كامل سلمان
قبل عدة أيام ألتقيت أحد المترجمين الذين عملوا مع قوات التحالف الدولي في العراق ، روى لي قصة غريبة حدثت معه خلال عمله بالترجمة ، أحببت أن أنقلها كما سمعتها من لسان الراوي نظراً لأهمية الحادثة ولثقتي بالراوي ، قال :
بعد مرور عدة أيام على سقوط بغداد في العام 2003 م ودخول قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بغداد ، تحركت قوة عسكرية أمريكية صوب وزارة الصحة في بغداد منطقة باب المعظم وكنت معهم كمترجم باللغة الإنكليزية ، يقول عند وصولنا إلى مبنى الوزارة وجدنا حارسين أثنين بلباس مدني ويحملان بنادق الكلاشنكوف يقفان أمام باب الدخول لمبنى الوزارة ، فقامت القوة الأمريكية بتجريد الحارسين من السلاح ثم بادرت مجموعة من القوة المقتحمة الصعود إلى مبنى الوزارة مباشرة إلى الطابق الرابع أو الخامس فتم الدخول السريع إلى أحدى القاعات فوجدنا مجموعة ( خمسة إلى ستة أشخاص ) مجتمعين وكانوا كبار السن يرتدون البدلات الأنيقة يجيدون الإنكليزية بطلاقة ، يقول عند دخولنا القاعة قام الحضور مرحبين بالقوة العسكرية المقتحمة ورحبوا بقائد القوة المقتحمة وعرّفوا أنفسهم ، فعرفت ثلاثة منهم كانوا من أشهر أطباء العراق حينها ( الدكتور خلدون الجنابي والدكتور إحسان البحراني والدكتور شوقي غزالة ) يقول فجلس الضابط معهم بعد أن تم تفتيش الغرفة بدقة وسألهم ما سر إجتماعهم ، فأجابه الدكتور خلدون الجنابي ( لا يمكن أن يبقى العراق بلا وزارة للصحة فقررنا نحن الأطباء الأكثر شهرة وتأثيراً أن نجتمع سوية ونتحمل المسؤولية ومن حسابنا الخاص أن نلتقي ونعيد وزارة الصحة إلى العمل بما نستطيع من إمكانيات رغم الخطورة وإذا أردتم أنتم الأمريكان مساعدتنا سنكون شاكرين لكم ) يقول هذا المترجم بعد حوار دام لثلاثين دقيقة تقريباً وعد الضابط على مساعدة الأطباء في مسعاهم لإعادة عمل وزارة الصحة وقال إنه سيخبر المسؤولين الأعلى منه خاصة بعد أن عرف بأن أحد الأطباء يحمل الجنسية البريطانية إضافة للجنسية العراقية ، يقول الأخ المترجم بعد خروجنا من مبنى الوزارة حدثني الضابط الأمريكي قائلاً ( لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن أجد في هذا البلد رجال شرفاء شجعان علماء حريصون على شعبهم وبلدهم بهذا القدر ، يجازفون بأنفسهم لأجل بلدهم دون مقابل ) ، الراوي يقول عرفت كم من عظماء شرفاء أوفياء أكفاء هؤلاء الأطباء وغيرهم لم يكن لهم الحظ والفرصة لخدمة بلدهم لا في زمن النظام السابق ولا بعده ، الحقيقة وأنا أستمع لصاحبي وهو يروي هذه الحادثة التي جعلتني أن أصر على ذكر أسماء هؤلاء الأطباء الشجعان وأذكرهم بكل خير كنماذج للمجتمع العراقي ثم أقارن هؤلاء الأطباء بمن جاء من بعدهم ليجلس في هذه البناية ليجعل العراق من أسوأ البلدان في الرعاية الصحية ، عندما أسمع أحد المرضى يقول أصبحت ملماً بطريق الهند لكثرة مراجعاتي الطبية إلى الهند ، فأين الطب العراقي وأين هؤلاء الأطباء وأمثالهم ؟ لكن المؤلم جداً هناك عشرات الألاف من المرضى العراقيين تزدحم بهم المستشفيات الهندية والإيرانية والتركية والأردنية والمصرية وكأنما العراق لم يعد بلداً محترماً تفتقر فيه المؤسسات الصحية للتطور الصحي بل البلد أصبح مجرد ناد للمراهنات والسرقة في الوقت الذي يتفاخر فيه الكثير من الأوربيين والأمريكيين والكنديين والأستراليين كل منهم في حديثه عندما يقول أحدهم ( أنا طبيبي الخاص أمريكي أو أوربي أو كندي من أصول عراقية ! ! ) هل سنبقى نتحسر على كل صغيرة وكبيرة أم للزمن رأي أخر ؟