الأستاذ الدكتور
نزار الربيعي
الحرب النفسية الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاتصال بالشعب وذلك عبر جمهور كبير أو مساحة شاسعة وتكون الحرب النفسية في هذه الحالة غير محدود بزمان أو مكان وهدفها التأثير على الآراء ووجهات النظر والسلوك في الخارج في سبيل مساعدة الأهداف القومية للدولة.
وتوجه عادة إلى جميع المناطق الموجودة تحت سيطرة العدو وذلك لاضعاف معنويات جيشه وشعبه، وتقوية العناصر الصديقة والموالية، حيث تناط مسؤولية شفها للسلطة السياسية.
ولا تستهدف الحرب النفسية الاستراتيجية فئة محددة او شعباً معيناً، بل تعمل من اجل الأهداف الاستراتيجية البعيدة للدولة طبقاً للأهداف القومية، ومن اجل ذلك فهي شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معان، وقد يستخدم في الحرب النفسية الاستراتيجية اكثر من وسيلة من وسائل الحرب فإلى جانب الدعاية والحرب الباردة قد تلجأ الدولة إلى استخدام الحرب السياسية والحرب الدعاية والحرب النفسية والاقتصادية واحياناً الحرب العسكرية مثال الحرب النفسية الاستراتيجية كانت الصورة التي حاولت الحرب النفسية الإسرائيلية ترسيخها في اذهان العالم وحتى في الذهن العربي، ان العرب ليست مقاتلا وان الجندي العربي وخصوصاً المصري ليس مؤهلا لخوض المعارك، واستخدام الأسلحة الحديثة وبذلك راحت الدعاية هذه تضيف الى صورة العربي يوما بعد يوم مزيداً من التشويه والمزاعم التي انطلت على ذهن المواطن الأوربي والامريكي وللأسف أيضا كادت تنطلي على اذهان بعض العرب اما الحرب النفسية التكتيكية كانت توجه ضد جيش العدو في ميدان القتال او في قواعده أو ضد رعايا الدولة بصفة عامة والموجودين منهم في منطقة القتال بصفة خاصة، وتكون العمليات النفسية في هذه الحالة عمليات محلية تستهدف اضعاف مقاومة العدو او مطالبة الشعب بالتعاون مع القوات المتقدمة والقيام بعرقلة المجهود الحربي للدولة وتهدف الحرب النفسية التكتيكية الى تحقيق هدف قريب ومحدود مثل استسلام القوات المقاتلة .
ولا تقتصر مهمة فرع العمليات النفسية في الجيش على العمل وقت الحرب بل تقوم القوات المسلحة بتولي العمليات النفسية التكيتكية في فترة ما قبل الحرب، وتستمر مسؤولية القوات المسلحة في توجيه العمليات النفسية في ميدان المعركة حتى بعد إيقاف القتال وإلى أن تقوم الحالة إلى وصفها الطبيعي ومثال لذلك كان لنشر خبر صحفي حصلت عليه دائرة الاستخبارات النمساوية اثناء الحرب العالمية الأولى ، بواسطة جواسيسها سببا في انهيار الجيش الإيطالي واندحاره في جبهة (كوريريتو) فقد تمكن أولئك الجواسيس من الحصول على المعلومات عن حوادث مصادمات وقعت بين سكان بعض المدن الإيطالية ورجال الشرطة بسبب حيازة الطعام نتج عنها سقوط عدد من الجرحى والقتلى.
استغل النمساويون ذلك الخبر فهيأوا نسخاً مماثلة تماما للصحف الإيطالية في حجمها ونوع حروفها وعدد صفحاتها واعلاناتها بحيث لا تختلف عن تلك الصحف في شيء سوى انهم اضافوا اليها خبرا يكشف أسماء القتلى والجرحى في كل مدينة وبعد ذلك طبعوا الاف من النسخ والقوها في خنادق الايطاليين ولدى قراءة الجنود الايطاليين تلك الصحف كانت هناك صدمة قوية هزت اعصابهم ورددوا عبارات السخط والوعيد وقالوا ((اننا نسفك دمائنا هنا دفاعا عن البلاد بينما لا يجد أهلنا طعاما والانكى من ذلك ان رجال الشرطة يطلقون عليهم النيران حينما يطلبون الطعام ، لقد سحقت الروح المعنوية لدى الجنود واخذوا يتسللون الى الخلف بمجموعات كبيرة، ولما علم الجنود النمساويون ذلك، أرسلوا قواتهم في الليل واحتلوا الخنادق الامامية بمجهود قليل ونتج عن ذلك تقهقر الجيش الإيطالي بغير انتظام خاسراً حوالي ربع مليون جندي بين جريح واسير وقتيل ومفقود، فكانت في حينها اكبر نكبة مني بها جيش من الجيوش في الحرب العالمية الأولى.