جواد بشارة
نقلا عن موقع الحوار المتمدن
جواد بشارة: القراءة الموسوعية تدفع المرء لكي يساهم في مجالات أخرى غير اختصاصه
لا أجد تناقضاً بين التخصصين الأدب والسينما فأحدهما يكمل الآخر ويثريه
حاوره: علاء المفرجي
– 1 –
ولد د. جواد بشارة في بابل ـ العراق ـ 1955، – بكالوريا علمي من الثانوية المركزية في بابل سنة 1973،
غادر الى باريس منتصف السبعينيات، وحصل في البداية على ليسانس علوم سينمائية وإعلامية من جامعة باريس 1977، – ماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة باريس 1978، – دبلوم دراسات معمقة من جامعة باريس الأولى السوربون في النشاطات الإعلامية والسمعية البصرية 1980، دكتوراة الحلقة الثالثة في السينما من جامعة باريس الأولى سنة 1982 عنوان الأطروحة « نحو نظرية جديدة في اللغة السينمائية من منظور السيميولوجيا ـ نظرية الإشارات والرموز أو النظرية الدلالية ـ «، – دكتوراه دولة في الأدب الفرنسي وعلاقته بوسائل التعبير السمعية البصرية من جامعة باريس الأولى 1984 عنوان الأطروحة « البنى السردية في روايات وأفلام مارغريت دوراس «
– أسس شركة للإنتاج السينمائي والنشاطات الإعلامية بإسم « أفلام عشتار ASHTAR FILMS ” انتجت بعض الأفلام القصيرة ونظمت دورات سينمائية للشباب. كما أسس دار للنشر بإسم بابلونيا EDITIONSBABYLONIA” ساهمت في نشر وإخراج وطباعة العديد من الكتب الفرنسية.
له خبرة عملية وتقنية في الطباعة والعمل على الكومبيوتر MAC ماكنتوش و PC منذ سنة 1988 على مختلف البرامج العربية والأجنبية.
مارس العمل الصحفي والإعلامي والنقد السينمائي وكتابة الأبحاث والدراسات السينمائية والفنية المنشورة في مختلف المجلات المتخصصة بالفن السينمائي والمسرحي منذ سنة 1967 بصفة محلل وصحافي وإعلامي سياسي واقتصادي واستراتيجي وثقافي في العديد من الصحف الفرنسية ومحرر لدى مجلة دراسات شرقية الصادرة في باريس منذ عام 1986 إلى الآن. لديه خبرة واسعة في الإعلام الفرنسي والدولي والعلاقات العامة في المؤسسات الإعلامية الفرنسية
عمل مراسل في باريس لإذاعة أوروبا الحرة 2000-2001، و- نشر مايزيد عن خمسة آلاف دراسة وبحث ومقالة بين تأليف وترجمة في مختلف المجالات الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية في مختلف الصحف والمجلات العربية و الأجنبية.
كما عمل في الدائرة الصحفية للسفارة اليمنية من سنة 1980 إلى سنة 1992 في ترجمة وإعداد ودراسة وتحليل النشاطات الإعلامية على الساحة الفرنسية والعالمية وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي وكتابة التقارير الدبلوماسية التحليلية في كل أسبوع مع ترجمات مختصرة أو كاملة لما يكتب في الصحافة الفرنسية والعالمية.
وعمل مراسلا في فرنسا لعدة مجلات وصحف عربية مثل ” المدى ” و ” النهج ” و” النور ” و ” الدفاع الخليجي ” و ” الموقف ” و ” الحياة السينمائية ” و ” نزوى ” و” الدفاع الخليجي”، و ” مجلة المجلة ” الخ…وتعاون مع بعض المجلات والصحف الفرنسية في الكتابة والترجمة مثل مجلة ” مشرق ـ مغرب الصادرة عن مركز الوثائق الفرنسي ” ولوموند دبلوماتيك ” و كورييه انترناسيونال ” ومساهمات في ترجمة النص العربي لصحيفة لوموند ديبلوماتيك.
أجرى المئات من المقابلات مع مختلف الشخصيات العالمية وفي مختلف الاختصاصات التي نشرت في مختلف وسائل الإعلام
– عرض وقراءة ونقد وتعليق على مئات الكتب الصادرة باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية. تعاون مع مركز الدراسات العربي الأوروبي بباريس منذ تأسيسه سنة 1992 من خلال الترجمات والكتابة في مجلته ” الملف العربي ـ الأوروبي ” ومن ثم العمل فيه كموظف منذ سنة 1997 إلى 2001، وكتابة العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير للمركز والإشراف الفني من ترجمة وإعادة صياغة وطباعة وإخراج وتحرير لجميع المداخلات التي ألقيت في مؤتمرات مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي التسعة منذ سنة 1992 وصدرت في كتب عن منشورات المركز.
نظم وأدار أربع دورات تدريبية سينمائية للأطفال والشباب بين 8 إلى 18 عاماً تمخضت عن إخراج وتنفيذ أربعة أفلام سينمائية روائية قصيرة مقاس 8 مللم و 16 مللم و 35 مللم عرضت في التلفزيون الفرنسي وفي بعض دور العرض والنوادي السينمائية.
القى العديد من المحاضرات الفنية والفكرية والعلمية في العراق وأوروبا. وعمل رئيس لمؤسسة العراق والعالم للدراسات السياسية والإستراتيجية، مديراً عاماً للعلاقات الدولية في مؤسسة معهد المدينة الفرنسية للشرق الأوسط.. ومديرأً عاماً للإعلام في وزارة الثقافة العراقية 2003-2005، ومستشارأ لوزير الثقافة للشؤون الفنية
كما عمل مراسلا لصحيفة المدى العراقية في باريس ومستشارأ إعلاميا في عدد من الصحف والمواقع الإعلامية المكتوبة والمرئية والانترنيت مثل إيلاف والحوار المتمدن والأخبار وغيرها وقناة فرنسا 24 الفرنسية الفضائية باللغتين الفرنسية والعربية وإذاعة فرنسا الدولية وإذاعة مونت كارلو وإذاعة الشمس وغيرها 2005-2010.
له العديد من المؤلفات منها:- كتاب ” نقد العقل اليهودي الغربي ” باللغة الفرنسية، – كتاب ” إيران تحديات العقيدة والثورة ” صدر عن مركز الدراسات العربية الأوروبي سنة 1999، – كتاب” السياسة السينمائية في العراق من سنة 1940 إلى 1990″ دارالمدى سنة 2000، -الكون أصله ومصيره 2011، -الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء 2012، الكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبير 2013، جذور الفوضى في خمس دول عربية العراق سوريا لبنان اليمن وليبيا 2023، – السنة والشيعة الفتنة الكبرى في مائة سؤال وجواب 2023، الإسلام المتشظي الجذور التاريخية للانقسام الشيعي والسني 2023
ومضات سينمائية في لغة الفيلم وجمالية السينما.2023
كما أن له كتب مترجمة عن الفرنسية منها: المحرقة تحت المجهر ليورغن غراف ” نشر في دار المدى 1994، – الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلة لروجيه غارودي دار عطية 1997، – محاكمة الحرية لروجيه غارودي دار نشر البراق 2002
– المستقبل برنامج عمل لروجيه غارودي دار نشر البراق 2002، – مذكرات روجيه غارودي دار نشر البراق 2002
العنصرية كما شرحتها لإبنتي للطاهر بن جلون 2001، – دروس في الإخراج السينمائي سيرغي آيزنشتين وزارة الثقافة سوريا2002
حدثنا عن نشاتك وطفولتك، وماهي المراجع التأثيرات في طفولتك التي جعلتك بهذه الاهتمامات الفنية والأدبية؟
ج: ولدت في بيئة فقيرة وشبه معدمة مادياً في محلة تعيسة تسمى محلة التعيس في الحلة في خمسينات القرن الماضي في أواخر العهد الملكي حيث تسود الأمية والجهل والفاقة والعوز والحرمان من أبوين أميّين متدينين وفق الأعراف الدينية السائدة وكان والدي يتمنى أن يراني،عندما أبلغ سن الرشد، من طلبة الحوزة العلمية لابساً للعمامة على نهج جد والدتي المرجع الديني العلامة آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي المعاصر لأبي الحسن الأصفهاني في عشرينات القرن الماضي. رغم فقر العائلة واصلت دراستي بالضد من رغبة والدي الذي يريدني أن أتعلم مهنة البقالة وبيع الخضروات في دكانه في السوق الكبير وأخذ مكانه فهو لايؤمن بأهمية المدرسة والدراسة والشهادة الدراسية على العكس من والدتي التي كانت ترغب أن تراني معلماً وكان هذا أقصى طموحها.كنت شغوفاً بالقراءة ومصاباً بالفضول المعرفي وعاشقاً للسينما منذ نعومة أظفاري ومن ثم عاشقاً للفيزياء في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية. في سنة 1963 كنت أتردد على مسجد المحلة وأقيم أذان الفجر أحياناً فالتقيت في أحد الأيام بشاب شيوعي مختبئاً في سطح المسجد لأنه كان مطارداً من قبل الحرس القومي البعثي الذي يريدون اعتقاله وتعذيبه وقتله فدار بيني وبينه حديث إذ سألته يقال عنكم أنتم الشيوعيين بأنكم ملحدين ولاتؤمنون بالله وها أنت تختبيء في أحد بيوت الله، فرد علي بأني مازلت صغير السن لمعرفة تفاصيل الموقف الشيوعي من الدين لكن مايشاع مغرض هدفه التسقيط وتشويه سمعة الشيوعيين. وكان خائفاً أن أشي به للسلطات وقبل أن يغادر ترك لي كتاب « الكون الأحدب» لعبد الرحيم بدر. لم أفهم من الكتاب شيئاً رغم قراءتي له عدة مرات لكنه خلق في داخلي رغبة عارمة في فك طلاسمه، وبعد ذلك وجدت كتاب آخر عن نظرية النسبية لعبد الرحمن مرحبا. وبعد أشهر وقع بين يدي كتاب عن نظرية التطور لسلامة موسى فزاد فضولي المعرفي وعثرت على التناقضات بين الخطاب الديني التقليدي الذي تربيت عليه والخطاب العلمي عن موضوع الخلق والعقاب والثواب والخطيئة الأولى وخرافة آدم وحواء. كانت اللحظة الفاصلة في حياتي قد حدثت سنة 1969 عند صدور كتاب نقد الفكر الديني للراحل الكبير الدكتور صادق جلال العظم الذي صقل رؤيتي ومفاهيمي وقلبها رأساً على عقب. وباعتباره فيلسوفاً ماركسياً فقد حثني على قراءة الكتب الماركسية الصادرة عن دار التقدم في موسكو رغم حداثة سني. كنت أقرأ كل مايتوفر في السوق عن السينما وكانت لغتي الانجليزية جيدة جداً فكنت اقرأ بها بعض المقالات والمجلات عن السينما وكافة الكتب المترجمة عن السينما في ذلك الوقت ولم تكن كثيرة.
بين الخامسة عشر والتاسعة عشر من عمري شعرت إني نضجت كثيراً وازداد وعيّي ومعارفي المتنوعة وكنت مصراً على دراسة السينما في أحد المعاهد العليا المشهورة إما في موسكو في « الفغيك» أو في باريس في « الإيديك». كما كنت مغرماً بالثقافة الفرنسية والفكر الفلسفي الفرنسي لاسيما الوجودية حتى كانوا يطلقون علي لقب « جودي الوجودي» ولقد وثّق الصديق المبدع نوفل الجنابي ذلك في كتابه (الحلة الساخرة) من منشورات المدى. كنت منعزلاً عن محيطي ووسطي الشبابي لاختلاف نمط تفكيري عن باقي شباب المحافظة.
كانوا ينظرون لي بسخرية لأني لا أمتلك مقومات السفر للخارج فليس لدي بعثة أو زمالة حكومية ولا أهل أغنياء يتكفلون بمصاريف دراستي في أوروبا ولم أكن أتحدث الفرنسية ورغم ذلك سافرت وبجيبي مائة دولار فقط. وبالمثابرة والإصرار والتحمل والمغامرة وصلت لباريس في بداية السبعينات ونجحت في دراستي للسينما وحصلت على الدكتوراه من السوربون كما تخصصت بالفيزياء الكونية الكوزمولوجيا كما كنت مخططاً لذلك. كنت مطارداً من قبل أزلام البعث وهيئتي الخارجية الرثة الهيبية تجذب الأنظار والاشمئزاز في نفس الوقت مع شعري الطويل الأصفر وملابسي غير المألوفة. رفضني الجميع المجتمع والأهل والأقارب وحتى الأصدقاءوزملاء الدراسة عدا قليلين منهم.
في رحلتك الأولى الى باريس كانت السينما هو إنحيازك الأول وحصلت على شهادة علمية بذلك.. ما الذي جعلك إذن تتجه الى الادب والترجمة والاهتمامات العلمية؟
– في باريس تتوفر للشخص الراغب كل سبل التعلم والعلم والمعرفة والمصادر الأكاديمية الجادة ومن الغباء عدم استغلال هذه الفرص المتاحة، فلا يجب أن نكتفي بالاختصاص الضيق، بينما الأفق واسع ومفتوح على مصراعيه لننهل من هذا المعين المعرفي الرائع فالقراءاة الموسوعية تدفع المرء لكي يساهم في مجالات أخرى غير اختصاصه، والأدب والترجمة والبحث العلمي جزء من هذا الحيز المعرفي والابداعي المتوفر فكتبت في مختلف المجالات في النقد الأدبي والفني والبحث التاريخي والتنظير والنقد السينمائي، وبالطبع في المجال العلمي الكوسمولوجي حيث نشرت عدة كتب رصينة في هذا المجال مثلما نشرت في مجال السينما والفلسفة ونقد الفكر الديني كجزء من دوري كمثقف في عملية التنويروالتوعية ومحاربة الخرافة والشعوذة.
حصلت على شهادتين علميتين من جامعة باريس الأولى عن السينما عام 1982 والثانية عن الأدب عام 1984.. الا ترى ان ذلك تشتتا بوسائل الوصول الى هدفك، ام أنك كنت متقصد دراسة هذين التخصصين من منطلق كونهما متكاملين.
– بالفعل لا أجد تناقضاً بين التخصصين فأحدهما يكمل الآخر ويثريه. فالسينما عبارة عن نافذة على العالم تضم كافة العلوم والفنون ولايمكنك أن تصنع فناً سينمائياً عميقاً بدون معرفة وخلفية ثقافية موسوعية متنوعة، أدبية وفنية وجمالية وفلسفية وتاريخية واقتصادية وتكنولوجية الخ.. كما يمكن للمبدع في أي فن الاستلهام من السينما عناصر التعبير الفني المتطورة. وهذا لايحدث أي تشتت بل بالعكس تكامل وتدعيم أحدهما للآخر، لذا كنت متقصد للتعمق في المجالين بنفس المستوى خاصة وأطروحتي الثانية كانت عن مبدعة روائية ومخرجة سينمائية طليعية هي مرغريت دوراس وعن البنى السردية في رواياتها وأفلامها، أما الأطروحة الأولى فكانت تحت عنوان» بحثاً عن لغة سينمائية جديدة على ضوء نظرية السيميولوجيا، أي نظرية الدلالات والإشارات والرموز.
ماذا ترى إذن في هذه الاهتمامات المتعددة سينما صحافة إعلام أدب علم..؟ هل هناك ما تود ان تشرحه للقارئ في ذلك؟
– هناك ممارسات فرضتها ظروف المعيشة في الغرب ولذلك اخترت المهن الأقرب للتخصص كالإعلام والصحافة، وإلى حد ما الترجمة، لأن ممارسة السينما كمهنة ليست بالأمر الهين خاصة إذا كنت تنوي صنع أفلام من نوع أفلام تاركوفيسكي وبيرغمان وبازوليني فلن تجد منتجاً أو موزعاً يقبل بك. ثم بالنظر إلى الوعي المتدني والمتقهقر لدى المتلقي في العقود القليلة الماضية، كان لابد من فعل شيء يعالج هذا التردي من خلال التأليف والكتابة الجادة في مختلف الفروع والاختصاصات والخوض في مواضيع كانت ومازالت تعتبر من الممنوعات والمحرمات ويمنع الاقتراب منها كالسياسة والدين والعلم. أسست دار نشر بإسم منشورات بابيلونيا ونشرت كتابين الأول باللغة الفرنسية بعنوان» نقد العقل اليهودي الغربي» والثاني مترجم عن الفرنسية بعنوان» الهولوكوست تحت المجهر» لكن اللوبي الصهيوني الفرنسي حطم مشروعي وحاربني واتهمني بتهمة ناكري المحرقة.
رغم غنى معرفتك في السينما التي توجتها بشهادة متخصصة وقربك من اعظم إنجازاتها اعني في باريس لكنك لم تخرج منجز فيلمي عدا بعض الأفلام القصيرة.. ما سبب ذلك؟
– لقد أسست شركة للانتاج السينمائي في باريس تحت إسم أفلام عشتار وانتجت بعض الأفلام الوثائقية وكتبت ست سيناريوهات لأفلام طويلة حاولت إنتاجها مع ممثلين نجوم معروفين كنت قد حصلت على موافقتهم بعد قراءتهم للسيناريوهات لكن العقبة كانت تمويلية فلم أنجح في تأمين ميزانياتها كاملة ولم أنجح في إيجاد موزع يقبل بتوزيعها وعرضها على الصالات وهذا يعني الحكم عليها بالاعدام والموت قبل خروجها للعرض فالفشل التجاري والافلاس كان محتوماً لو غامرت أكثر وانتجتها بالامكانيات الضعيفة التي توفرت لها وهي كما قلت أفلام ذات رسائل فكرية وفلسفية عميقة ومعقدة في نهجها ولغتها السينمائية غير الجاذبة للجمهور.
يفتقد تخصص السينما في العالم العربي للتنظير فهو خالٍ من الدراسات النظرية.. هل تعتقد انك في الكثير من مؤلفاتك تتجه لهكذا مشروع.
حاولت وأحاول دوماً سد الفراغ في هذا المجال فلدي الكثير من الكتابات التنظيرية الجمالية والأكاديمية التي يحتاجها طلاب ومدرسي مادة السينما فهي وفيرة في اللغات الأجنبية وشبه مفقودة أو نادرة في اللغة العربية فلدي كتاب في جزئين سيصدر قريباً جداً عن دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة تحت عنوان» ومضات سينمائية في لغة الفيلم وجمالية السينما: كما صدر لي كتاب « النظريات الكبرى في لغة الفيلم وجماليات السينما « عن دار أهوار في العراق في شارع المتنبي وهناك كتاب تحت الإعداد بعنوان: وتريات سينمائية» وآخر ترجمة عن الأدب والسينما وكتاب عالم الاجتماع والمنظر الفرنسي إدغار موران « السينما والإنسان الخيالي» الذي انتهيت من ترجمته للتو وسينشر في دار أهوار أيضاً، وكتاب آخر عن غودار وعالمه السينمائي.
عملت في كتابة النقد السينمائي في أكثر من منبر اعلامي. ما هي قراءتك للحركة النقدية في العراق… وما سبب تأخر تطورها؟
– النقد السينمائي مجال رائع ومهم ويحتاج لتخصص وقلم متمكن ومحيط سينمائي مزدهر سواء في مجال الانتاج أو العرض، والحال إن النقد السينمائي بمعناه الحرفي في العراق ليس منظماً ومحبوكاً مثلما هي حال السينما في العراق عدا بعض الاستثناءات التي تعد على أصابع اليدين، وأغلب النقد عن أفلام لم تكن متاحة للجمهور إلا في الآونة الأخيرة بفضل منصات العرض المتخصصة كنتفليكس ويوتيوب وغيرها وغالبًاً ما يكون المقال النقدي مقتضباً بسبب شروط النشر المجحفة في الصحف اليومية، لذلك لاتتاح للناقد أن يطور أدواته ويكتب أبحاثاً مطولة وعميقة عن مخرج بعينه وسينماه أو عن مدرسة سينمائية ما، فعبر هذا الطريق تحول نقاد متمرسين إلى مخرجين عظام أسسوا مدارس سينمائية مهمة كالموجة الجديدة الفرنسية التي تخرّج معظم كادرها من بين صفحات مجلة كاييه دي سينما أي كراسات السينماعلى سبيل المثال لا الحصر .
ما الذي تقوله في المشهد السينمائي في العراق؟ والى ماذا يحتاج كي ينهض بواقع السينما العراقية؟
المشهد السينمائي في العراق بائس حالياً وضعيف في الماضي. ولم يتمكن من رسم معالم سينما عراقية ذات بصمة واضحة ومتميزة فلا توجد سينما عراقية بالمعنى المتداول، على غرار السينما المصرية أو الإيرانية أو الهندية، بل توجد محاولات فيلمية متفاوتة المستوى. فأغلب المخرجين يفتقدون لخلفية معرفية بنظريات الإخراج واللغة السينمائية وأغلبهم حرفيون وليسوا مجددين ولا يمتلكون رؤية دقيقة لمفردات التعبير السينمائي السمعي البصري مع وجود تجارب تستحق الثناء والإشادة. هناك بشكل عام غياب للطموح في صنع سينما متألقة لأسباب كثيرة منها عدم وجود صالات عرض وعدم وجود منتجين وموزعين وغياب شبه تام للقطاع العام السينمائي وإهمال للكادر السينمائي المتوفر حالياً الذي يعيش في فراغ وانتظار ممل لحدوث معجزة تنتشل الجميع من هذه الهوة. أقسام السينما في الجامعات تخرّج العشرات في كل عام لكن بضعة أفراد منهم من ينجح في ممارسة مهنة السينما، ولكن عبر التلفزيون والتصوير بالكاميرات الرقمية وليس الكاميرات السينمائية المحترفة والفيلم الخام. هناك نقص مريع في كتاب السيناريو المحترفين والمجددين في هذا المجال وقلة الكادر التقني في التصوير والمونتاج والمؤثرات الصورية والصوتية وإهمال لأهمية الكادر السينمائي وتوازنه ودقة التكوين في داخله أثناء التصوير.
أنت باحث علمي متخصص في الفيزياء النظرية وعلم الكونيات الكوزمولوجيا ومشارك كمحاضر في العديد من المؤتمرات العلمية المتخصصة في هذا المجال في فرنسا وكندا والولايات المتحدة وفي العديد من التجارب العلمية لاسيما تلك التي أجريت في مصادم الجسيمات العملاق على الحدود الفرنسية السويسرية LHC.. هل تحدثنا عن ذلك؟
الحديث عن ذلك يطول ويحتاج لكتب فهذا مجال نادر في العالم العربي وفي العراق وهو جزء مهم من علم الفيزياء الحديثة والفيزياء النظرية ويتناول أهم لغز لدى البشر ألا وهو عملية الخلق وسر الكون وتكوينه وشكله وهندسته ومحتواه وأصله ومصيره. وهو عالم ثري وممتع ومعقد وصعب في آن واحد يحتاج لمعرفة عميقة في كافة العلوم الأخرى لاسيما الرياضيات والكيمياء والبيولوجيا ومواكبة التطورات والتجارب العلمية الحديثة ومنجزات التكنولوجيا العصرية لا سيما مصادم الجسيمات الذي هو بحد ذاته عالم فنطازي مذهل ومٌكلف جداً فبفضله تم العثور على بوزونات هيغز الناقلة للكتلة. إن مجال علم الفيزياء النظرية والكونية معقد للغاية والذين يكتبون ويؤلفون ويترجمون فيه نادرون لصعوبته والقاريء العربي الواعي متعطش للإطلاع على خبايا هذه الكون الشاسع وأسراره والبحث عن إجابات عن تساؤلاته الوجودية في ” كيف ولماذا وأين ومتى”.و لا تنسى إن هذا الميدان قد أثار صراعاً مريراً ودامياً مع المؤسسات الدينية المهيمنة على أفكار البشرية لقرون عديدة. لقد منعت الكنيسة دراسة أبحاث ونظريات كبلر وكوبرنيك وحاكمت غاليلو غاليله وأرغمته على التنكر لاكتشافاته العلمية خاصة كروية الأرض ودورانها حول الشمس وأحرقت قبلهم جيوردانو برونو حياً لحديثه عن تعدد العوالم الخ..
ما الذي يجعل للمثقف دورا مفصليا في شؤون بلده اعني في العراق.. وانت احد المثقفين؟
قبل كل شيء يجدر بنا التساؤل أولاً ما هو المثقف ومن هو المثقف وما هو تعريف المثقف ومن الذي يقرر ما إذا كان هذا أو ذاك الشخص مثقفاً؟ وعلى افتراض وجود إجابة ناجعة مقبولة فهل هناك ما يميز من نسميه المثقف عن باقي أفراد مجتمعه، من النخبة إلى قاع المجتمع؟ الدور الذي يجب أن يقوم به كل فرد، وعلى نحو الخصوص، من نسميه المثقف، هو العمل على تنوير المجتمع وتوعية فئاته المتعلمة والجاهلة ووضع الحقائق التي يتوصل إليها بين يدي أبناء مجتمعه ويمنحهم عصارة خبرته وتجاربه وما توصل إليه من معرفة ومعلومات وحقائق لكي ينير الطريق أمام كافة فئات المجتمع وأن يتصدر النشاطات التي تطالب بتحرير المجتمع من الجهل والخرافة والتغييب المتعمد ويساهم بحركة التنوير والتوعية والارتقاء بالتفكير الجمعي وأن يكون ملتزماً بقضاياً شعبه من خلال عطائه وإبداعه وهو الذي يسميه سارتر بالمثقف الملتزم. ينبغي أن يكون المثقف الحقيقي قدوة لغيره ومتجرد من انانيته ومصالحه الشخصية الضيقة. وهذا النموذج من المثقفين نادر. لم نكن مثقفين فحسب، بل كنّا منخرطين بالعمل السياسي المعارض للفاشية والديكتاتورية ونعمل بجد ونشاط لفضح النظام السابق وإدانته في المحافل الثقافية والإعلامية. شاركت في تأسيس رابطة الكتاب والصحفيين العراقيين الديموقراطيين في المنفى وحضرت مؤتمراتها وساهمت في مجلتها ” البديل” كما كتبت ونشرت في مجلات معارضة مثل النهج والمدى.
ماهي أهم الأحداث التي واجهتك منذ لحظة وصولك إلى باريس؟
لقائي بالفيلسوف والأديب والمعلم الكبير جان بول سارتر. فقد كان حدثاً زلزل كياني ومنحنى قوة وسعادة لاتوصف. كان حلماً يستحيل التحقيق وأصبح حقيقة واقعة لا يمكنك أن تتخيل مدى أهمية ذلك وقيمته في نفسي كان اللقاء يفوق الوصف مع إنه حدث هكذا وبكل بساطة ولم يكن معجزة.الحدث الثني كان لقائي بأستاذي ومعلمي وأبي الروحي جان ميتري الكاتب والمؤرخ والمنظر والأستاذ في الفن السينمائي. كان قامة عملاقة وغاية في اللطف والتواضع احتضنني بلا قيد أو شرط سوى تعلمي وبسرعة للغة الفرنسية ومواكبته الأبوية لي ولتطوري الدراسي والمهني الذي انتهى بإشرافه على أطروحتي للدكتوراه. إنه مثقف موسوعي وشاعر مرهف وناقد ومنظّر فريد من نوعه وكنت محظوظاً بقربي منه. كما كان لتعرفي على فريق عمل مجلة كاييه دي سينما ومجلة بوزتيف عميق الأثر في ثقافتي وتطور ذائقتي الجمالية خاصة وإن أغلبهم كانوا من أساتذتي كسيرج توبيانا وسيرج داني وميشيل ماري وإريك رومير وغودار ودومنيك نوغيز وغيرهم كثيرون. تعلمت منهم الكثير ولهم فضل كبير على تكويني وثقافتي السينمائية. كذلك تعرفي بميشيل فوكو وجيل دولوز وجاك دريدا وإدغار موران وكريستيان ميتز وميشيل أونفراي ومتابعتي لنشاطهم وكتبهم وأبحاثهم ودروسهم ومحاضراتهم وندواتهم.
ماهو أهم شيء تعلمته في غربتك ومنفاك الباريسي؟
تعلمت أن أكون حراً ولا أخاف من أحد أو أخضع لأحد أو لأي ابتزاز وتهديد. تعلمت أن أكون صادقاً ووفياً لمبادئي وانحيازي للفقراء والضعفاء ومقاومة الظلم والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة المحتاجين. وتعلمت ألا أضيّع وقتي لأن الزمن محدود وثمين والعمر قصير وله نهاية فعلينا أن نحقق وننجز كل مالدينا من مشاريع وطموحات قبل فوات الأوان.
ماهي الكتب الفكرية التي تركت أثراً عميقاً في نفسك عدا كتب السينما ؟
الوجود والعدم لجان بول سارتر و الكينونة والزمن لهيدغر و أصل الأنواع لداروين و رأس المال لماركس، تاريخ القرآن لنولدكه ونقد الفكر الديني لصادق جلال العظم وبالطبع مؤلفات سيغموند فرويد ونيتشة لا سيما هكذا تكلم زرادشت.
ركزت في كتاباتك ومؤلفاتك وكتبك في الآونة الأخيرة على موضوع مناقشة الفكر الديني وبجرأة مثل الإسلام السياسي من المنبع إلى المصب والثالوث المحيّر فما هو فحوى هذا الكتاب الأخير على سبيل المثال لا الحصر؟
كتاب الثالوث المحيّر يتناول ثلاث محاور أساسية في حياة البشر وهي الله، والدين، والعلم، بثلاثة أجزاء. العنوان الفرعي للجزء الأول هو” لغز الألوهية” أما الجزء الثاني فهو تحت عنوان فرعي” الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي” فيما حمل الجزء الثالث عنوان فرعي ” المواجهة بين العلم والدين”
وهذه محاولة للغوص في هذه المفاهيم الجوهرية الوجودية الثلاثة التي حكمت حياة البشر عبر آلاف السنين. ناقشت هذه الدراسة البحثية المستفيضة مفهوم الله أو الإله وكيف نشأ في التاريخ القديم والحديث وخاصة الصورة التي قدمته بها الأديان السماوية ونصوصها المقدسة كما ناقشت موضوع الدين وكيفية نشوء الأديان بمنطق تفكيكي وتحليلي نقدي بعيداً عن القدسية وتطرق الكتاب إلى التساؤلات الوجودية الكبرى عن الأصل والمصير ومحاولة سبر أغوار الجانب الخفي من الحقيقة الكونية وأصل الحياة ومصيرها وذلك خارج مملكة الله السماوية وفي أعماق التعدد الكوني الأزلي والأبدي فالكون في حقيقته متسامي ومطلق والإنسان فيه ضئيل وأقل من لاشيء فالكون لا يهتم بالانسان وليس موجوداً من أجله وقد عرض الكتاب لمسألة وحدة الوجود الصوفية وحقيقة الكون المتسامي كما تناول موضوع الكائنات التي تملأ الكون وهي كائنات غير بشرية وقدم رؤية مغايرة لقصة الكون المرئي وناقش موضوع الصراع بين العلم والدين وكسر مسلمة تقديس السماوات من خلال عرض مفهوم الله بين العلم والفلسفة والدين وعرض بعض المطارحات الفلسفية والعلمية عن الكون والله وتناول مسألة التعاطي مع العقل عند الأديان ومن وجهة نظر العلم وهل العقل قادر وحده على اكتشاف الحقيقة وإثبات وجود أو عدم وجود الخالق؟ من خلال دحض الأوهام والخرافات التي لعبت دوراً في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات ودحض الرؤية الغيبية والماورائية عبر مناقشة إشكالية الخلق والأزلية ولم يتردد في نقد الآيديولجية الدينية وحقيقة الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان وكشف معضلة الوجود بين العلم والخرافة في الكون المرئي. تناول الجزء الأول من الكتاب موضوع في غاية الحساسية ويتعلق بلغز الألوهية وماهية الله من الناحية الفلسفية والثيولوجية الدينية أو اللاهوتية والعلمية تحت عناوين مثل الله ذلك المجهول هل هو فرضية زائدة في العلم؟ و” العلم والفلسفة يستجوبان الإله. ومن ثم التعمق في مسألة الألوهية من تساؤل ” هل الله من اختراع البشر؟” والمضي أبعد من ذلك في البحث واستقراء” هل نستطيع إثبات وجود أو عدم وجود الله؟ كما عالجت في كتابي ثيمة فلسفية ودينية بعنوان ” الله والشيطان ومعضلة الشر” التي أرقت البشر ونخبهم المثقفة ناهيك عن بسطاء الناس. وواصلت بحثي في تناول الموضوعات المتعلقة بلغز الألوهية و” نشوء الإلحاد والملحدين” ومناقشة مفهومي”الطبيعي والخارق للطبيعة، وقدمت عرضاً موجزاً لــ ” علم الكونيات الملحد” والتعمق في ” إشكالية الآلهة والألوهية والله الواحد” و وكرست الاستنتاج لــ” بحث في الإلحاد”.فـــ ” الله”، من حيث المبدأ، كان وما يزال وسيظل لغزاً يصعب سبر أغواره من قبل البشر، في الوقت الحاضر على الأقل. ولقد تبارى الفلاسفة وعلماء الدين وعلماء الطبيعة كل من زاوية اختصاصه للتعاطي مع هذا الموضوع الشائك كل ما لدينا لحد الآن مجرد إنشاء ومسلمات مفروضة وغير مثبتة وفرضيات لا حد لها حاولت وتحاول رسم صورة بورتريه لهذا ” الله” الغامض المجهول والمعلوم في آن واحد والذي يحير ذوي العقول الواعية والعاقلة الذكية والمفكرة التي تتأمل في سره وماهيته وحقيقة وجوده أو عدم وجوده. كما تطرقت في كتابي لــ” الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي. وعادة ما يذهب بنا التفكير إلى أن العقل الثيولوجي هو العقل الديني الذي تهيمن عليه الخرافة والأساطير وبالتالي فهو عقل خرافي عموماً يؤمن بالخرافات والمعجزات وانتهاك أو خرق القوانين الطبيعية. والتعاطي مع مفهوم مع الحتمية والإرادة الحرة بين العلم والدين، وتطرقت إلى موضوع ” التطور والداروينية مقابل الإله التوراتي الخالق وتخريجة التصميم الذكي. وهناك ” تساؤلات وجودية كبيرة” حاولت الإجابة عليها ولو على نحو نسبي متواضع.