إستراتيجية حكومة إقليم كوردستان العاشرة

 

 

د. سامان شالي

كاتب وباحث

بعد انتخابات برلمان كوردستان في 18 أكتوبر 2024، يناقش الحزبان السياسيان الرئيسيان، الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، الخطوات والاستراتيجية الجديدة لتشكيل الحكومة العاشرة لعدة أشهر، واليوم أصبحوا على وشك تشكيل الحكومة العاشرة بعد أن اتفقوا على كيفية إدارة الحكومة الجديدة على أساس شراكة حقيقية.

 

بعد انتعاش الأقليم اقتصادياً وسياسياً وسياحياً بين عامي 2003 و2013، بدأت بالتراجع تدريجياً بعد استخراج النفط، مما أدى إلى قطع ميزانية الأقليم عام 2014 وظهور تنظيم داعش، ونزوح أكثر من مليوني لاجئ. وقد أدى انخفاض الأسعار العالمية للنفط إلى فرض ضغوط غير عادية على حكومة إقليم كوردستان.

 

وبدأ الأقليم يواجه تحديات مالية خطيرة. واضطر  إلى الاعتماد على القروض من الشركات الأجنبية والشركات المحلية والبنوك ودول أخرى لتمويل احتياجات الأقليم والحكومة، بما في ذلك أجور الموظفين الضخمة. وبدأت الحكومات الفدرالية والبرلمانات المتعاقبة، وعلى رأسها المحكمة الاتحادية، في ممارسة الضغط على نجاحات المنطقة ووقف النمو الأقتصادي.

 

على سبيل المثال، تم إلغاء (قانون الغاز والنفط، البرلمان، ومجالس المحافظات)، وأصبحت الحكومة حكومة تصريف أعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة.  والموازنة الثلاثية، التي أضافت شروطاً مجحفة بحق الإقليم، لم تفرضها على المحافظات العراقية الأخرى التي تستخرج أو لا تستخرج النفط أو الغاز. وزادت هذه الظروف من الأعباء على الحكومة ومواطني الأقليم.

 

في ظل هذه الظروف ومع تزايد السخط الشعبي، يجب على الحكومة الجديدة اتخاذ إجراءات جذرية لتغيير استراتيجياتها، وإعلان ثورة اقتصادية، واتخاذ خطوات جريئة لإنهاء هذا المأزق المفروض على الإقليم. إلا أن الحكومة التزمت الصمت وامتثلت لقرارات المحكمة الاتحادية المجحفة بحق شعب كوردستان.

 

لذلك، يجب على حكومة إقليم كوردستان الجديدة تتبنى هذه الاستراتيجيات الجديدة للحد من إذلال الشعب، وتسخير جميع إمكانياتها لتنفيذ هذه الخطوات في البرلمان والحكومة الجديدة لخدمة الشعب:

 

  1. تنوع الأقتصادي الغير نفطي

 

يشير التنوع الاقتصادي إلى مختلف الصناعات والقطاعات والأنشطة الاقتصادية داخل اقتصاد الأقليم أو العراق. وهو مقياس لاتساع وعمق الفرص والأنشطة الاقتصادية الموجودة داخل الأقليم. الاعتبار الاقتصادي هو الجانب الإيجابي للاقتصاد. ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاستقرار والمرونة والصحة الاقتصادية العامة. التنوع الأقتصادي يؤدى الى أكتفاء الذاتى وإيجاد فرص العمل وبقاء الثروة المالية داخل الأقليم.

 

  1. خلق بيئة أستثمارية أكثر جذابية و جريئة

 

يتضمن خلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية وجرأة تنفيذ سياسات واستراتيجيات تشجع المستثمرين المحليين والأجانب على الاستثمار في الأقليم أو فى العراق. يمكن لبيئة الاستثمار القوية أن تؤدي إلى النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، والازدهار. شمول قانون أستثمار للشركات المحلية المتوسطة و الصغيرة بقانون الأستثمار سوف يشجع القطاع الخاص بأستثمار أوسع فى الأقليم.

 

  1. تطوير القطاع العام

 

يتضمن تطوير القطاع العام تحسين كفاءة المؤسسات والخدمات الحكومية وفعاليتها وسرعة استجابتها. يُعدّ القطاع العام الفعّال أساسيًا لتعزيز النمو الاقتصادي، وضمان الرفاه الاجتماعي، وتعزيز الحوكمة الرشيدة. وسيؤدي العمل على الحد من البيروقراطية، وزيادة الشفافية، ومكافحة الفساد إلى تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.

 

  1. مكافحة الفساد

 

إن مكافحة الفساد أمر بالغ الأهمية للحكومات والمنظمات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم. فالفساد يقوض التنمية الاقتصادية، ويؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات، ويعيق التقدم الاجتماعي. أن تطبيق قانون محاربة الفساد يجب أن يكون من الأولويات القصوى للحكومة و ترسيخ مبادء العدالة الأجتماعية، و محاربة الفساد يبدء من أعلى الهرم. يجب تفعيل الدور المستقل لديوان الرقابة المالية، وتعيين قضاة متخصصين في محاكمة الفاسدين، بعيدًا عن المحاكم القضائية الأخرى. ويجب الإعلان عن أسماء الفاسدين بعد ثبوت فسادهم قانونيًا، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، لبناء الثقة بين الحكومة والشعب لمكافحة الفاسدين أينما كانوا.

 

  1. تطوير القطاع المصرفى

 

يعد تطوير القطاع المصرفي أمرًا بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية الشاملة لأي بلد. إن وجود قطاع مصرفي قوي وجيد التنظيم يوفر الاستقرار المالي، ويعزز النمو الاقتصادي، ويسهل الاستثمار. إن فقدان الثقة بين المواطنين والبنوك يعيق البنوك عن المشاركة في الاستثمار وبناء البنية التحتية. ولذلك، يجب على الحكومة العمل مع البنوك لاستعادة هذه الثقة، مما يعيد البنوك مكانتها لخدمة المواطنين والعمل معا لخلق بيئة استثمارية إقليمية قوية.

 

  1. القضاء المستقل

 

القضاء المستقل هو الركيزة الأساسية للنظام القضائي الحر، وهو نظام حكم تكون فيه السلطة القضائية منفصلة عن السلطتين التنفيذية أو التشريعية ولا تسيطر عليها. وهذا الفصل بين السلطات هو مبدأ أساسي في المجتمعات الديمقراطية.  لا ينبغي تعيين القضاة على أساس ولائهم الحزبي، بل ينبغي تعيينهم على أساس الكفاءة والمعايير الدولية، وبعيدا عن نفوذ الأحزاب السياسية عليهم.

 

  1. ترشيق مصاريف الحكومة

 

يعد خفض الإنفاق الحكومي أمرًا بالغ الأهمية لنجاح الحكم والتنمية الاقتصادية طويلة المدى في إقليم كوردستان العراق، كما هو الحال في أي منطقة أو بلد آخر. قد يختلف الحل المحدد اعتمادًا على الظروف الفريدة للأقليم، ولكن هذه خطوة حاسمة في جعل الحكومة أكثر فاعلية ودفع الاقتصاد إلى الأمام.

 

  1. مساهمة الشركات الكبرى

 

خلال الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دولة ما، يمكن للشركات الكبرى أن تلعب دورًا مهمًا في مساعدة الحكومة على مواجهة التحديات والمساهمة في التعافي الاقتصادي من خلال الاستثمار بشكل أكبر في البنية التحتية لخلق المزيد من فرص العمل وخفض معدل البطالة.

 

  1. بيع ممتلكات الدولة وتمليك الأراضى الزراعية

 

تقوم الحكومات ببيع ممتلكات الدولة والأراضي الزراعية لأسباب مختلفة، ويمكن أن تختلف العملية من دولة إلى أخرى. عادة ما يخضع بيع ممتلكات الدولة والأراضي الزراعية للقوانين واللوائح والسياسات التي تضعها الحكومة. والغرض الأساسي هو توليد أموال إضافية لإدارة الحكومة وخفض الديون.

 

  1. توحيد قواى البشمركة و القوات الأمنية

 

يعد دمج قوات البيشمركة وقوات الأمن في إقليم كوردستان العراق أمرًا معقدًا وحساسًا لأنه يجمع بين الهياكل العسكرية ذات التاريخ والعلاقات وأنظمة القيادة المختلفة. ويتطلب تحقيق هذه الوحدة التحضير الدقيق والإرادة السياسية ومشاركة العديد من الجماعات والفصائل الكوردية. وهذا مطلب أساسي لقوات التحالف الدولية للأستمرار بدعم وتدريب قوات البيشمركة. كما أنه يشجع الاستثمار لأن المستثمرين يظلون في بيئة عمل مستقرة.

 

  1. تكنوكرات و الحكومة الجديدة

 

أن مشاركة تكنوكرات خارج الأحزاب السياسية تعتبر خطوة مهمة فى تأريخ الحكومة الجديدة لأعطاء فرصة للمثقفين ذوالخبرات بأن يخدموا الأقليم أيضا.

 

  1. مشاركة المواطنين

 

تعزيز مشاركة المواطنين في صنع السياسات من خلال المشاورات العامة، والاجتماعات المفتوحة، وآليات ردود الفعل من خلال المواقع الحكومية، وهذا يزيد الثقة بين الحكومة و الشعب على أساس الشفافية.

 

  1. حرية التعبير

 

حرية التعبير حقٌّ لجميع المواطنين، وهو مكفولٌ في الدستور العراقي. وعلى الحكومة الجديدة دعم هذه الحقوق وصونها بموجب القانون.

 

بالإضافة إلى الاستراتيجيات المذكورة أعلاه، هناك أسئلة يجب على الحكومة والأحزاب المشاركة الإجابة عليها في برنامجها الحكومي الجديد:

 

  1. هل ترغب الحكومة في تطبيق الدستور العراقي؟

 

  1. هل ترغب الحكومة في الاستقلال؟

 

  1. ما الذي تفعله حكومة إقليم كوردستان والأحزاب السياسية لتحقيق الوحدة الوطنية؟

 

  1. ما الذي ستفعله حكومة إقليم كوردستان لتوحيد أعضاء البرلمان العراقي للدفاع عن حقوقنا المنصوص عليها في الدستور؟

 

  1. كيف تعمل حكومة إقليم كوردستان على بناء الثقة بين الحكومة والشعب؟

 

  1. كيف تعمل حكومة إقليم كوردستان على إيجاد حلول عملية لبناء الثقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان لحل جميع المشاكل العالقة بينهما على أساس الدستور؟

 

وفي الختام، فإن الحصار المالي والاقتصادي و السياسي الذي تفرضه الحكومة الفدرالية والبرلمان و المحكمة الأتحادية يجب اتخاذ إجراءات ضرورية للخروج من هذا المأزق والاعتماد على اقتصادها لتمويل احتياجات الأقليم، فضلا عن الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي في المجالات الزراعية والصناعية والسياحية والصحية والعلمية، وقطاعات الموارد المائية والطاقة بالتعاون مع السلطات الاتحادية  حسب الدستور بما يعود بالنفع على الوضع المالي والاقتصادي للعراق والشعب كوردستان. في المقابل، و بالخطوات أعلاه سوف يأخذ الأقليم اتجاهاً مختلفاً، عكس السياسة التي تريد تركيع شعب كوردستان والمنطقة اقتصادياً ومالياً وسياسياً  وهذا لن يحدث إلا بدعم وثقة الشعب.

قد يعجبك ايضا