المستمرة إلى تغيير التركيبة السكانية للبلاد، بخاصة إذا كان أغلب المهاجرين من فئة الشباب.
اما الآثار الإيجابية المحتملة للهجرة فتكون أقل وضوحا على المدى القصير، فيمكن أن تسهم التحويلات المالية من المغتربين في دعم الأسر وتحسين مستوى معيشتها، وقد تكون مصدرًا هامًا للعملة الصعبة.
ومن الآثار الايجابية، اكتساب الخبرات والمهارات، و ان عودة بعض المهاجرين قد تحمل معها خبرات ومهارات جديدة يمكن أن تفيد البلاد، و يمكن أن تؤدي الجاليات المهاجرة دورا في تعزيز العلاقات بين بلدانهم الأصلية وبلدان المهجر، كما تشمل التأثيرات الايجابية، تخفيف الضغط على سوق العمل والموارد، ففي بعض الحالات التي تعاني من بطالة مرتفعة أو ضغط على الموارد، قد تخفف الهجرة من هذه المشكلات مؤقتا.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن الآثار السلبية للهجرة المستمرة، بخاصة هجرة الكفاءات، غالبًا ما تطغى على الآثار الإيجابية على المدى الطويل، اذ إنها تستنزف القدرات الأساسية المطلوبة لبناء مستقبل مزدهر ومستقر للبلاد الأصل.

تأثير الهجرة على بلدان اللجوء
ان وصول المهاجرين وطالبي اللجوء يحمل تأثيرات متنوعة على البلدان التي تستقبلهم، ويمكن أن تكون هذه التأثيرات إيجابية وسلبية على حد سواء، وغالبًا ما يعتمد مدى ونوع هذه التأثيرات على عوامل مثل أعداد الوافدين، ومستوى مهاراتهم، وسياسات الاندماج المتبعة في البلد المضيف، والظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة.
من التأثيرات الإيجابية، ما يتعلق بالنمو الاقتصادي وسوق العمل، اذ يجري ملء النقص في الأيدي العاملة، حيث يمكن للمهاجرين سد النقص في القطاعات التي تعاني من نقص العمالة المحلية، سواء كانت وظائف ذات مهارات عالية أو منخفضة، بخاصة في البلدان الصناعية الكبرى.
و غالبًا ما يجلب المهاجرون مهارات وخبرات جديدة، وقد يكونون أكثر استعدادًا للقيام بأعمال شاقة أو بوظائف لا يرغب بها السكان المحليون، مما يزيد من الإنتاجية. كما يمكن أن يسهم تنوع الخلفيات في تعزيز الابتكار وريادة الأعمال.
وبقدوم المهاجرين تتوسع القاعدة الاستهلاكية، اذ يزيد عدد السكان بوصول المهاجرين، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات وبالنتيجة دعم النمو الاقتصادي، كما يصبح المهاجرون جزءًا من القوة العاملة ويدفعون الضرائب، مما يسهم في تمويل الخدمات العامة.
وهناك فوائد للهجرة، تتعلق بإحياء المناطق الريفية والمهمشة، اذ قد يستقر المهاجرون في مناطق تعاني من انخفاض عدد السكان، مما يساعد في الحفاظ على الخدمات المحلية وإعادة تنشيط الاقتصاد فيها.
وبالهجرة يتعزز التنوع الثقافي والاجتماعي اذ يجلب المهاجرون معهم ثقافات وتقاليد ولغات جديدة، مما يثري النسيج الاجتماعي والثقافي للبلد المضيف، كما يمكن أن يؤدي التفاعل مع المهاجرين إلى زيادة الوعي والتسامح وتقليل الصور النمطية والأحكام المسبقة.
وكذلك يمكن أن يسهم المهاجرون في إحياء الفنون والموسيقى والمطبخ وغيرها من جوانب الحياة الثقافية.
وتشمل الفوائد الديموغرافية، مواجهة الشيخوخة السكانية ففي عديد البلدان المتقدمة ذات معدلات الولادة المنخفضة وارتفاع متوسط العمر، يمكن أن يساعد تدفق الشباب المهاجر في موازنة التركيبة السكانية وتأخير آثار الشيخوخة.
اما التأثيرات السلبية المحتملة، فتتضمن الضغط على الخدمات العامة، اذ ان زيادة الطلب على الإسكان والتعليم والرعاية الصحية، قد يؤدي تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين و زيادة الضغط على هذه الخدمات، بخاصة في المراحل الأولى من الاستقرار، و قد يواجه الوافدون الجدد صعوبات في التكيف مع اللغة والثقافة والقوانين المحلية، مما يتطلب موارد إضافية لبرامج الاندماج.
اما التأثير على سوق العمل ففي بعض الحالات يمكن ان تنبثق احتمالات المنافسة على بعض الوظائف، ففي بعض القطاعات التي تتطلب مهارات منخفضة، قد تحدث منافسة بين المهاجرين والسكان المحليين، مما قد يؤدي إلى ضغط على الأجور (برغم أن الدراسات غالبا ما تظهر تأثيرا ضئيلا أو مؤقتا).
و في بعض الحالات، قد يتعرض المهاجرون للاستغلال بسبب حاجتهم إلى العمل ووضعهم القانوني غير المستقر.
اما التحديات الاجتماعية والثقافية فتتمثل في صعوبات في الاندماج الاجتماعي، اذ قد يواجه بعض المهاجرين صعوبات في الاندماج في المجتمع الجديد بسبب الاختلافات الثقافية أو اللغوية أو الدينية، وقد يتعرضون للتمييز والعنصرية، و في بعض الحالات، قد يؤدي الاختلاف الثقافي أو الاقتصادي إلى توترات بين السكان المحليين والمهاجرين.
كما يمكن عد العبء المالي على الدولة (في البداية)، احد سلبيات استقبال المهاجرين، اذ ان تكاليف استقبال وإيواء طالبي اللجوء، تتطلب معالجة طلبات اللجوء وتوفير الإقامة والمساعدة الأساسية لطالبي اللجوء وموارد مالية، كما تستدعي برامج تعليم اللغة والتدريب المهني والمساعدة في العثور على عمل استثمارات مالية.

43.7 مليون لاجئ وتوصيف الأمم المتحدة
قدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه مع نهاية عام 2024، بلغ عدد اللاجئين في العالم نحو 43.7 مليون لاجئ، منهم 6 ملايين لاجئ فلسطيني يخضعون لولاية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فضلا عن 8 ملايين طالب لجوء.
ولأغراض إحصائية، تُعرّف الأمم المتحدة المهاجر الدولي بأنه أي شخص غيّر بلد إقامته، بغض النظر عن وضعه القانوني أو طبيعة أو دوافع تنقله.
ويُقرّ “جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة” بإسهام المهاجرين الإيجابي في تحقيق التنمية المستدامة والنمو الشامل. ويستند المبدأ الأساسي للجدول إلى “عدم إغفال أحد”، بمن فيهم المهاجرون. وتتضمن عديد أهداف التنمية المستدامة غايات ومؤشرات ذات صلة بالمهاجرين أو بالهجرة. ويدعو الهدف 10.7 من أهداف التنمية المستدامة الدول إلى “تيسير الهجرة وتنقل الأشخاص على نحو منظم وآمن ونظامي ومسؤول، وذلك عن طريق تنفيذ سياسات هجرة مخططة ومدارة على نحو جيد”.
وتشير غايات أخرى ترتبط مباشرة بالمهاجرين أو بالهجرة إلى القوى العاملة الصحية في البلدان النامية (3.ج)، وتنقل الطلاب الدوليين (4.ب)، ومكافحة الاتجار بالبشر (5.2، 8.7، 16.2)، وهجرة العمالة (8.7، 8.8)، والتحويلات المالية (10.ج)، والهوية القانونية (16.9). فضلا عن ذلك، يدعو الهدف 17.8 من أهداف التنمية المستدامة إلى تصنيف البيانات وفق حالة الهجرة.
وتُجري شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة بحوثًا ديموغرافية، وتدعم العمليات الحكومية الدولية في الأمم المتحدة في مجال السكان والتنمية، وتساعد البلدان على تطوير قدراتها في إنتاج وتحليل البيانات السكانية. وتُبرز الشعبة القضايا السكانية أمام المجتمع الدولي، مسلطةً الضوء على الدور المحوري للاتجاهات الديموغرافية في مختلف جوانب التنمية المستدامة.
كما تنشر الشعبة مجموعات بيانات عن سكان العالم، وتُحلل الاتجاهات الديموغرافية العالمية، وتُعدّ تقديرات منتظمة لأعداد المهاجرين الدوليين، فضلا عن إصدار تقارير تقنية عن الهجرة الدولية والتنمية. وتدعم الشعبة لجنة السكان والتنمية، التي تُراجع مدى تنفيذ برنامج العمل الذي اُعتمد في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية لعام 1994، إلى جانب المداولات الجارية في الجمعية العامة بشأن السكان والتنمية والهجرة الدولية.
واستنادًا إلى مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة، سُجِّلت منذ عام 2014 72,932 حالة وفاة لمهاجرين حول العالم، لقي أكثر من 50% منهم حتفهم غرقًا. ويُعد وسط البحر الأبيض المتوسط أخطر طرق الهجرة، حيث فقد ما لا يقل عن 24,494 شخصا حياتها.
وعلى نحو ما دعت إليه الجمعية العامة، يقدم التقرير الثالث للأمين العام عن تنفيذ الميثاق العالمي للهجرة والتنمية توصيات رئيسة بشأن تقديم المساعدة الإنسانية للمهاجرين الذين يواجهون محنة وتعزيز التعاون بشأن المهاجرين المفقودين، بما في ذلك مقترحات ملموسة لمنع موت المهاجرين أو فقدانهم، وتعزيز جهود البحث وتحديد الهوية، ودعم الأسر المتضررة، وتوفير العدالة والمساءلة والتعويض، وجمع البيانات عن وفيات المهاجرين وحالات الاختفاء، وتبادل بيانات التنبؤ بالهجرة لتحسين المساعدة الإنسانية؛ ولفت الأمين العام الى أهمية العمل الجماعي لتحقيق هذه التوصيات بصورة فعالة قبل فوات الأوان، مشددا على أهمية إنقاذ الأرواح فورا، بحسب تعبيره.

قد يعجبك ايضا