قراءة في كتاب ” التكييف القانوني للجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين”

حسو هورمي

البطاقه التعريفية للكتاب
• عنوان الكتاب : التكييف القانوني للجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين
• الدكتورة دلباك طاهر درويش
• الطبعة الاولى 2024 – القاهرة
• الناشر دار نفرتيتي للنشر والدراسات والترجمة- مصر
• عدد الصفحات: 212 صفحة من القطع الكبير
• اطروحة الدكتوراه ( بالاصل هذا الكتاب جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه ” فلسفة في القانون العام” تقدم بها الباحثة عام 2020 الى مجلس كلية القانون في جامعة السليمانية) .

يستهل الكتاب بالدعاء التالي :
دُعَاءٌ
يَارْبْ كَفَى ذَبْحُهُمْ بِاسْمِكَ.
يَا رَبُّ اِجْعَلْ مِنْ دُمُوعِ اَلْعَذَارَى اَلشَّنْكَالِيَاتْ قِلَادَاتِ اَلشَّرَفِ كَيْ اِزَّيَّنَ بِهَا تَلَابِيبُ اَلتَّارِيخِ.
يَا رَبٌّ أُصْغِي لِأَنْغَامِ أُمَّهَاتِ اَلْإِيزِيدِيينْ اَللَّوَاتِي اَفْعَمُنْ اَلْجَنَّةُ بِدَعَوَاتِ اَلْمَلَائِكَةِ.
يَا رَبٌّ أَمَامَ عَذَابَاتِ جُرُوحِ أَجْسَادِهِنَّ اُدْخُلْ وُجُوهَ اَلْأَشْرَارِ وَالْإِرْهَابِ أَعْمَاقَ اَلْأَرْضِ وَمُرِّغَهُمْ بِالْوَحْلِ.

متن الكتاب
يتألف الكتاب من مقدمة مع ثلاثة فصول، حيث يتناول كل فصل جانبًا مختلفًا من القضية الأيزيدية بتفصيل ودقة. الفصل الأول ذو طابع تأريخي، إذ ركّز على قضية رئيسية وهي مسألة الأيزيديين وما يُشاع عن عبادتهم لـ”إله الشر”، مع تسليط الضوء على الطاؤوس ملك وعقيدتهم. في هذا السياق، تناولت الكاتبة كافة الآراء السلبية التي تتهم الأيزيديين بهذه العبادة، ففنّدت الادعاءات وشرحت بالتفصيل إيمانهم بالله وتأريخ ديانتهم وأصولهم وموطنهم. كما دافعت عن مصداقية عقائدهم ونفت جميع الأفكار الخاطئة التي تحيط بهم.
في الفصل الثاني، خُصِّصت المناقشة للجرائم المرتكبة بحق الأيزيديين عبر مراحل تاريخية متعددة. البداية كانت مع الفترة العباسية، ومنها إلى الصراع العثماني-الصفوي، حيث تم توثيق كافة الجرائم التي حدثت خلال هاتين الفترتين. بالإضافة إلى ذلك، تناولت فترة الحكم الملكي والعهد البعثي، وصولًا إلى الجرائم الحديثة التي اقترفها تنظيم داعش الإرهابي. كما اشتمل هذا الفصل على استعراض لمجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تُجرّم هذه الاعتداءات وفقًا للقانون الدولي. وأشارت الكاتبة إلى نموذج تطبيقي يعتمد على المحكمة الجنائية الدولية، مستعرضة تجربتين: المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة ورواندا، إذ أن الجرائم الواقعة في هاتين القضيتين تشبه إلى حد كبير ما تعرض له الأيزيديون من قبل داعش.
أما الفصل الثالث، فقد ركز بشكل أساسي على التكييف القانوني للجرائم المرتكبة ضد الأيزيديين استنادًا إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. تناول هذا الفصل الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة مثل جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وربطها بما حدث للأيزيديين. كما تضمنت المناقشة النقاط المتعلقة باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، مع تحليل جرائم مثل القتل، واستعباد النساء، وتجنيد الأطفال، وتدمير المواقع الأثرية والدينية، وتعذيب المدنيين، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال اللاإنسانية التي اقترفها داعش ضد المجتمع الأيزيدي.
واختتمت الأطروحة بمجموعة من التوصيات والملاحق القانونية فضلا عن خلاصة البحث.

التكييف القانوني لجرائم داعش ضد الإيزيديين
الدكتورة دلباك طاهر قامت بدراسة معمقة حول جرائم داعش ضد الإيزيديين، محللةً طبيعتها القانونية من خلال مقارنة هذه الجرائم بأحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى المواثيق والمعاهدات الدولية والسوابق القضائية ذات الصلة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تناولها للتكييف القانوني لجرائم داعش ضد الإيزيديين في ضوء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
في هذا الإطار، يظهر تساؤل محوري: كيف يتم تكييف هذه الجرائم قانونياً وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؟
1 .جرائم الإبادة الجماعية
تُعرف الإبادة الجماعية وفق المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها أفعال تستهدف إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو دينية بشكل كلي أو جزئي. من بين هذه الأفعال قتل أفراد الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بهم، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى القضاء عليهم. في حالة الإيزيديين، ارتكب تنظيم داعش عمليات قتل ممنهجة، واستعباد النساء والأطفال، وتدمير الرموز الثقافية والدينية، والإجبار على تغيير الدين. هذه الأفعال تعكس نية واضحة لتدمير مجتمع الإيزيديين، مما يُعد تكييفاً دقيقاً لجرائم إبادة جماعية وفق المادة السادسة.
2.الجرائم ضد الإنسانية
بحسب المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تشمل الجرائم ضد الإنسانية أفعالاً مثل القتل، والاستعباد، والتهجير القسري، والاغتصاب، والتعذيب، عندما تُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق ضد مجموعة مدنية. جرائم داعش بحق الإيزيديين تضمنت استعباد آلاف النساء والأطفال، وعمليات اغتصاب منهجي، وترحيل قسري عن مناطقهم الأصلية، فضلاً عن التعذيب والقتل المنظم. هذه الجرائم تتوافق تماماً مع تعريف الجرائم ضد الإنسانية.
3. جرائم الحرب
وفق المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تعتبر جرائم الحرب انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف والقواعد الدولية للحرب. تشمل هذه الانتهاكات قتل المدنيين، وتدمير الممتلكات بشكل غير مبرر، والتعذيب، واستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب. تصرفات تنظيم داعش بحق الإيزيديين من تدمير القرى وقتل المدنيين إلى استخدام منهجي للعنف الجنسي تُعد جرائم حرب بامتياز.
4. جريمة العدوان
بالرغم من أن جريمة العدوان أقل وضوحاً في سياق جرائم داعش ضد الإيزيديين، إلا أن الهجمات المنظمة التي شنها التنظيم يمكن اعتبارها جزءاً من مخطط عدواني لتوسيع السيطرة الإقليمية والحصول على موارد جديدة. ومع ذلك، فإن تكييف هذه الأفعال كجريمة عدوان يحتاج إلى تحليل عميق للسياقات السياسية والعسكرية المصاحبة.

التحديات القانونية
على الرغم من الأدلة الواضحة على ارتكاب داعش لهذه الجرائم الدولية، إلا أن هناك عقبات تعترض تحريك القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية. أولاً، كون العراق ليس طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يحد من اختصاص المحكمة، إلا إذا تمت إحالة القضية من مجلس الأمن. ثانياً، طبيعة تنظيم داعش اللامركزية تعقد عملية تحديد المسؤوليات الفردية وجمع الأدلة بطريقة فعّالة.

الخاتمة
تُمثل جرائم داعش ضد الإيزيديين انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي. يمكن توصيفها كإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إلا أن ضمان تحقيق العدالة يعتمد على إرادة دولية حقيقية وتعاون فعّال للتغلب على التحديات القانونية. المحاسبة على هذه الجرائم ليست فقط ضرورة قانونية، بل خطوة أساسية نحو تحقيق المصالحة ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
توصيات ذات أهمية
الجرائم المرتكبة بحق الإيزيديين لا تمثل فقط انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، بل تشكل أيضًا جريمة ضد الإنسانية جمعاء، وإبادةً لهوية وديانة كاملة. فالممارسات التي قام بها تنظيم داعش ضد الإيزيديين في العراق تُعد من بين الجرائم الأشد وحشية في العصر الحديث. إذ تعرضت هذه الأقلية الدينية العريقة للإبادة الجماعية، والاستعباد الجنسي، والتهجير القسري، والتدمير الممنهج لممتلكاتهم الثقافية والدينية. في سياق هذه الكارثة الإنسانية، ترى الباحثة أن هناك ضرورة ملحّة لصياغة توصيات على المستويين الدولي والمحلي، تهدف إلى ضمان التكييف القانوني لهذه الجرائم، محاسبة المتورطين، ومنع تكرارها مستقبلاً.
فيما يلي أبرز التوصيات التي تناولتها الباحثة:
• يتعين على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة، الاعتراف رسميًا بأن الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية وفقًا لاتفاقية عام 1948. هذا الاعتراف سيمثل خطوة محورية لتعزيز الجهود القانونية والدبلوماسية لمحاسبة المسؤولين.
• العمل على إنشاء محكمة دولية متخصصة لضمان تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، والحرص على عدم إفلاتهم من العقاب.
• تقديم دعم تقني ومالي للتحقيقات الدولية التي تُعنى بجمع الأدلة وتوثيق الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين، مما يمهد لمحاكمات عادلة.
• توفير ملاذات آمنة للضحايا والناجين، إلى جانب الدعم النفسي والقانوني لضمان حقوقهم، وتحضيرهم للإدلاء بشهاداتهم إذا اقتضت الحاجة.
• مطالبة الحكومة العراقية بمراجعة وتعديل التشريعات الوطنية لتضمين تعريف واضح للإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفقًا للمعايير الدولية.
• تأسيس محكمة وطنية متخصصة لمحاكمة أعضاء تنظيم داعش المتورطين في الجرائم ضد الإيزيديين. ينبغي أن تكون هذه المحاكم مستقلة وشفافة، مع حماية حقوق الناجين والشهود.
• تشجيع الحكومة العراقية على التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لتوثيق كافة الجرائم المرتكبة بشكل شامل، ليُستخدم هذا التوثيق كدليل لتحقيق العدالة.
• ضمان الحماية الكافية للناجين من الطائفة الإيزيدية، والعمل على إعادة إعمار المناطق التي دمرها تنظيم داعش، بما في ذلك ترميم المقدسات الإيزيدية. كما يجب تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا.
• إدراج مواضيع عن حقوق الإيزيديين وتاريخهم وثقافتهم ضمن المناهج التعليمية العراقية لتعزيز التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع.
• إنشاء صندوق تعويضات للناجين الإيزيديين لتعويضهم عن الخسائر المادية والمعنوية. ينبغي أن يكون هذا الصندوق ممولاً من قبل الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع الدولي الداعمة.
من خلال تطبيق هذه التوصيات بشكل شامل ومستدام، يمكن للعراق والمجتمع الدولي أن يضمنا تحقيق العدالة للناجين من الإيزيديين، إلى جانب وضع أسس تحول دون تكرار مثل هذه المآسي مستقبلاً. هذا الجهد يستدعي التزامًا حقيقيًا بحماية حقوق جميع الأقليات وتعزيز قيم السلام وتكريس مبادئ التعايش وتنفيذ العدالة في المنطقة.

المصادر والمراجع
يبدو أن الدكتورة قد بذلت جهدًا بحثيًا استثنائيًا في إعداد دراستها، حيث يعكس الاعتماد على 316 مصدرًا ومرجعًا علميًا مدى عمق البحث وشموليته. هذا العدد الكبير من المراجع لا يدل فقط على سعة الاطلاع والاستقصاء الدقيق، بل يؤكد أيضًا التزام الباحثة بالمنهجية العلمية الصارمة في بناء أطروحتها.

تنوع المصادر، بين كتب أكاديمية، مقالات دوريات علمية محكمة، وثائق دولية، تقارير لمنظمات حقوقية، وأبحاث ميدانية، يظهر رغبة الباحثة في تقديم معالجة متكاملة للموضوع. هذا التعدد يضيف صدقية إلى العمل، إذ يتم دعم كل استنتاج وفرضية بأدلة قوية مستمدة من مصادر متنوعة وموثوقة. وفضلاً عن ذلك، فإن الاعتماد على هذا الكم الكبير من المراجع يكشف عن أن الباحثة لم تقتصر على الجانب النظري فقط، لكنها دمجت بينه وبين تحليل الواقع العملي عبر الاستعانة بدراسات سابقة وحالات تطبيقية. هذا التوزان بين النظرية والتطبيق يعزز جودة البحث ويمنحه طابعًا أكثر إقناعًا وعمقًا. إلى جانب ذلك، يتضح من نوعية المصادر المستخدمة حرص الباحثة على تقديم رؤية متعددة الأبعاد، مستندة إلى تخصّصات متنوعة تشمل القانون الدولي، حقوق الإنسان، العلوم السياسية، والدراسات الاجتماعية والقرارات الدولية والاتفاقيات الاممية والكثير من الوثائق الخاصة بالمحاكم الدولية والاليات الدولية لمحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية .
هذا الانفتاح على تنوع المجالات العلمية يثري النقاش ويوفر معالجة شاملة لجرائم داعش ضد الإيزيديين من منظور إنساني وقانوني.
في المجمل، الجهد المبذول في جمع وتحليل هذا العدد الكبير من المراجع يعكس مستوى متميزًا من الالتزام الأكاديمي. وحرص الباحثة دلباك طاهر على تقديم بحثٍ شاملٍ ودقيقٍ، يستند إلى أدلة قوية ومتنوعة، مما يجعل دراستها مرجعًا مهمًا لفهم أبعاد هذه القضية الإنسانية والقانونية المعقدة.

اخيرا ” كلمة وشكر”
يُعتبر هذا الكتاب واحدًا من المصادر العلمية الرائدة والأكثر قيمة في المجال الأكاديمي، مما يجعله مرجعًا بارزًا يستحق الاهتمام من قبل الباحثين والمختصين. فهو لا يقتصر فقط على تقديم معلومات غنية وشاملة، بل يتميز أيضًا بتحليلاته الدقيقة والمعمقة التي تسهم في إثراء المعرفة وتعزيز الفهم في الموضوعات المطروحة. القراءة في هذا الكتاب تمثل فرصة حقيقية للاستفادة من محتواه القيّم والتعمق في الأفكار التي يعرضها بأسلوب رصين ومنهجي.
أتوجه بالشكر الجزيل للدكتورة دلباك طاهر على الجهود الكبيرة التي بذلتها بإخلاص واهتمام بالغ في تسليط الضوء على قضايا ضحايا تنظيم داعش من الإيزيديين. لقد قدمت من خلال دراستها عملاً مميزاً أسهم في إنصاف هذه الفئة المتضررة، ووضعت أمام العالم صورة واضحة للمعاناة التي عاشوها مع تبيان اليات معالجة اوضاع الايزيديين قانونيا ، مما يعكس عمق التزامها الإنساني والبحثي بهذه القضية المهمة.

قد يعجبك ايضا