باريس تحتفي بنوروز: إشراق الكُرد في قلب الدبلوماسية العالمية

آناهيتا حمو. باريس

منذ فجر التاريخ، لم يكن نوروز مجرد عيد، بل كان شرارة مشاعل مقاومة، رمزا للحرية، وقصة شعب صامد متمرد على الظلم والغبن التاريخي، يأبى الخضوع. وها هو اليوم، وقد صار حدثاً عالمياً يُحتفى به في عواصم الدبلوماسية الكبرى، يضيء شعلته ربيعاً بألوان الحرية مزركشاً بالزي الكُردي من مدينة آكَري الكُردستانية، ليشع دفئه في قلب باريس، مدينة النور، حيث اجتمع الكُرد بزيهم الكُردي وأصدقاؤهم من الفرانكوفونيين في أبهى إحتفال، تحت ظلال “آلته الكمان “،أنغام الموسيقا الكُردية التي تروي ملاحم شعب صامد يعشق الحياة والحرية، ولا تنكسر إرادته.

لم يكن هذا المساء الباريسي مجرد إحتفال، بمعاني تاريخية وأدبية،بل كان لوحة دبلوماسّية لها دلالات سياسية وثقافية رسمت تفاصيلها بحضور برلمانيين فرنسيين ونخب فكرية وثقافية من الأجزاء الأربعة لكُردستان، كأنما تلتئم جروح الروح الكُردية في بوتقة واحدة، تجسدها لوحة ترحيبية مكتوبة بلغة باريس:

« Nouvel An Kurde, Newroz » “السنة الكردية الجديدة، نوروز” من أقبية السجون إلى أروقة الدبلوماسية
لطالما كان نوروز، عبر القرون، عيداً يتجدد ،يشعل جذوة الأمل في قلوب الكُرد، حتى في أحلك الظروف، حينما كان يُحتفى به سرًا بشموع خافتة للأطفال في نوافذ البيوت الكُردستانية القديمة، وبين جدران السجون أوعلى قمم جبال كُردستان، الجبال الشامخة”مه تين، سيبانه خلاته، جودي، برادوست” حيث تسكن الحرية. واليوم، ها هو العيد يخرج من تلك الأقبية المظلمة المجحفة إلى قاعات الدبلوماسية الأوروبية، من برلمان بريطانيا إلى البيت الأبيض، ومن ضفاف الراين الألمانية إلى نهر السّين الذي يجري حول العاصمة الفرنسية، وقلب مدينة الأنوار، باريس، ليؤكد أن الشعلة التي أوقدها كاوا الحداد لا تنطفئ، بل تزداد وهجاً للأجيال الكُردستانية.

الموسيقا الكردية… لغة لا تعرف الحدود في قاعة باريسية مزينة بلوحات جدارية تنبض بالفن الأوروبي، كان العيد كُردياً بإمتياز، ليس فقط بحضور وفد من كُردستان، بل أيضاً بوهج الموسيقا التي حملها إلى الحضور عازف الكمان الشهير، دلشاد سعيد، بصمته الهادئ العميق التي يأسرالقلوب وقف محاطًا بجمهوره، كما لو كان حاملًا بين أوتاره نغمات نالي، وهمسات أحمد خاني، وشموخ الملحمة الكردية “مم وزين”.
لطالما كانت الموسيقا الكردية ملجأً للروح، كما قال الشاعر الكردي الكبير جكرخوين:
“إذا متُّ يوماً ولم تجدوا تابوتاً لي، فلتبحثوا عني بين أوتار الطنبور، حيث تسكن روحي”
واليوم، كانت روح كُردستان حاضرة في باريس، حيث امتزجت النغمات الكردية مع التصفيق الفرنسي، لتؤكد أن الفن، كما الحرية، لا يعرف الحدود.

نوروز في باريس: حيث العطر الكردي يلتقي بعطر الثقافة الفرنسية وسط الأضواء الليلية والمصابيح، كانت هناك دعوة خاصة من بلدية باريس وممثلية إقليم كردستان، حضرها القنصل الفرنسي الأول المعيّن من قبل الزعيمين الكرديين، مسعود بارزاني والراحل جلال طالباني، الدكتور فريدريك تيسوالملتزم بالقضيةالكُردية، مرتديًا زيه الكردي التقليدي كما كل عام، في وفاءٍ نادر لعلاقته العريقة بالشعب الكردي.

في هذا المساء، لم يكن نوروز مجرد إحتفال، بل كان درساً في الدبلوماسية الثقافية، حيث امتزجت حكايا كُردستان، ملحمة المناضل البشمركة الخالد الذكر، مصطفى البارزاني، وثورة أيلول، مع صفحات الأدب الكردي والفرنسي، وكأن صوت فيكتور هوغو يتجاوب مع نالي، وكلمات أراغون تتماهى مع أشعار شيركو بيكه س.

وكما قال الكاتب الفرنسي ألبير كامو: “الحرية ليست شيئًا يمكن أن يُمنح، بل هي شيء يجب أن يُؤخذ”

وهكذا، أخذ الكُرد جذوة الأمل لنضالهم التاريخي، ونوروزهم إلى العواصم الأوروبية وكذلك إلى عاصمة الثقافة الأوروبية، مدينة الأنور، باريس، ليكون هذا العام، كما كل عام، تأكيداً بأن الحرية مثل جوهرة نادرة، كما غناها تلك القصيدة الغنائية الخالدة الفنان الهادىء “جورج موستاكي”، “حريتي”، Ma liberté »، لا تموت، بل تتجدد مع كل شعلة تُوقد في ليلة العيد.

قد يعجبك ايضا