حينما وجدتني فيكِ

خالد خليل

في البدء، كان في قلبي فراغٌ يشبهكِ… لا يُملأ، لا يُفهم، ولا يُترجم بلغة الأرض، لكنه حيّ… يخفق، وينادي، ويبكيكِ.  لم أكن أنا، كنت ظلالًا تائهة على صفحة منسية من الحلم، كان الزمن يمرّ بي خفيفًا، كأنه لا يريد أن يوقظني، وكانت الأشياء تناديني باسمٍ آخر… اسمٌ يشبهكِ، اسمٌ حين أنطقه… يتكسّر صوتي.  كنت أبحث عنكِ كما يبحث العارف عن أثر خطاه في الحقول، عن ملامح الروح قبل أن تتجسد، عن ظلٍّ لم يأتِ… لكنه يهمس دائمًا: أنا هنا.  رأيتكِ قبل أن تُخلقي، في لحظة سهوٍ من النور، حين انحنى على نفسه، وقال: سأجرّب أن أكون امرأةً… تشبه المعجزة.  أنتِ لستِ امرأة، أنتِ الفكرة الأولى التي أصر الله أن يُطلقها، فأخفاها في نبضاتنا، وأودعها في الحنين، وفي ارتجافة القلب حين يمر طيفُكِ دون أن يمشي.  أنتِ ماءُ الخلق حين فاض على الأرض، فأزهرتِ من لاشيء… وصرتِ كلّ شيء.  حين اقتربتِ، انفكّ الزمان من حولي كخرزةٍ انقطعت من مسبحة قديمة، وصارت اللحظة أكبر من عمر، وصار الوصلُ ارتباكًا، كأنكِ تسرّبتِ إلى داخلي… دون أن تطرقي.  كنتُ أراكِ، وفيكِ… أنظر إليّ كما لم أعرفني من قبل، صوتكِ يشفيني من صمتي، وغيابكِ يُربكني أكثر من وجودكِ.  أخبريني… هل كنتِ أنا في حياةٍ أسبق من الذاكرة؟ هل نحن نُسخةٌ من عشقٍ قديم نُفي من السماء؟ أم نحن الخطأ الجميل… الذي سمح له الله أن يُزهر رغماً عن النسيان؟  في عينيكِ كان الليلُ يتعلم كيف يكون عميقًا، وكان الخوف يختبئ من رقّتكِ، لأنكِ كنتِ… أقوى من الطمأنينة، وأرقّ من اليقين.  يا أنثى لا تُشبِهُ إلا ذاتها، كل نساء الأرض محضُ اجتهادٍ بعدكِ، كل القصائد التي كتبتها قبلكِ… كانت تدريبًا على الوَلَه، وكانت الأصابع تكتبكِ دون أن تدري.  أقسم، أنكِ لستِ ملاكًا، بل اللحظة التي تعثّر فيها الملاك، ونظر إلى الأرض… فابتسم حين رآكِ.  يا من سكنتِ قلبي حتى لم أعد أميّز نبضي من اسمكِ، يا صلاةَ الروح قبل أن تُؤدّى، ويا مَن حين تمرّين، تُصلحُ خريطةَ الجمال وتُعيد ترتيب الكون.  تعالي… لننسَ الأسماء، والوجوه، والمسافة التي تسكننا منذ أن وُلدنا من ضلعٍ لم يُذكر.  تعالي… لنمت معًا، ثم نعود، كابتسامةِ الله حين قرّر أن أعشق .

قد يعجبك ايضا