غياب “المنتج الفنان” في العراق: الإنتاج الدرامي والسينمائي بين التنفيذ والتأليف البصري

مصطفى حسين الفيلي – مخرج سينمائي

رغم امتلاك العراق رصيداً فنياً كبيراً من المواهب والطاقات في مجالات الدراما والسينما، إلا أن عجلة الإنتاج لا تزال تدور في حلقة مفرغة، تعيق تطورها وتجعلها تابعة أكثر من كونها مبتكرة. واحدة من أبرز الإشكاليات التي تعاني منها هذه الصناعة هي غياب “المنتج الفنان”، وهو ما يشكل فجوة حقيقية بين الرؤية الإبداعية والواقع الإنتاجي.

في المفهوم الحقيقي للإنتاج الفني، يُعد المنتج أحد الركائز الأساسية للعمل؛ ليس فقط كداعم مالي، بل كصاحب رؤية فنية، يختار النص، ويُكوّن الفريق، ويوازن بين الجانب الجمالي والاقتصادي، ليخلق عملاً يحمل هوية واضحة. لكن في العراق، يغيب هذا النموذج كليًا، لتحل محله شركات إنتاج تُمارس دور “المنتج المنفذ” فقط، أي أنها تنفذ ما يُطلب منها من قبل القنوات الفضائية أو الجهة الراعية، دون أن تمتلك الحق أو الطموح في خلق مشاريع مستقلة.

هذه الشركات غالبًا ما تفتقر إلى الرؤية الفنية، وتُعامل العمل الدرامي كسلعة مؤقتة مرتبطة بموسم رمضان أو بمناسبة معينة، وليست كنتاج ثقافي قابل للبقاء والتأثير. فبدلاً من أن تُنتج مشروعاً فنياً يحمل توقيعها الفني، تصبح مجرد وسيلة لتنفيذ أفكار القنوات، وتخضع لسلطتها وللميزانية المحدودة.

غياب المنتج الفنان يعني غياب المشروع، وغياب المشروع يعني غياب الهوية. وهذا ما نراه بوضوح في تكرار المواضيع، ضعف السيناريوهات، وتشتت الجهود الإخراجية. لا أحد يقود العملية برؤية طويلة الأمد أو طموح لصناعة مدرسة درامية أو سينمائية عراقية متجددة.

حتى تنهض صناعة الفن في العراق، لا بد من إعادة تعريف دور المنتج. نحن بحاجة إلى من يؤمن بالمحتوى، من يرى في الفن مشروعًا حضاريًا لا صفقة وقتية. نحتاج إلى منتج لا يكتفي بتمويل العمل، بل يتبناه، يطوره، ويدافع عنه.

قد يعجبك ايضا