عبدالله حميد العتابي
امتاز تاريخ العراق بندرة زعاماته الوطنية على المسرح السياسي على مدار تاريخه المعاصر من عام 1914 ولغاية يومنا هذا، ويعد جعفر ابو التمن وكامل الجادرجي وفهد و سلام عادل، وأخيرا وليس آخراً سماحة السيد مقتدى الصدر ابرز زعامات الحركة الوطنية العراقية.
وسلام عادل الذي نعيش هذه الايام الذكرى الستين لاستشهاده على يد زمر الفاشست البعثية في 23 شباط 1963، لم يكن زعيما شيوعياً فحسب، بل كان زعامة وطنية عراقية، وان كان الحزب الشيوعي اكبر الخاسرين برحيله، ويقينا أن قصة سلام عادل خلال الفترة 1955 – 1963 هي قصة مجد الحزب الشيوعي العراقي، بل قصة الحركة الوطنية العراقية.
ويبقى السؤال الاهم ما مبررات تصنيفه زعيما وطنيا؟
قبل الاجابة عن هذا التساؤل لا بد من التوفف عند منابعه الفكرية، فحسين احمد الرضي (سلام عادل) ابن مدينة النجف، والنجف مركز اشعاع حضاري وثقافي مفتوح للعلوم الدينية والأدبية والفقه والدين والسياسة والتنوع العرقي واللغوي، على الرغم من طابعها العروبي وحفاظها على لغتها العربية السليمة،فضلا عن أنه ابن سيد موسوي حوزوي، بما تعنيه الحوزة من دور قيادي للأمة العراقية، اذا ماعرفنا أن سلام عادل ولد عام 1924 على ذمة صحيفة البرافدا.
ومنذ بواكير صباه امتاز بعقلية ستراتيجية وتنظيمية، اذ عرف عنه كاريزما لم نجدها عند زعامات الحزب الشيوعي لاحقا، فتجاربه ومعارفه والادوار التي اداها في حياته والخبرات التي اكتسبها وعلاقاته مع الآخرين وقدرته على التميز، ومبدئيته واتخاذه القرار، وتحمل نتائجه والحسم وعدم التردد والحيوية الفائقة والشجاعة والثقة والكفاءة والموهبة التنظيمية الابداعية، وكان له رأي مستقل ومتميز ونقدي حيال القيادات، لذا ابعد من قبل مالك سيف سكرتير الحزب الشيوعي عام 1948 ومن قبل حميد عثمان سكرتير الحزب عام 1954.
كانت وحدة الحزب هدفه الأسمى، وفعلا نجح في اعادة الجماعات التي انشقت من الحزب مثل راية الشغيلة برئاسة جمال الحيدري وجماعة وحدة الشيوعيين بزعامة الأخوين عزيز شريف وعبد الرحيم شريف، ليس هذا فحسب، بل فتش سلام عادل عن الشيوعيين القدماء المهملين وعزز ثقتهم ونجح في وحدة التنظيم الحزبي.
ولا ننسى دوره البارز والاساس في تاسيس جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، إن لم يكن دورا قياديا، فليس ثمة من شك، أن تأسيس تلك الجبهة كان بداية النهاية للنظام الملكي في العراق. لثقل جماهيرية الحزب الشيوعي العراقي بالقياس لباقي احزاب الجبهة.
تحشيده لمسرة المليون في الاول من ايار 1959 لشعب تعداده ثمانية ملايين، الامر الذي يعبر عن مدى أوج الزعامة لدى سلام عادل. كما يعبر عن جماهيرية الحزب الذي لو كانت هناك انتخابات ديمقراطية حقيقية لاستلم الحزب الشيوعي الحكم.
قصة استشهاده والبطولة التي أبداها في مواجهة جلاديه، حسبما اعترفوا بذلك تجعل منه رمزا زعاماتيا على مختلف المستويات، سواء في شجاعته وكبريائه أو في دفاعه عن المثل والقيم التي آمن بها، لدرجة أنه دفع حياته في سبيلها، وهو لا يزال في أوج طاقته وحيويته وابداعه، حيث لم يصل عمره الاربعين.( انظر: عبدالحسين شعبان، سلام عادل الدال والمدلول ومايمكث ومايزول).
كان سلام عادل متطرفا وراديكاليا متشددا، وحسب قناعة احد جلاديه أنه ذهب بعيدا في قيادته للحزب الشيوعي، فهو الذي عمق الصراع الشيوعي – البعثي عام 1959 عندما كان امينا عاما للحزب الشيوعي العراقي. ليس هذا فحسب، وانما راديكالية سلام عادل كانت وراء الخلاف الذي حصل داخل الحزب الشيوعي نفسه بين اللجنة المركزية، وبين المكتب السياسي للحزب الشيوعي. (محسن الشخ راضي، كنت بعثيا: من ذروة النضال إلى دنو القطيعة، تحرير طارق مجيد العقيلي).
وبقي أن أقول، إن الزعيم الحقيقي لا ينزّه عن الأخطاء أو النواقص، وهي لا تنتقص منه أو تقلّل من شأن ما أنجزه، بل على العكس تُظهر حقيقة منجزه وعلى حد وصف الجواهري في رثاء الزعيم العروبي جمال عبد الناصر:
أكبرتُ يومَكَ أن يكون رثاء
الخالدون عهدتُهم أحياءَ
لا يعصم المجدُ الرجالَ، وإنما
كان العظيم المجد والأخطاءَ
تُحْصَى عليه العاثرات، وحسبه
ما فات من وثباته الإحصاء