كاميران عبدالرحمان الداودي
بعد سقوط نظام البعث في العراق تكشف للعالم الملايين من الوثائق و الادلة التي تثبت تورط قيادة و اجهزة هذا النظام الدكتاتوري بجرائم خطيرة ارتكبها ضد الشعب الكردي وهذه الجرائم وفقا للمقايس الدولية للجرائم تدخل في اطار جرائم الابادة الجماعية ( الجينوسايد ) و هذه الحقيقة تم الاشارة اليها بوضوح في تقرير المنظمات الدولية لمراقبة حقوق الانسان .
فالاتفاقيات الدولية الخاصة الصادرة بمنع جريمة الابادة الجماعية الصادرة من الجمعية العامة للامم المتحدة بقرارها المرقم 2670 و الصادرة بتاريخ 9 / 11/ 1948 و النافذة بتاريخ 12/ 1/ 1951 و التي صادقت عليها جميع الاطراف الدولية بما فيها العراق.
والحق القرار الدولي بقرار دولي اخر ذات الرقم 2391 في 26/ تشرين الثاني في عام 1968 و اصبح نافذا بتاريخ 11 تشرين الثاني في عام 1970 حيث اتفق فيه الموقعون على عدم تقادم الجرائم المرتكبة ضد الانسانية و جرائم الحرب و جرائم الابادة الجماعية بصرف النظر عن وقت ارتكابه .
اي ان هذه الجرائم لا تسقط مهما تقادم ومر عليها الزمن كما الزمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 3074 في 3 /12/ 1973 جميع الدول بتعقب و تسليم المتهمين بارتكاب هذه الجرائم و التعاون في جمع الادلة و المعلومات و لا يجوز للدول منح اللجوء لاي شخص توجد دواعي للظن بارتكابه مثل هذه الجرائم.
و لذلك قرر البرلمان السويدي اعتبار ان ما حصل في كردستان من جرائم الانفال تدخل ضمن الابادة الجماعية للشعب الكردي و هذا ما تقرر ايضا في البرلمان النرويجي و كذلك اقر البرلمان البريطاني بالاعتراف رسميا بان ما تعرض له شعب كردستان العراق هو ابادة جماعية بالاجماع في جلسة خاصة عقد يوم الخميس المصادف 28/2/ 2012 .
كما اشار نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الى هذه الجرائم في المواد ( 5) و ( 6 ) و ( 7) و ( 8) و عد هذه الجرائم من اختصاصها
حيث تشكل جريمة الابادة الجماعية التي ترتكب بنية الابادة كل او جزء من مجموعة عرقية سواء ارتكب اثناء الحرب او في زمن السلم من جرائم القانون الدولي و تشكل جريمة الانفال المرتكبة من قبل النظام البعثي صورة مطابقة لفقرات هذا القرار الدولي و لا تعتبر هذه الجريمة من الجرائم السياسية و لهذا يمكن ملاحقة المتهمين الهاربين خارج العراق طبقا لهذا القرار .
وفي سبيل معاقبة و محاسبة رموز النظام الذين قاموا بجريمة الانفال و الجرائم الابادة الجماعية الاخرى في العراق فقد تاسس بموجب القانون رقم 10 لسنة 2005 (( المحكمة الجنائية العراقية العليا )) حيث نص المادة ( 24 ) من هذا القانون ان العقوبات التي تحكم بها هذه المحكمة هي العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل , و اصدرت المحكمة بموجبه العديد من احكام الاعدام بحق رموز النظام في القضايا الخطيرة التي عرضت عليها ومنها الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب الكردي في عمليات الانفال سيئة الصيت التي تشكل عمليات ابادة جماعية وفق جميع المواثيق الاعراف و القوانين الدولية كما طالبت المحكمة من الحكومة العراقية بتعويض الضحايا الا ان الحكومة العراقية لم تتخذ اية اجراءات بهذا الاتجاه بالرغم من كل الدعوات السياسية و الشعبية في اقليم كردستان بذلك .
و تم تحريك ملف الانفال في ( محكمة الجنائية العراقية العليا ) و القيت اول مرافعة عن قضية الانفال في هذه المحكمة في بغداد في يوم 21 / 8/ 2006 و كان اخر جلسة للمحكمة حول القضية في 24/6/ 2007 حيث عقد خلال هذه الفترة ( 61 ) جلسة و صدر الحكم على (7 ) مجرمين من رؤوس نظام البعث و عرفت المحكمة الجرائم التي ارتكبها البعث ( بالابادة الجماعية و جرائم ضد الانسانية و جرائم حرب ) وقد طالبت هذه المحكمة من الحكومة العراقية بتعويض ضحايا الانفال الا ان الحكومة العراقية لم تتخذ اية اجراءات بهذا الاتجاه لحد اللحظة رغم ان المادة ( 132 ) من الدستور العراقي لعام 2005 يلزم الحكومة العراقية ان تكفل برعاية جميع ضحايا و ذوي الشهداء المتضررين من الممارسات التعسفية للنظام الدكتاتوري البائد
كما ان مجلس النواب العراقي أقرّ في نيسان من عام 2008 بان ما تعرض له الكرد في كردستان هي عمليات ابادة جماعية و هذا ما ذهب اليه مجلس الرئاسة العراقي ايضا في قرارها رقم 26 الصادرة في يوم 10/9/ 2008 و التي جاء فيها (( اعتبار ما تعرض له الشعب االكردي في كردستان العراق من مذابح و قتل جماعي هو ابادة جماعية بكل المقاييس )).
وقد تاكد ذلك في قرار برلمان اقليم كردستان العراق في 14/ 4/ 2008 وفي قرار رئاسة اقليم كردستان رقم ( 13 ) لسنة 2008 الذي صادق على القرار رقم 2 و هو اعلان الجرائم المرتكبة بحق الشعب الكردي في العراق جرائم ابادة جماعية ( جينوسايد ) و جرائم ضد الانسانية و جرائم حرب و هو موقف صائب و موافق للقانون الدولي .
ومن هنا بات لزاما على الحكومة الاتحادية و مجلس النواب العراقي و بعد مرور سبعة وثلاثين عاما على هذه الجريمة المروعة ان تقوم بالتزاماتها تجاه عوائل و ضحايا هذه الجريمة المروعة و تعويض ذويهم ماديا و معنويا و هو اقل ما يمكن ان يمحو من الاثار النفسية و الاجتماعية المدمرة لهذه الجريمة و كذلك العمل على اعادة رفاة الشهداء من المقابر الجماعية الى موطنهم لدفنها بشكل لائق و شرعي .