التآخي – ناهي العامري
استضاف منتدى بيتنا الثقافي، الناقد والشاعر جمال جاسم أمين، لتقديم محاضرة بعنوان / البديل الثقافي… مشروعا ورؤية.
استهل أمين محاضرته بتسليط الضوء على مشروع البديل الثقافي، الذي انطلقت عربته التنويرية منذ أول مقال نشر في صحيفة (الاديب) العدد (٨٠) في ١٣ تموز ٢٠٠٥، وكان عنوانه (مفهوم البديل الثقافي وتفكيك فكرة المؤسسات)، ويعد ذلك التأريخ سكة طويلة استغرقت مسافة ثمانية عشر عامًا، تخللها اصدار مجلة ثقافية فصلية بالعنوان ذاته (البديل الثقافي)، وقد تحقق ما يلي:
١- استقلالية الخطاب الثقافي للمشروع برمته، وقد عانينا من صعوبة التمويل بسبب الاستقلالية التي يعتبرونها على الغالب تهمة جاهزة.
٢- البديل الثقافي مشروع فكري معرفي في وسط ادبي بلاغي أو شعري بالتحديد، ربما يشكل هذا المنحى صعوبة غير منظورة، حيث ان الادباء غايتهم الجمالية، بينما للمشروع الفكري تماسات مع الحياة عموما، السلطة والمجتمع واللاهوت، كل هذا لا يمت للبلاغة الادبية بصلة.
٣- هناك صعوبة اعمق على هذا الصعيد تلامس جوهر التجارب، بل هي نتاج ما يسمى ب (الهندسة العكسية) لتجارب أخرى، مغمورة أو محدودة الانتشار بفعل انشغال المشهد بالضجيج واللامجدي.
وللأمانة انبرى عدد من الشعراء والكتاب الذين نعرف صلتهم بالمعرفة والمنظومة الثقافية الرديفة للادب المحض وهم اقلية، قياسا بحجم الوسط الأدبي وسعته بحسابات الارقام، حيث ادلوا بشهادات شكّلت علامة فارقة على شاشة المشهد الثقافي العراقي والعربي، كما انها ساعدت في فضح اوهام الثقافة العربية وواجهاتها الخادعة، ولعل سمة (المحو) بحسب توصيف الاستاذة سافرة جميل (ان ثقافة المحو راسخة في الفكر العربي) هي أبرز السمات وأكثرها خطورة على ثقافة باتت تأكل نفسها بنفسها، من حيث تدعي أنها حية وقادرة على انتاج بدائل في لحظة مأزومة كالتي نشهدها الان.
واضاف جمال: والاغرب من كل هذا ان المثقف (الملفق طبعا وليس الاصيل) صار يتعلم من السياسي الراديكالي كيف يمحو وجود مشروع راسخ، في جهة ليست بعيدة عنه، عبر مشهد تمثيلي (مهرجان سطحي) يدعو الى السخرية! مثل ما طرح في مهرجان (ثويزا) ٢٠٢٣، حيث لا شيء سوى تهويمات اعلامية واجترار مفاهيم لا قيمة لها، حيث تم طرح ما هو اعمق منها في بياننا التأسيسي المنشور في العدد الاول من مجلة (البديل الثقافي) الصادر في ايلول ٢٠٠٥، والمعاد نشره في جريدة (الزمان) في ٢٠٠٩/٣/٧ اذن ما تم طرحه في بياننا ليس سمة للسبق الزمني، بل عمق المفاهيم ومغايرتها للسائد، بما يجعلها مطالب حية نابضة تغري الآخر.
وعن ابرز مهمات البديل الثقافي اوضح أمين:
*فصل البديل الثقافي فصلا واضحا بين المعرفة والأيدولوجيا، وكشف طرق اشتباك السلطة بالثقافة، عبر تحويلها من فعل معرّفي الى انفعال اعلامي عابر، غالبا ما يتم ذلك التحويل من خلال افراغ الانشطة والفعاليات من بلاغة السؤال، الى الاكتفاء بالاحتفال الذي تنشطة مؤسساتنا الثقافية لصالح استبداد السلطات.
*إعادة توصيف المثقف والثقافة وتحويل الاهتمام من نقد المثقف بطريقة صحفية سهلة وعابرة، الى نقد الثقافة عمقيًا باعتبارها الحاضن الاساس لكل المخرجات بما فيها المثقف.
*فضح الكهنوت الثقافي العاطل عن الفاعلية والحاضر في طقوس المهرجانات والأنشطة المعزولة عن فعل التأثير العام للحياة والمجتمع، وهي بهذا تشبه (الكهانة) الطقسية والمنعزلة ايضا، صلاةً ميتة وحزمة تراتيل تشبه تمتمات الكهنة في الاديرة والتكايا.