المناضل صلاح زند وذكريات مع الخالد البارزاني المصيبة ليست في جور الأشرار، بل في صمت الأخيار

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حاوره – د. توفيق رفيق التونچي

 

صلاح شريف زند يمكن إدراجه بين هؤلاء المناضلين المجهولين الذين قدموا الكثير للقضية الكردية وينتمي إلى مجموعة كبيرة من المناضلين الغير معرفين ، هولاء ممن نراهم ونسمع صراخهم هنا وهناك. آخر مرة رأيته كانت في احتفالات الحادي عشر من آذار وربما كان عام ١٩٧١ راجع مادتنا حول ذلك اليوم الجميل في صدر القناة في بغداد العاصمة على صفحات التاخي الغراء:

https://altaakhi.net/2023/08/46543/Ö

 

التقى به الصحفي الأمريكي خوان ويليامز عام ١٩٧٧ في فولز تشيرش مع أصحابه ال “پێشمه‌رگه” يحتفلون بعيد نوروز بحضور المرحوم الخالد مصطفى البارزاني . وكتب يقول:

“صلاح زند، رجل ذو بشرة سمراء وأنف مستقيم قوي وابتسامة شرسة، انضم إلى الجيش الثوري الكردي (البيشمركه) في وطنه العراق عندما كان في السادسة عشرة من عمره. ”

كتب هو بنفسه عنً وطنه “كوردستان” يقول :

منذ سبعينات القرن الماضي وبعد انكسار الأحلام واحتراقها… كل يوم في الغربة ترتسم الظلال في ذاكرتنا …في أنفسنا وظلال على النافذة حيث منها الضوء آت لنبحث في الرماد بعد الحريق ….فحياتنا ماهي الاّ خيالاً وواقعنا مسرحاً نبدد الأحلام ونكسرها في ذروته …وفي آخر المطاف ,نحوّل الخيال الى تعويض ونستيقظ وفي ذاكراتنا وقلوبنا وطن اسمه “كوردستان” هاجرنا باقدامنا ولكنها ستظل في قلوبنا الى الأبد…..

…. صلاح الحاج شريف البيشمركه الشجاع الذي بقى صادقا للعهد الذي قطعه للبارزاني الخالد خلال إقامتهم معا في الولايات المتحدة. اليوم لا يزال صادقا لوعده ولا يزال يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية مع عائلته . التقي به اليوم كي يحدثنا عن تلك الأيام كتوثيق لفترة تاريخيّة مهمة في حياة الشعب الكوردي بعد تداعيات اتفاقية الجزائر المشؤمه.

سألته بعض الأسئلة حول تلك الايام العصيبة والتاريخية ساتركه يسترسل ويروي لنا حوادثها. ويسرد لنا اماله وطموحاته في سنوات نضاله الطويلة وصولا الى يومنا هذا.

أدركتُ في ذلك اليوم مدى الجهل والمعلومات المغلوطة التي كانت تنتشر بين الناس عن الكورد. كما أدركتُ كذلك أنني سأقضي بقية حياتي وأنا أناضل من أجل حقوقي، ليس فقط ك كوردي، بل كإنسان. عندما بلغتُ السادسة عشرة، انخرطتُ في السياسة الكردية ولكن في تنظيمً سري. وسرعان ما أصبحتُ أحد النشطين الذين يشرفون على تنظيم الحركة السياسية السرية. كان دوري جمع التبرعات من مؤيدي القضية الكوردية وإرسالها إلى قوات البيشمركة في كوردستان

 

 

يعود أصولي إلى قرى منطقة افتخار ويربطنا صلات قرابة معكم ابن العمه. كنا ندرس في مدرسة مبنية من الطوب الطيني. في الشتاء كان الطقس شديد البرودة في الخارج، فارتديتُ أدفأ معطف وجدته في منزلي ذلك الصباح. كان الاستاذ، عمر، يتجول في الفصل وكنا صغارا وفي الصف الثاني ويسأل كل طالب نفس السؤال. وعندما حان دوري، سألني كذلك:

 

– ماذا ترغب أن تصبح عندما تكبر؟ أجبته بحماس : أريد أن أصبح ضابطًا رفيع المستوى! كنتُ أعلم أن من أجل أن أصبح رئيسًا للبلاد ، عليَّ أولًا أن أكون ضابطًا. التفتت الجميع إليَّ، متسائلين كيف سيكون رد المعلم! نظر إليَّ الأستاذ مباشرة .

قال: – لا يمكنك أبدًا أن تصبح رئيسًا للعراق. سألته ببراءة: ولماذا؟ كان رده بسيطًا وقاسيًا: لأنك لست عربيًا. الأكراد لا يمكنهم أن يصبحوا رؤساء. فقط العرب يستطيعون.

لكن الأمور تغيرت بعد ٢٠٠٣ حث حجز الكورد مقعد رئيس الجمهورية منحصرة لهم رغم كونها مجرد وظيفة رمزية وكان المرحوم مام جلال الطالباني احد ابرز رؤساء الجمهورية في العهد الجديد. الان اعيش في الولايات المتحدة الامريكية بلد الحريات.

 

ولدتُ في قرية افتخار وكما تعلم، وعندما كبرتُ قليلاً، اقترح عليَّ أخي الأكبر أن أنتقل إلى بغداد لإكمال دراستي الثانوية. كنتُ الكردي الوحيد في ثانوية الأعظمية، ولذلك كنتُ أبدو مختلفًا عن زملائي الآخرون ، وشعرتُ كأنني غريب في بلدي! لكنني لم أكن وحيدًا تمامًا، فقد كان هناك عماد، الذي أصبح بسرعة صديقي المقرب. بعد بضعة أسابيع، دعاني عماد إلى منزله. قادني إلى الفناء الخلفي، وبعد فترة، خرجت والدته تحمل لنا الشاي وقدمت نفسها، ففعلتُ الشيء نفسه. لكنها ظلت تنظر إليَّ عن كثب، بينما كان أفراد عائلته يراقبونني من النوافذ، وكأنهم لا يصدقون أن صديق ابنهم لم يكن عربيًا. أما أنا، فكنتُ ألتقط الطعام من طبقي وأتظاهر بعدم ملاحظة نظراتهم. ثم خرجت والدة عماد مرة أخرى، نظرت إليَّ وقالت:

أنت الان واحد منا تمامًا.

أدركتُ في ذلك اليوم مدى الجهل والمعلومات المغلوطة التي كانت تنتشر بين الناس عن الكورد. كما أدركتُ كذلك أنني سأقضي بقية حياتي وأنا أناضل من أجل حقوقي، ليس فقط ك كوردي، بل كإنسان. عندما بلغتُ السادسة عشرة، انخرطتُ في السياسة الكردية ولكن في تنظيمً سري. وسرعان ما أصبحتُ أحد النشطين الذين يشرفون على تنظيم الحركة السياسية السرية. كان دوري جمع التبرعات من مؤيدي القضية الكوردية وإرسالها إلى قوات البيشمركة في كوردستان. كان عليَّ أن أتجنب الاعتقال من قبل الشرطة السرية العراقية ( الامن)، التي كانت تستجوب الناس وتعذبهم لمعرفة هويات المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وبعد فترة، قيل لي إن اسمي أصبح متداولًا لدى السلطات، رغم أن قلة قليلة كانت تعرف اسمي الحقيقي. لذلك، عدتُ إلى كركوك قادمًا من بغداد، واستمررتُ في العمل السري حتى نجوتُ من محاولة اعتقال كادت أن توقع بي. لم يكن أمامي خيار سوى الاختباء لبضعة أيام، حتى حصلتُ على المساعدة للانضمام إلى البيشمركه والتحقتُ بمدرسة السياسة في ناوپيردان، القريبة من مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني.

انضممت رسميًا إلى الحركة الكردية وسرعان ما أصبحتُ أحد الكوادر النشطة فيها. كان عدد سكان كوردستان انذاك ما يقارب 20 مليون نسمة، موزعين بين أربع دول: إيران، العراق، سوريا، وتركيا. كنت أطمح لأن نجتمع جميعًا تحت راية واحدة، وأن يحظى شعبي بحرية إدارة شؤونه بشكل مستقل، وأن تصبح لغتنا الهندو-أوروبية لغة رسمية. لم أشعر أبدًا أن هذا النضال كان ضد العرب أو أي طرف آخر، بل كان ببساطة حقًا مشروعًا لشعبي. في 19 مارس 1970، كنتُ مع مجموعة من الكوادر الشباب نحضر في الأكاديمية السياسية، عندما سمعنا أن الرئيس بارزاني سيستقبل ضيفًا مهمًا جدًا قريبًا. بعد ساعات قليلة، رأيتُ مجموعة من البيشمركة بأسلحتهم منتشرين في كل مكان، في انتظار ذلك الضيف الهام. وفجأة، ظهر شخص ما، فنظرتُ إليه وقلتُ بصوت عالٍ: “يا إلهي! إنه صدام حسين.

في تلك اللحظة، طلب حراس بارزاني والبيشمركة من الجميع التراجع والمغادرة، وكنتُ من بينهم. في اليوم التالي، أبلغنا المرحوم  دارا توفيق أن الرئيس بارزاني ونائب رئيس العراق، صدام حسين، قد توصلا إلى اتفاق لوقف الحرب، وسيتم الإعلان عنه قريبًا. وبالفعل، في اليوم التالي، أعلن رئيس العراق، أحمد حسن البكر، الاتفاق قائلاً:

“لقد توصلنا إلى اتفاق مع إخوتنا الكورد، ومن الآن فصاعدًا، سنعيش في وطننا، ليس فقط كإخوة، بل كشركاء إلى الأبد.” تعالت أصوات الطلقات الاحتفالية في الهواء، فنظرتُ إلى أحد رفاقي وقلتُ له: “سنعود إلى ديارنا، سأعود إلى كركوك.

كان من المفترض أن يتم تنفيذ هذا الاتفاق خلال أربع سنوات من تاريخ توقيعه في 11 مارس 1970، لكنه لم يُنفذ أبدًا كما وُعِدنا. هذا الوهم بالحرية منح الكورد إحساسًا زائفًا بالأمل. وفي مارس 1974، اندلعت الحرب مجددًا بين الكورد والحكومة العراقية. بدأ الكورد يحققون تقدمًا، خاصة بعد حصولهم على دعم من الولايات المتحدة عبر إيران خلال فترة حكم الشاه. كان الشاه عدوًا دائما للعراق، لكن صدام حسين اضطر إلى الاجتماع به لقطع التمويل عن الكورد. أدى ذلك إلى شلّ الحركة الكردية، التي لم يعد لديها أي داعم تعتمد عليه. عاد بعض الكورد إلى قراهم، وبعد اتفاقية إيران والعراق، عرض صدام حسين العفو على الكورد. لكنني، وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، رفضنا ذلك العرض. كنتُ في الثالثة والعشرين من عمري، ولم أكن لأقبل العفو أبدًا. لم يكن بإمكاني أن أذهب وأقول: “لا، لستُ كرديًا.” وعندما سمعتُ عن عرض العفو، كان أول ما فكرتُ به: “صدام، خذ عفوك وضعه حيثما شئت!” لم يكن هناك أي احتمال أن أقبل شيئًا منه . بقيتُ في مخيم لاجئين في إيران إلى أن أعلنت بعض الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أنها ستقبل اللاجئين الذين أكملوا دراستهم الثانوية. تم اختياري للدراسة في الخارج، وبعد أن تحطمت آمالي، أصبحتُ واحدًا من 400 لاجئ في أول موجة هجرة كردية إلى الولايات المتحدة. أُرسلتُ إلى “براون فيلد”، وهو مخيم للاجئين في سان دييغو، لكنني لم أكن أنوي البقاء هناك. جسدي كان موجودًا، لكن روحي كانت لا تزال في الوطن. كل يوم، كنتُ أتوقع أن يرن الهاتف، وأن يكون على الطرف الآخر صوتٌ يقول لي:

“حان وقت العودة إلى الوطن.”

 

لكنني، وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، رفضنا ذلك العرض. كنتُ في الثالثة والعشرين من عمري، ولم أكن لأقبل العفو أبدًا. لم يكن بإمكاني أن أذهب وأقول: “لا، لستُ كرديًا.” وعندما سمعتُ عن عرض العفو، كان أول ما فكرتُ به: “صدام، خذ عفوك وضعه حيثما شئت!” لم يكن هناك أي احتمال أن أقبل شيئًا منه . بقيتُ في مخيم لاجئين في إيران إلى أن أعلنت بعض الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أنها ستقبل اللاجئين الذين أكملوا دراستهم الثانوية. تم اختياري للدراسة في الخارج

 

بعد عام من وصولي إلى سان دييغو، تلقيت مكالمة. كان المتصل كاك مسعود بارزاني، أوضح لي أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بحاجة لي لأكون ممثله في أمريكا الشمالية. كانت هذه أعلى الأوامر الصادرة عن قيادة الحركة الكردية. في اليوم التالي، غادرت إلى واشنطن العاصمة. أصبحتُ ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في الولايات المتحدة وسافرتُ في جميع أنحاء البلاد لبناء علاقات بين المسئولين الحكوميين والمهاجرين. زرتُ مجتمعات مختلفة لنشر الوعي حول أمة بلا دولة. لم يكن أحد يعرف من نحن، نحن الكورد. كل ما كانوا يعرفونه هو أن كوردستان لم تكن موجودة على الخريطة. لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يعد اللاعب الوحيد في الحركة الكردية. بدأت مجموعات أخرى في التشكّل، وسرعان ما ظهر حزب منافس يُدعى الاتحاد الوطني الكردستاني يقوده المرحوم مام جلال. وسرعان ما بدأ الأكراد ينقلبون ضد بعضهم البعض.

في عام 2004، بعد سقوط النظام البعثي الفاشي قررتُ زيارة وطني اي الى كوردستان ولأول مرة بعد غياب طال أكثر من ثلاثين عامًا. سافرتُ إلى تركيا، وكان عليّ أن أستقل سيارة أجرة للوصول إلى مسقط رأسي، افتخار . كانت الثلوج تتساقط، ولكن في طريقي إلى نقطة الحدود ، استطعتُ أن أميز لافتة ضخمة على جانب الطريق.

اقتربت السيارة. ومن خلال الشباك تمكنتُ وبوضوح من قراءة ما كُتب على اللافتة: “

 

مرحبًا بكم في كوردستان العراق

 

إشارات:

اتفاقية الجزائر وقع بين شاه ايران والمقبور صدام وبذلك انهارت الحركة الكوردية عام ١٩٧٥ بمباركة جزائرية وقوى دولية أخرى للحيلولة دون سقوط الحكم في العراق. تسمىً كذلك ب “إعلان الجزائر” تم توقيعه في السادس من مارس/آذار 1975 وتم بموجب الاتفاق تسوية النزاعات الحدودية المشتركة بين البلدين، مثل النزاع على شط العرب، وتنازل العراق عن حقوقة الوطنية على أراضيها الحدودية البرية والنهرية في شط العرب وكان ذلك احد أسباب الرئيسية لاشعال الحرب الثمان سنوات لاحقا على الجمهورية الإسلامية في ايران.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا