د . صباح ايليا القس
ابو القاسم محمد بن حوقل البغدادي يعد من اوائل كتاب ادب السياحة الذين وصلت الينا آثارهم , اذ تقول الروايات انه قضى نحو ثلاثين عاما يطوف بين البلدان الاسلامية من بغداد الى الاندلس وفي هذه الزيارات يدرس ويكتب عن معالمها وتاريخها وطبيعة المجتمعات التي يتعامل معها , وقد ترك لنا كتابا مهما في ادب الرحلات بعنوان ( المسالك والممالك ) كان ذلك بحدود القرن الرابع الهجري .
وعند الاطلاع على هذا الكتاب نراه يمازج بين الاسلوب العلمي والادبي في وصف صورة المشاهدات لا سيما رحلته الى مصر حيث الدولة الاخشيدية وهناك وصف واعجب بنهر النيل الذي يقطع مصر الى نصفين وعلى الجانبين وفروعه يعيش اغلب المصريين الذين نقل عنهم شارحا احوال المجتمع المصري .
واذا كان ابن حوقل يطوف من الشرق الى الغرب نجد هناك من يعاكسه الاتجاه فينطلق من الغرب الى الشرق ذلك هو ابو الحسن محمد بن احمد بن جبير الاندلسي الذي انطلق من الاندلس قاصدا افريقيا ومصر والشام والحجاز .. وقد ابتدأت رحلته من غرناطة قلب الاندلس الى الشرق الاسلامي لثلاث مرات احداها كان عبر البحر الابيض المتوسط .. ولا بد لمن يغامر بمثل هذه الرحلات ان يتعرض الى امور غريبة وقاسية احيانا وصلت احداها الى قرب الهلاك في البحر .. استلطف الاسكندرية لاعتدال اجوائها ومكث فيها طويلا حتى وافاه الاجل وقد ترك لنا كتابا يمثل رحلاته ويسرد فيه باسلوبه السهل الممتنع عددا من مشاهداته فضلا عن السيرة المجتمعية لبعض من تعامل معهم واسم كتابه هو ( تذكرة بالاخبار عن اتفاقات الاسعار) وفيه كثير من الاخبار والمذكرات والتاريخ والمشاهدات مركزا على الطبيعة الوصفية الادبية في سردياته .
ونحن اذ نستذكر بعض رواد ادب الرحلات لا بد ان نذكر اشهر بل اعظم رواد هذا الادب وهو الرجل المعروف بابن بطوطة ذلك الذي تناولته الاقلام والصور وحتى الافلام والصور المتحركة واستفاد من كتابه كثير من المسافرين لاحقا .
يسجل لابن بطوطة قدرته وسعيه للكشف الجديد والبحث عن ما لم يصل اليه احد سواء في البر ام البحر وقد دون لنا الكثير من مشاهداته في كتابه ( تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار المعروف بين الناس بـ ( رحلات ابن بطوطة ) .
يروي في كتبه انه خرج من طنجة مكان مولده ينوي زيارة اقطار العالم وربما يقصد ما يتيسر له .. وهو من المغرب اذ يقصد الشرق لا بد ان يخترق بلدان المغرب حتى مصر والشام وشملت رحلة العودة زيارة افريقيا التي لم يكن قد زارها احد قبله من العرب السائحين . يقال ان رحلته تجاوزت ربع قرن من الزمان وذلك عمر ليس بالقصير يقضيه الانسان في السفر والبحث والاستكشاف والكتابة والتدوين لا سيما ما عرف عنه من اسلوبه القصصي الفني والادبي .
ليس من ذكرتهم هم وحدهم الذين عشقوا الاسفار والتجوال بل هناك آخرون لا يتسع المقال لهم جميعا .
هذا الفن الادبي السياحي والاعلامي يكاد ينعدم في هذه الايام ولا نكاد نجد ما يبل الريق من التأليف والمشاهدات اذ اقتصرت اغلب الكتابات على وصف تفسيري يصلح لمقال في جريدة ولم يعد هناك من يسعى لاصدار كتاب متخصص بأدب الرحلات مع العلم ان وسائل السفر المعاصرة ووسائل الاتصال السريعة قد سهلت مهمة الكشف والتوثيق الصوري وهكذا خسر الادب العربي وربما الاداب الآخرى نمطا ادبيا لطالما استهوى الناس لما فيه من دهشة وابهار.