د. حمدي سنجاري
العراق يحتاج إلى شراكة فعلية
يشهد العالم اليوم نمطاً جديداً للعلاقات الدولية سواء أكانت سياسية أم اقتصادية لم يشهدها التاريخ سابقاً ولا تنطبق عليها نظريات العلاقات الدولية المعروفة من كلاسيكية تقليدية أو واقعية، ماركسية، ليبرالية… إلخ من نظريات دراسة وتحليل العلاقات الدولية.
هذه السياسة التي يتبعها الرئيس الجديد للولايات المتحدة دونالد ترامب، رجل الأعمال طبعاً، غيّرت الأفكار المعتادة عن العلاقات والسياسات، بل ووضعت المحللين السياسيين والاقتصاديين العالميين والمحليين في حيرة من أمرهم في تحليل المواقف كي يخرجوا بنتيجة سواء أكانت سلبية أم إيجابية. علما أن الجميع ينظر إلى الموضوع من ناحية ذات النتائج السلبية ولكن حقيقة الأمر هو أن لا أحد يعرف النتيجة هل هي سلبية فعلاً أم ستكون إيجابية.
بالطبع عندما تنظر إلى الواقع وتجد أن الموضوع يخص أميركا، وهي من تقوم بهذه العملية السياسية والاقتصادية الجديدة، ينتابنا الشك في أنها لا تعي ما يحدث وأنها على يقين من أن النتائج في نهاية الأمر ستكون إيجابية إذا لم يكن كذلك للعموم، فهو بالتأكيد سيكون خاصا بأميركا.
عندما يتحقق التوافق الوطني الحقيقي، سيتمكن العراق من تجاوز حقل الألغام السياسي الذي يسير فيه، وسيرسم مستقبلاً آمناً ومستقراً لجميع أبنائه
ما يمكن أن تكون السياسة التي يتبعها الرئيس سلبية لأن أميركا دولة ليست بجديدة وهي سيدة العالم كانت ولا زالت، فهل من المعقول أن تتخذ مثل هذه الخطوات التي تؤدي بها إلى نهاية سلبية؟ لا أعتقد، ولكن أيضاً لا نستطيع أن نجزم بإيجابيتها حالياً، لذلك من الصعب على الجميع التحليل.
هذا من جانب العالم ككل، أما إذا أخذنا الشرق الأوسط كمثال فهو شهد ويشهد تغييرات سريعة ومخيفة أيضاً. نبدأها بأفغانستان عندما تنازلت أميركا عنها وسلّمتها بيد طالبان، وقد كان مشهداً مرعباً ونحن نشاهد تطاير أجساد المواطنين الأفغان في الجو باحثين أو حالمين بالتملص من قبضة الموت. طبعاً كان الحدث غريبا ولا يصدق إلا أن ثمة أحداثا غريبة وعمليات غير متوقعة أصبحت مألوفة في المنطقة، فما حدث في السابع من أكتوبر ثم عملية البيجر وغزة ولبنان وهي عمليات وتغيرات سريعة جداً تبعها التغيير الغريب في سوريا وكيفية تغير النظام الدكتاتوري بنظام ذي خلفية غريبة.
سياسة اليوم المتبعة حقيقةً جعلت الجميع في حيرة وتجعلنا نتساءل ونسأل عن العراق، وما هو موقفه وموقعه من كل هذا؟ العراق وبعض الدول الأخرى اليوم كأنها مقاتل يسير في حقل ألغام لا يعرف مصيره وما ستكون النتيجة، هل سيعبر إلى نهاية الحقل بسلام أم أنه سيكون ضحية أو ستبتر من جسده أجزاء؟
لذلك الحقيقة أن موقف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لا يُحسد عليه اليوم، وكذلك جميع القادة في العراق، لأنهم لا يستطيعون تحليل ما هو قادم. خاصة أنهم يعيشون حالة من الانعزال وهم حالياً أسرى الكرسي البرلماني. فتصريحاتهم ولقاءاتهم يجب أن تصب في صالح هذا النائب أو ذاك خوفاً من أن يستغل هؤلاء النواب التصريح للتأثير على صوت الناخب. لذلك نجد أن المصالح الشخصية تمنعنا حتى من التفكير في الوضع العام والتهديدات التي ذكرتها آنفاً. ولكن مازال هناك وقت للتصحيح والتخطيط لعبور حقل الألغام. ولكن بحاجة إلى حسن نوايا من الجميع ولا أستثني أحدا.
نحن بحاجة إلى مصارحة ولا أقصد الرومانسية منها وإنما المصارحة والمكاشفة السياسية التي سيكون الغرض منها هو التقارب وليس العتب واللوم في ما بين القادة العراقيين. الظروف تحتّم على هذا النوع من التوجه والمواطن بحاجة إليه كونه هو المتأثر الأول والأخير، وهو الذي ينظر إلى الساسة ليقدموا له ما يطلبه من أبسط الحقوق. والسياسيون حقيقة كانوا ومازالوا مخيّبين لآماله وطموحاته خاصة المواطنين المضحين الذين قدموا الغالي والنفيس للتخلص من الدكتاتورية.
بداية يجب أن نخطو بخطى صحيحة أولها العمل على المشتركات والابتعاد عن الاختلافات والنزاعات، وهنا سنكون على الأقل في الطريق الصحيح. وكذلك الاستعانة بأعضاء البرلمان الذين يجب أن يضعوا مصلحة الوطن أولا وليس مصلحة الحزب أو الكتلة التي يمثلونها أو المصلحة الشخصية، حيث أن لهم التأثير الأكبر على الشارع وعلى الموقف السياسي. وتصريحاتهم يجب أن تكون موافقة للمصلحة الوطنية وبعيدة عن المزايدات.
◄ العراق وبعض الدول الأخرى اليوم كأنها مقاتل يسير في حقل ألغام لا يعرف مصيره وما ستكون النتيجة، هل سيعبر إلى نهاية الحقل بسلام أم أنه سيكون ضحية أو ستبتر من جسده أجزاء؟
يجب أن تكون لدى القادة روح المشاركة والتسامح. والنظام الفيدرالي في العراق هو حالة صحية للديمقراطية ولكن بحاجة إلى تفعيل حقيقي له.
المشاركة يجب أن تكون واقعية وبعيدة عن المؤامرات والتشكيك. زيادة اللقاءات بين القادة على اختلاف آرائهم وتبادل المعلومات والأفكار المشتركة والعمل على تقويتها وتطويرها هي عامل آخر سيعمل على العبور إلى بر الأمان. واحترام الدستور والاحتكام إليه والابتعاد عن التفسيرات وفق الأهواء الشخصية هو كذلك أمر لا بد منه.
في ظل هذه التحولات العالمية غير المسبوقة، يقف العراق أمام تحديات ومسؤوليات جسيمة تتطلب رؤية وطنية شاملة. هذه الرؤية لا يشعر بها إلا هؤلاء الذين ضحوا وناضلوا من أجل الحرية والديمقراطية. ولدينا في العراق وإقليمه الكردي قادة عملوا على هذه الأهداف وهم الذين بيدهم مفاتيح السلام للبلد. هم قادة لا يقل عددهم عن الخمسة عشر ولا يزيد عن ذلك إلا باثنين أو ثلاثة. نحن بحاجة إليهم جميعاً وإلى قيادتهم الحكيمة وإلى روحهم المفعمة بالوطنية.
إن وحدة العراق واستقراره يعتمدان بالدرجة الأولى على قدرة قادته على تجاوز الخلافات والتركيز على المشتركات الوطنية والمشاركة الفعلية الحقيقية للجميع لا الشكلية منها بعيداً عن التهميش والنوايا السيئة والخطابات المزيّفة وحتى المعلومات المغلوطة لغرض التأثير على أفكار المواطن وعلى قول المثل العراقي والمعروف جداً (أحنة ولد الكَرية وكلمن يعرف أخيه).
المشاركة الحقيقية، وليس الشكلية، بين جميع مكونات المجتمع العراقي هي حجر الأساس لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وعندما يتحقق التوافق الوطني الحقيقي، سيتمكن العراق من تجاوز حقل الألغام السياسي الذي يسير فيه، وسيرسم مستقبلاً آمناً ومستقراً لجميع أبنائه، بعيداً عن تأثيرات المتغيرات الدولية المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم ونكون من المتفرّجين لا المتفرج عليه.
*نائب رئيس شركة سومو العراقية