محمد سليم المزوري
لا يختلف اثنان في أن الحاجة إلى إبرام المعاهدات الدولية ضرورية وكبيرة وذلك لأن الإنسان لا يمكن أن يعيش بمفرده وهذا ينسحب على المجتمعات الدولية فأن الدولة وفق هذا المنظور بحاجة إلى إقامة علاقات بينها وبين الدول الأخرى، فتخضع هذه العلاقات إلى القانون الدولي الذي يقوم بتنظيمها داخل دساتير الدول من خلال الدور الذي تلعبه تلك الدساتير في تنظيم هذه المعاهدات.
فالدستور يمثل القانون الأعلى للدولة، فهو الذي يحدد السلطات ومن خلال تلك الوثيقة المهمة فلم تعد تلك الوثيقة مجرد تنظيم لشؤون الدولة والتي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بل ذهبت إلى ابعد من ذلك من خلال إبرام المعاهدات داخل المجتمع الدولي وهذا يرجع إلى تقدم و تطور المجتمعات الدولية وارتباطها الكامل بالقواعد القانونية الدولية وتحويل تلك القواعد إلى القانون الداخلي.
لقد ظهرت الدساتير المعاصرة بصورة أكثر تنظيما ما جعلها بالفعل مكسبا لا يمكن التنازل عنه وذلك لأنها ارتبطت بفكرة القانون وضرورة سموه على جهاز الدولة فلقد أصبح من المسلمات في الوقت الحاضر، فهناك دساتير أعطت للمعاهدات الدولية مرتبة أعلى وأسمى من القانون الداخلي والقسم الآخر ساوى بين المعاهدة والقانون الداخلي، هذا يضعنا في أن نتوصل إلى إن هناك أهمية واضحة وملموسة لإبرام المعاهدات الدولية وإن هناك حماية يوجدها الدستور للمعاهدات الدولية بل أصبح إلزاما تأكيد تلك الحماية من خلال القيود الدستورية على إبرام المعاهدات لأنها في النهاية تنعكس على حقوق الأفراد أو الدولة.
إن استقرار مبدأ تطبيق المعاهدات الدولية ودور الدستور فيها جاء ملازما لتطور وازدهار النظام الديمقراطي في العالم.
إن القواعد الدستورية هي التي تنظم الصلاحيات التي تمارسها هيئات الدولة من خلال عملية إبرام وإلغاء المعاهدات الدولية. فمن خلال الوثيقة الدستورية التي تنظم الجهة المخولة بالتفاوض و التوقيع وكذلك الجهة التي تصادق على عملية إبرام المعاهدات نلاحظ انه هناك اختلاف في دساتير الدول.
إن هذه المعطيات وغيرها هي التي دفعتني إلى بحث الموضوع بالتركيز على مجموعة من الدساتير وخاصة الدساتير الحديثة ومنها الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 ودوره في إبرام المعاهدات الدولية، لقد واجهتني عدة أسئلة رأيت أن أصوغها في سؤال رئيسي واضعا إياها موضع الإشكالية في هذا البحث والتي جاءت على النحو الآتي: ما هو دور الدستور في عملية تنظيم المعاهدة؟ ما هي الآلية لتطبيق المعاهدات والحماية القانونية لها؟
هذا وان تبني الدستور وتنظيمه للمعاهدة يؤكد أهمية المعاهدة ودورها في القانون الدولي من خلال تطبيق القواعد الدولية، ورأيت إن أعالج الموضوع من خلال اختيار المنهج التحليلي المقارن كما انتهيت إلى أسلوب المقارنة بين الأنظمة الدستورية ودورها في تنظيم المعاهدات الدولية ومجال تطبيقها.
و تعتبر المعاهدات الدولية على جانب مهم من الأهمية في القانون الدولي وذلك لأنها تعتبر احد المصادر الرئيسية لهذا القانون من خلال تنظيم العلاقات بين سائر الدول في كثير من الالتزامات ذات المضامين السياسية والاقتصادية والعلمية وسائر الجوانب الأخرى وبالنتيجة ينعكس ذلك على المجتمع الدولي من الناحية التنظيمية لكثير من الحقوق لأفراد المجتمع الدولي من خلال تنظيم تلك الحقوق و في الجانب الآخر تثبت التزامات على الدول التي تدخل أطرافا في تلك المعاهدات.
تبرز أهمية المعاهدات الدولية في القانون الدستوري من خلال حصول الكثير من الدول على استقلالها نتيجة إبرام تلك المعاهدات ودخول تلك الدول في المجتمع الدولي بعد إعلان استقلالها حيث شملت هذه المعاهدات جميع الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والقانونية والعلمية والميادين الأخرى حيث تعاملت كثير من الدول مع هذه المعاهدات بجدية نظمتها في دساتيرها وأصبحت ضمن القانون الداخلي لتلك الدول وقسم آخر قد أعطى دوراً مهم للمعاهدة الدولية فبمجرد توقيعها أصبحت نافذة من خلال المواد الدستورية في تلك الدول والتي ثبتت ذلك الالتزام الدولي على نفسها.
تقسم المعاهدات إلى عدة تقسيمات تترتب عليها نتائج مهمة في توضيح دورها كمصدر للقانون الدولي، ومن أهم هذه التقسيمات هو تقسيم المعاهدات من الناحية التشكيلية إلى معاهدات ثنائية ومعاهدات جماعية، فإذا كانت المعاهدات معقودة بين دولتين فهي ثنائية وان كانت معقودة بين عدد من الدول فهي جماعية وهناك تقسيم آخر يقوم على التقسيم السابق في بعض عناصره، إذ أنه يميز بين المعاهدات العقدية وبين المعاهدات الشارعة ومعيار التفرقة بين هذين النوعين من المعاهدات هو الوظيفة القانونية التي تتوخى تحقيقها كل منها.
وقد أطلقت المادة 38 من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية على المعاهدات العقدية اسم الاتفاقات الخاصة، وعلى المعاهدات الشارعة اسم الاتفاقات العامة. أما المعاهدات العقدية أو الخاصة هي التي تعقد بين دولتين أو عدد محدود من الدول في شأن خاص بها، وهي لا تلزم إلا الدول الموقعة عليها ولا يتعدى أثرها من حيث الإلزام دولا ليست طرفا فيها، ومن أمثلتها اتفاقات الإحالة على التحكيم ومعاهدات التحالف ومعاهدات الصلح ومعاهدات تعيين الحدود والمعاهدات التجارية، وعلى ذلك فان المعاهدات الخاصة لا يمكن أن تكون بذاتها مصدراً لقواعد القانون الدولي العام لكنها قد تكون سببا غير مباشر في ثبوت قاعدة دولية، وذلك في حالة ما يثبت تكرار إبرام معاهدة خاصة تنص على نظام معين في أمر معين من عدة دول.
ففي هذه الحالة تصبح القاعدة التي أخذت بها الدول في مثل هذه المعاهدة قاعدة قانونية دولية ناشئة لا عن الاتفاق وإنما عن العرف الذي يثبت في تكرار إبرام المعاهدة الخاصة والتزام الدول بالقاعدة المنصوص عليها فيها، ويمكن إن نضرب مثلاً على ذلك قاعدة عدم جواز تسليم اللاجئين السياسيين.
وهناك المعاهدات الشارعة أو العامة وهي التي تبرم بين مجموعة كبيرة من الدول تتوافق إرادتها على إنشاء قواعد قانونية عامة أو أنظمة مجردة تهم الدول جميعا. وهي من هذه الناحية تشبه التشريع الداخلي من حيث أنها تضع قواعد قانونية بمعنى الكلمة، لذلك أطلق عليها اسم المعاهدات الشارعة تمييزا لها عن المعاهدات العقدية ولما كانت هذه المعاهدات تتضمن قواعد قانونية حقيقية، فقد اعتبرت دون غيرها من المعاهدات مصدرا من مصادر القانون الدولي ومن أمثلة المعاهدات الشارعة معاهدة باريس لسنة 1856 التي نظمت وعدلت القواعد العرفية الخاصة بالحرب البحرية، اتفاقية جنيف المتعلقة بجرحى الحرب لسنة 1864 واتفاقيات لاهاي لسنتي 1899 و1907 وعهد عصبة الأمم سنة 1919 واتفاقية واشنطن سنة 1922 الخاصة بتنظيم حرب الغواصات وتحريم حرب الغازات البكتيريولوجية، وميثاق الأمم المتحدة سنة 1945 واتفاقية فينا للعلاقات والحصانات الدبلوماسية لسنة 1961 واتفاقية فينا للعلاقات والحصانات القنصلية لسنة 1963 واتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969.