سنجار إلى أين؟

 

خيري بوزاني

سنجار اليوم ليست مجرد منطقة حرب، بل هي اليوم مسرح لصراع متعدد الأوجه على السلطة، حيث تشارك فيه قوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة وقوات حماية سنجار والقوات العراقية الرسمية وغيرها. ولا تزال المعادلة الأمنية متقلبة. وقد جعلت التوترات المسلحة والاغتيالات والضربات الجوية التركية من السلام حلماً بعيد المنال، ولا تزال العودة إلى الحياة الطبيعية صعبة.

 

أما على المستوى الإداري، فالقضاء في فراغ بين إرادتين متضاربتين: بغداد وأربيل، واتفاق 2020 لا يزال متعثراً وسط رفض محلي وانقسام سياسي.

 

الخدمات الأساسية منعدمة، والبنية التحتية مدمرة وإعادة الإعمار بطيئة وغير متناسبة مع حجم المأساة.

 

الإيزديون ممزقون بين الولاءات والخيارات المفروضة. وعلى الرغم من مرور السنوات، لا تزال المخيمات تضم عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يتوقون إلى العودة، لكن سنجار التي تركوها وراءهم لم تعد هي نفسها والمستقبل لا يزال غامضاً، دون إجابة واضحة على سؤال المصير.

 

السيناريوهات المستقبلية لسنجار:

1- إذا استمر الصراع بين القوى المحلية والإقليمية ولم يتم تنفيذ اتفاقية 2020 بشكل كامل، فمن المرجح أن تبقى سنجار في حالة من الجمود الأمني والإداري. العواقب تكون: استمرار المشقة على السكان المحليين، وعدم الاستقرار الاقتصادي والاستثماري، وزيادة التوترات بين الجهات الدولية الفاعلة مثل تركيا وإيران.

 

2- إذا تمكنت بغداد من تنفيذ اتفاق سنجار وطرد جميع القوات المسلحة غير الرسمية من المدينة وضواحيها، فقد تستقر المنطقة جزئياً تحت سيطرة الحكومة العراقية. حينها سيتقلص النفوذ التركي، وتتعزز سلطة الحكومة المركزية في نينوى، ويسهل عودة النازحين وتوفير بعض الاستقرار.

 

إلا أن التوترات السياسية هي العقبة الرئيسية، حيث ترفض بعض الأطراف تنفيذ هذا السيناريو، مما قد يؤدي إلى تصعيد جديد.

 

3- سيناريو إعادة دمج سنجار في إقليم كوردستان: في حال نجحت حكومة إقليم كوردستان في استعادة السيطرة على سنجار من خلال اتفاق سياسي مع بغداد، يمكن دمجها إدارياً وأمنياً تحت سلطة أربيل. وقتها سوف يُعزز نفوذ البيشمركة فيها، ويتم تحسين الخدمات من خلال دعم المؤسسات المحلية. وقد ترفض الفصائل المحلية والإقليمية هذا النهج، ما قد يؤدي إلى نشوب صراعات جديدة.

 

4- سيناريو توسيع النفوذ التركي وإضعافه: حيث تعتبر تركيا وجود حزب العمال الكوردستاني في سنجار تهديداً لأمنها وقررت توسيع عملياتها العسكرية في المنطقة. يمكن أن يؤدي هذا إلى: تدخل عسكري تركي أكبر داخل سنجار، وإضعاف الفصائل الداعمة لحزب العمال الكوردستاني، وتعقيد الوضع الأمني وزيادة معاناة السكان المحليين. ويعتمد هذا السيناريو على مدى قبول أو رفض بغداد للدور التركي الموسع في تلك المنطقة.

 

5- تدويل الأزمة عبر الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة: مع تنامي الاهتمام الدولي بمصير الإيزديين، قد يؤدي هذا إلى دفع الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة إلى بذل جهود لفرض دور ما في حل الأزمة، وقد يشمل ذلك: آليات مراقبة دولية لتنفيذ اتفاقية سنجار، وضمانات أمنية للإيزديين بقوات حفظ السلام، وتشديد العقوبات على كل الأطراف المتورطة في زعزعة استقرار الوضع. ولكن نجاح هذا المسار سوف يعتمد إلى حد كبير على التوافق الدولي والإقليمي، وهو أمر غير مضمون في ضوء المصالح المتضاربة بين الأطراف.

 

لخروج سنجار من حالة الفوضى، يتطلب الأمر اتباع نهج شامل يجمع بين الحلول الأمنية والسياسية والاجتماعية، وأهم هذه الحلول هي:

 

  1. تنفيذ اتفاق سنجار بشكل كامل: يجب القضاء على جميع القوات المسلحة غير النظامية وإعادة دمجها في المؤسسات الأمنية الرسمية.

 

  1. إعادة الإعمار وتحسين الخدمات: تحتاج سنجار إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية، بالإضافة إلى توفير التعليم والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية للسكان.

 

  1. تحقيق توافق سياسي داخلي: ينبغي على الفاعلين المحليين (الكورد، الإيزديين، والمسلمين) الابتعاد عن الأجندات الخارجية وتطوير رؤية مشتركة لمستقبل المدينة.

 

  1. تحييد سنجار عن الصراعات الإقليمية: يجب على الحكومة العراقية تعزيز السيادة الوطنية المستقلة على المنطقة، بعيداً عن التدخلات الإقليمية من تركيا وإيران.

 

بعبارة أخرى، تبقى سنجار عالقة بين تعقيدات أمنية وسياسية وإقليمية، حيث تلعب القوى الدولية والإقليمية دوراً محورياً في تشكيل مستقبلها. ومع ذلك، لا يزال الاستقرار ممكناً إذا تم اتخاذ خطوات حقيقية لإنهاء الصراع وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية فعالة. ولكن في غياب إجراءات جدية، ستظل سنجار مسرحاً للصراع.

 

قد يعجبك ايضا