د.ليث طه احمد القيسي
ان الإجراءات التي تتكون منها الدعوى المدنية ابتداءً من رفع الدعوى وانتهاءً بصدور الحكم، وان كانت تختلف في موضوعها وجوهرها، الا انها في الوقت نفسه تتشابه من حيث كونها تهدف إلى غاية واحدة ويجمعها مفهوم واحد، بحيث يمكن ان تنطبق على كافة تلك الإجراءات –ومنها التبليغات القضائية- وهو ما اصطلح على تسميته بـ(الإجراءات القضائية).
ان البحث في الطابع الاجرائي للتبليغ القضائي، يوجب بالضرورة التطرق إلى مفهوم الاجراء القضائي على وجه الاستقلال، حيث ان معرفة الجزء لا يتم الا بعد معرفة الكل.
هناك اجماع لدى الفقه الاجرائي، على ان الاجراء القضائي هو ذلك المسلك الايجابي أو العمل القانوني والذي يكون جزءاً من خصومة قائمة ويرتب عليها القانون أثراً إجرائياً مباشراً.
ويبدو جلياً من خلال التعريف المتقدم للإجراء القضائي انه حتى يمكن وصف العمل بأنه إجراء قضائي لابد ان يتوفر فيه عناصر ثلاث وهي:
أولاً. ان يكون العمل قانونياً وذو مسلك ايجابي: وبمفهوم المخالفة لا تعد من الإجراءات القضائية أعمال الذكاء المحضة، كتلك التي يقوم بها القاضي لدراسة أوراق القضية.
كذلك لا تعد الأعمال الممهدة للقيام بأعمال قانونية في الخصومة أعمالاً إجرائية ومثالها الحضور أمام القضاء. والتي تعد بطبيعة الحال عبارة عن مسلك سلبي ولا ترقى للوصول إلى الإجراءات القضائية.
ثانيا. ان تترتب على الإجراءات القضائية آثاراً إجرائية مباشرة: وهنا تنبغي الإشارة ان المقصود بالأثر الإجرائي المباشر هو ما يؤثر في الدعوى وذلك بطريق مباشر والتأثير اما يكون بتعديلها أو بانقضائها، وسواء كان التأثير في بداية الدعوى أو خلال سيرها. وعلى هذا الأساس لا يعد إجراءاً قضائياً التنازل عن الحق الموضوعي محل الدعوى والسبب في ذلك ان الأثر الإجرائي المترتب على التنازل عن الحق هو انقضاء الدعوى وهو ليس أثراً مباشراً لها.
ثالثا. ان يكون الاجراء القضائي جزءا من الخصومة: عليه فلا تعد من الإجراءات القضائية تلك الاعمال التي تصدر عن الاشخاص خارج نطاق الدعوى، ومثال ذلك اعذار الخصم أو عقد توكيل محام فهذه الاعمال تقع خارج نطاق الدعوى.
مما تقدم ومن خلال استعراض مفهوم الاجراء القضائي وبيان مدى امكانية اعتبار العمل اجراءاً قضائياً، يتضح وبشكل لا يقبل الشك الحقيقة القائلة باعتبار التبليغات القضائية من قبيل الإجراءات القضائية.
فالتبليغات القضائية هي عبارة عن مسلك ايجابي في مسار الدعوى، يتوقف عليها باقي الإجراءات القضائية اللاحقة بحيث لا يمكن السير في الدعوى إذا لم تكن التبليغات قد تمت وفقاً للنصوص المقررة وذلك من اجل ضمان حقوق المتقاضين والحيلولة دون سلب حقوق أحد الخصوم.
كذلك تعد التبليغات القضائية جزءاً من الدعوى وذلك لان مرحلة التبليغات تبدأ بعد رفع الدعوى، فبعد تحديد اليوم المعين لنظر الدعوى واستيفاء الإجراءات المتقدمة عندها تبلغ صورة من عريضة الدعوى ومستمسكاتها ولوائحها بواسطة المحكمة إلى الخصم مع دعوته للمرافعة بورقه التبليغ. فضلاً عن ذلك فان التبليغات القضائية يترتب عليها آثار اجرائية مباشرة، وتتمثل في إعلام الشخص بمضمون التبليغ الموجه إليه من المحكمة، وفي الوقت نفسه يلزم ان يكون التبليغ صحيحاً حتى يترتب آثاره والا ترتب عليه بطلان التبليغ.