ميلادك.. اشراقة أمل

رئيس التحرير

لعل ابرز مايمتاز به القادة العظام هي صفة القيادة بالفطرة في مفاصل الحياة المتعددة، وبالأخص السياسية والإقتصادية والإجتماعية منها، فضلا عن الشجاعة والذكاء والحنكة والقدرة الفائقة على ادارة دفة الأمور في الظروف الصعبة و الأزمات،كما ينبغي للقائد امتلاك روح المرونة والقدرة على التأثير والإقناع،فضلا عن الدقة والكياسة في اتخاذ القرارات المصيرية، بالأخص عندما يقود شعبًا ويتحمل مسؤولية حاضره ومستقبله.

القيادة ليست فعلًا نظريًا، وتطبيق ماتعلمه القائد من دروس ،فضلا عن الحنكة والذكاء والثقة العالية بالنفس فحسب. بل هي حالة من التواصل الإنساني والقدرة على التأثير على الناس والتخاطب مع عواطفهم واسلوب التعاطي الناجح ليزيد ارتباطهم بالقضية أو المشروع المراد تنفيذه ورسم مستقبل زاهر للمجتمع.

الأب الروحي لشعب كوردستان الخالد (مصطفى البارزاني) كان من القادة العظام الذين تنطبق عليهم المواصفات اعلاه، فضلا عن شخصيته وهيبته وتجاربه الطويلة في المجالين العسكري والسياسي، والمعاناة والصعوبات التي واجهها منذ السنوات الأولى لميلاده المجيد.

وخلال مسيرة حياته المباركة التي دامت 76 عامًا، مرّ بمحطات متعددة،من الاعتقال مع والدته من قبل الإحتلال العثماني والذي لم يتجاوز عمره في حينه سوى ثلاثة اعوام، بعد اعدام شقيقه الأكبر الشيخ عبد السلام بارزاني في سجن الموصل من قبل الإحتلال العثماني إثر قيادته لمجاميع مسلحة ضد قوات الإحتلال، فضلا عن دعمه لثورة الشيخ محمود الحفيد لتشكيل حكومة كوردستان الجنوبية ( 1919-1922) في عهد الإحتلال البريطاني للعراق ومشاركته الفاعلة في تأسيس جمهورية كوردستان في مهاباد بقيادة الشهيد قاضي محمد في عام 1946.

هنا من الضروري، المرور على سيرته الذاتية التي بدأت بولادته في 14 آذار من عام 1903 بمنطقة بارزان، وبعد إطلاق سراحه مع والدته، تتلمذ على يد أحد المشايخ، إذ درس القرآن الكريم والحديث النبوي والعقيدة والشريعة والفقه، بعدها أكمل دراسته الدينية في مدينة السليمانية، ومن ثم كرس حياته لمقارعة الظلم والإضطهاد التي مارستها قوى الإحتلال العثماني والبريطاني للعراق، فضلا عن الحكومات العراقية التي تعاقبت على ادارة دفة الأمور في البلاد.

في عام 1931 قام البارزاني بأول نشاط سياسي له عندما أرسله شقيقه احمد ممثلا عنه للتفاوض مع القوات العراقية والبريطانية، وبعدما فشل الحوار، قاد البارزاني قوة من المقاتلين للدفاع عن محور “ميركه سور شيروان” ضد قوة عسكرية حكومية كان من ضمنها الضابط بكر صدقي الذي قاد أول انقلاب عسكري بالعراق.

في عام 1934 عاد البارزاني وشقيقه من تركيا الى العراق بعد عفو الدولة عنهما، إلا أنهما نُفيا إلى جنوب العراق واستمر في المنفى قرابة 10 سنوات، بعدها نقلتهم الحكومة إلى مدينة السليمانية.

في عام 1939 انخرط البارزاني في العمل مع تنظيم سري في السليمانية عُرف بـ”هيوا” وتعني “الأمل” مااضطره لترك السليمانية في تموز 1943، وفي 1946 تم اختياره من قبل رئيس جمهورية كوردستان في مهاباد (قاضي محمد) وزيرا للدفاع، ثم اسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في 16 اب 1946،وبعد انهيار جمهورية كوردستان اثر مؤامرة اقليمية دولية، بدأ مسيرته الشاقة باللجوء الى الاتحاد السوفيتي السابق بعد عبور نهر اراس شتاءً مع ما يقرب من (500) مقاتل من البيشمركة والتي استمرت اكثر من 50 يومًا، حيث بقي هناك حتى عام 1958 لحين الإنقلاب الذي قاده الزعيم عبدالكريم قاسم ضد النظام الملكي وتأسيس النظام الجمهوري في العراق، ثم قاد ثورة ايلول العظيمة في عام 1961 ضد نظام قاسم والحكومات التي اعقبته وفي عام 1979 واثر اصابته بمرض عضال توفي في احدى المستشفيات الامريكية في واشنطن.

وكانت نتيجة وثمرة اشراقة الأمل (ميلاد البارزاني) وتلك المحطات النضالية السياسية والعسكرية والتي دامت اكثر من سبعة عقود هي توقيع اتفاقية 11 اذار في عام 1970 والاعتراف الرسمي لأول مرة بحقوق الشعب الكوردي في العراق، كما ان التطور الكبير التي شهدته القضية الكوردية في العراق والشرق الأوسط خلال العقود الاخيرة من بناء كيان اقليم كوردستان، وظهور حركة التحرر الكوردستانية في اجزاء كوردستان،تُعَدْ من جملة المكتسبات الكبيرة التي يعود فضلها لنضال الأب الروحي الخالد (مصطفى البارزاني).
بمناسبة ميلاده الميمون،تقف الأمة الكوردية واحرار العالم اجلالًا وتعظيمًا لإنفاسه الخالدة،مع تجديد العهد على الإستمرار على نهجه الإنساني النبيل.

قد يعجبك ايضا