د. ابراهيم احمد سمو
منذ أكثر من ثلاثة عقود، وحلبجة تسير في ماراثون طويل من الألم والصبر، وفي الوقت ذاته تسابق الزمن لتحقيق الحلم الكبير، أن تُضاف إلى خارطة المحافظات العراقية رسميًا، أولًا كحق إنساني ، وثانيًا كتكريم رمزي لتضحياتها ودماء شهدائها.
طوال تلك السنوات، كانت القوى السياسية الكوردية بجميع أطيافها، تحاول المضي قدمًا في هذا الطريق الوعر. ففي مرحلة ما قبل 2003، كان الوضع السياسي العام في العراق يعيق أي تحرك حقيقي باتجاه تحقيق هذا الهدف، ثم جاءت مرحلة ما بعد سقوط النظام، لتمنح الكورد متنفسًا جديدًا، ولكنها كانت مليئة بالتحديات والصراعات والتوازنات السياسية المعقدة. تارةً كان المبرر أن الوقت غير مناسب، وتارةً أخرى كان يُنظر إلى الأمر بمنظار الصفقات السياسية والمقايضات.
وفي قلب هذا المشهد، ظل البرلمان العراقي عنوانًا تتقاطع عنده الطموحات والمعوّقات. تمرير قرار تحويل حلبجة إلى محافظة لم يكن مجرد مطلب إداري، بل أصبح مشروعًا وطنيًا كوردياً بامتياز، تطلّب من الكورد أن يخوضوا مفاوضات وتحالفات مع الأطراف الشيعية والسنية داخل البرلمان العراقي. فكل قرار مهم في العراق لا يمر إلا ضمن حسابات دقيقة، وصفقات كبرى تتطلب التنازلات أحيانًا، وتفرض بناء التحالفات أحيانًا أخرى.
لكن هذه المرة كان الوضع مختلفًا. هذه المرة، شعر الكورد بأن الفرصة سانحة، وأن الزمن السياسي بدأ يُنصت لصوت حلبجة. اجتمعت الكلمة الكوردية على قلبٍ واحد، وتقدّمت مشاعر الانتماء لحلبجة على كل الحسابات الشخصية والفئوية. الكتل الكوردستانية بمختلف انتماءاتها وضعت مصالحها الضيقة جانبًا، وتكاتفت من أجل تحقيق المصلحة العامة، فكان ما كان: حلبجة أصبحت محافظة، والفرح عمّ كوردستان كلها.
لقد أشرقت شمس كوردستان من حلبجة قبل أن تنتهي هذه الدورة البرلمانية، وتم تثبيت المحافظة الجديدة في خارطة العراق الإدارية. إنها المحافظة الخامسة ضمن إقليم كوردستان، رغم كل ما يحيط بالوضع السياسي من تعقيدات، ورغم ما تعانيه كركوك – قلب كوردستان – من تأزم واستقطاب داخلي وخارجي وصل إلى مستوى الاهتمام الدولي منذ زمان .
نجح الكورد في تثبيت موقع حلبجة، وأخذ هذا القرار حيّزًا من اهتمامنا جميعًا، ليس فقط باعتباره انتصارًا إداريًا، بل لأنه يمثل لحظة رمزية وتاريخية نادرة، تؤكد أن الإرادة الكوردية إذا ما توحدت، تستطيع أن تصنع الكثير، وأن تفتح الأبواب الموصدة منذ عقود.
لقد كان الفرح الكوردستاني بهذا القرار واسعًا وعميقًا، وأخذ صداه يتردد في كل مدينة وقرية كوردستانية ، فحلبجة لم تعد مجرد رمز للمأساة والأنفال، بل أصبحت اليوم رمزًا للنهضة والإصرار. لم يكن هذا الإنجاز مجرد قرار سياسي، بل كان لحظة إجماع كوردي حقيقية، نأمل أن تكون بداية لحل المشاكل العالقة، ووضع حد للخلافات التي أرهقت البيت الكوردي.
من حلبجة نستمد الدروس والعبر، ومن حلبجة نبدأ كتابة فصل جديد من تاريخ كوردستان الحديث. وعلينا، نحن أهل القلم والفكر، ألا نمر على هذه المناسبة مرور الكرام، بل نخلدها بالكلمة والموقف، ونشارك في تهنئة شعبنا بهذا النصر المعنوي الكبير.
نُبارك من القلب لكل من أسهم، ولو بكلمة، في إنجاح هذا المشروع، ونخص بالذكر القيادات التي امتلكت العزم والرؤية، وسعت بإخلاص من أجل الخروج بموقف موحد، يليق بتضحيات حلبجة، ويشبه أحلام أبنائها.
إن تحويل حلبجة إلى محافظة لم يكن نهاية الطريق، بل هو بداية مرحلة جديدة، يُنتظر منها الكثير. إنها مسؤولية على عاتق الجميع، من الحكومة إلى المجتمع، ومن السياسي إلى المواطن. فلتكن هذه اللحظة مدخلاً لإعادة التفكير في شكل العلاقة بين القوى الكوردستانية، ولنعمل على تطوير إدارتنا المحلية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، واحترام إرادة الناس.
حلبجة اليوم لا تحتفل فقط باعتراف إداري، بل تحتفل بانتصار قيم التضحية والوحدة والإخلاص. وهي تقول لنا جميعًا: عندما نتحد، نستطيع أن نغير مجرى التاريخ.