اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 4-2- 2025
عن دار سطور للنشر والتوزيع- بغداد- شارع المتنبي بالتعاون مع دار سومر للطباعة والنشر صدرت الطبعة الاولى في العام 2025 رواية بعنوان ( أثر الدب) من تأليف هونر كريم، ([1]) الذي احتوى على عناوين لروايات عديدة منها رواية بعنوان ( الثلج) التي كانت بالشكل والوصف والسرد الآتي:
– ” ( الثلج): فرشت ردائي على جبل هلكورد، جعلت سفحه أبيض ناصعاً كثوب العروس التي يعبرون بها الجبال إلى عريسه. وبعد أن تنزع الثوب تهب الحياة، كالعروس الصامتة، كان الناس من بعيد ينظرون إلى هذا الجبل المكسو بالثلج، ولا يستطيعون تسلقه لبرودته، تهب عليه الرياح من كل الجوانب، فتزداد برودة الجو وتتجمد بلوراتي أكثر وتظل غطاء للسفح حين قدوم الربيع. كانت ارتفاع الثلج يصل إلى أكثر من مترين في بعض الأماكن، لم يسبق للجبل أن غطى وجهه بهذه الكمية الغزيرة من الثلج كما هو الآن. الشخص الوحيد الذي عاندني، ولم أفلح في إخافته هو ذلك الشاب النحيف الذي يحمل بندقية، يتدثر بغطاء سميك يحمي جسده الهزيل من البرد القارس، قدماه تنغرزان في ندف الثلج فيترك أثره على الطريق، وفي مقدور أي أحد أن يميز خطواته، ويعرف إلى أين رحل. كنت أراقبه بوجل فهو زائري الوحيد الذي يدوس على ثوبي الناصع، إلى أين يتوجه، وما هي قصته، لماذا يفضل هذا البياض الذي جمد أوصاله. عمّ يبحث؟ لم أره ينزل يوماً الى القرية التي تنام تحت أقدام الجبل حيث إلتزم الناس منازلهم وسُحب دخان المدافئ تنبعث من أكواخهم الغارقة في الثلج، فما قصة هذا الشاب المسكين الذي كان يجمع بين حين وآخر قطعاً من الأشجار اليابسة، ويضرمُ فيها النار لتمنحه بعض الدفء، ومن ثَم يترك المكان. كان يتطلع في الأرجاء البعيدة يبحث عن كائنٍ ما: عن فريسة أو أي أثر في الثلج لخطوات حيوان يبحث عنه، ففي هذه البياض تستطيع أن تميز وقع أقدام أي كائن. يوم وآخر كان يصعد إلى الجبل رجل يحمل المؤن ويقدمها إلى الشاب الذي كان يدعى هلمت ويقول وأسنانه تصطك من البرد:
– إنزل يا هلمت إن أهالي القرية كلهم قلقين عليك من البرد القارس. لن تتحمله. أختك خجاو لا تنام في الليل وهي تشعر بما تعيش فيه.
– أخبرها أن الصوف الذي أرسلته، يحميني من البرد ويغمرني بالدفء عندما ألتفع به.
– أختك لا تنفك ترسلني، وأنا تعبت من الصعود والتخبط في الثلج. إننا نخاف أن نجدك يوماً، وقد تجمدت أوصالك في هذا الثلج.
– لا تخف لدي ما يكفيني من الأغطية أحتمي بالكهف وأغطي نفسي جيداً، والنار تظل موقدة حتى الصباح.
– لن تجد الدب في هذا الثلج، وإن كان موجوداً، فهو محشور في كهف عميق لن تستطيع إيجاده.
– لن أنزل من الجبل، ما لم يخرج من وكره.
كل مرة يعود كاردو مخذولاً منكس الرأس، لا يقدر عـلى إقناع هلمت أن يترك مهمته هذه إلى أن يحين الربيع. كان هلمت يسأل كاردو عن حال امرأة تدعى نيركز تسكـن في الوادي وعن وضعها، فيخبره أنها تعيش في فزع من فكرة أن تجده متجمداً ذات يوم، فيخبره هلمت:
– أخبرها أني بمقدار الثلج الذي يغطي الجبل أحبها. وهي غايتي في هذه الحياة، ومن أجلها أحافظ على حياتي.
كانت المرأة التي يقع منزلها وسط القرية، يستعر قلبهـا بالحب وهي تدعو ليل نهار أن يعثر هلمت على ذلك الحيوان وينهي هذا النزاع الدائر. ضَعُفَ جسدها و وَهِنَت قواها، عيناها لا تبارحان النافذة، تحدقان في الجبل على أمل أن يمر ظل هلمت من أمام النافذة في أي لحظة. في الأعالي، عَلِمَ هلمت أن الوقت ملائم، فالدب الآن في سباته الشتوي محشور في وكرٍ ما، أو في كهف أو صدع مخفي تحت شجرة، فعليه أن يبحث عنه بتأنٍ ويخرجه من سباته. لم يتوانَ في بحثه من شجرة عملاقة إلى أخرى، يقتفي أثر اقدام حیوانات مختلفة مغروزة في الثلج عسى أن يجد بينها أثر لاقدام الدب، بحث في شقوق الصخور الكبيرة العميقة، فكان يحشر عوداً فيها، لعله يصطدم بالدب، حتى أنه توجه إلى قمة الجبل وبحث بين شقوقها عن مكان ضالته لربما يجده نائماً في أي صدعٍ أو كهف. وفي أحد الكهوف كان الظلام دامساً، شمّ رائحة غريبة لم يألفها من قبل، في البدء ظنّ أنها جيفة ملقاة هناك، إلا أنه ما إن توغل في داخله حتى شعر بشيء غريب غير مألوف، سمعَ صوتاً لم يسمعه من قبل، وشعر بحركة في الكهف، انتابه الوجل وتسارعت دقات قلبه لعله هو الدب ينام في هذا الكهف، وتلك الرائحة، رائحته النتنة؟ مهما يكن فإن في هذا الشق حيواناً بالتأكيد، خاف أن يكون حيواناً مفترساً كالنمر. عليه أن يأخذ حذره ويفكر ملياً كيف يقضي عليه إن كان هو الدب، إنها الغنيمة التي يبحث عنها. جال أمام الكهف يفكر في طريقة لإخراج الحيوان بدلاً من أن يتوغل هو إلى الداخل المظلم ويحشر نفسه هناك، فينقض عليه الحيوان في الظلمة، ولن يتمكن من رؤيته ومناورته. التفت فيما حوله فوجد بعض الأشجار الجافة البارزة في السفح، خطرت له فكرة. ذهب إلى تلك الاشجار وبدأ يقطع أغصانها اليابسة، كان البرد شديداً، دعا ربه أن يكون ذلك الحيوان النائم هو الدب الذي يبحث عنه، لينهي ترحاله الطويل ويستريح قلبه المهموم، وينتهي من وضعه البائس في هذه الأجواء القارسة، فيعود إلى القرية ويتزوج ثاني يوم من حبيبته نيركز التي تنتظره بفارغ الصبر. كان الثلج الناصع يكسو المكان بطبقات سميكة، فكان يسير عليه بصعوبة لكثافته، يسقط بين فينة وأخرى في الثلج، وينهض من جديد يشق طريقه ليلتقط أكبر كمية من الأغصان ويحشرها واحداً تلوى الآخر في أعماق الكهف حيث يرقد الحيوان الضاري. عاد إلى الأشجار وكدّس كومة أخرى من الحطب ونزل إلى الشق، وراح يكدسها على باب الكهف، ويحاول إدخالها إلى أعماقه، وبعد أن تأكد أن كل شيء بات جاهزاً ، أضرم النار في الأعواد، وتصاعدت ألسنة اللهب، ودخل دخان كثيف إلى الصدع. تراجع إلى الخلف وأخذ يترقب خروج طريدته من ذلك الكهف، أعد بندقيته ووجه فوهتها صوب المدخل ليغتنم الفرصة، وما إن يخرج الحيوان حتى يطلق النار عليه مرّت دقائق عدة قبل أن يشتد سعير النار أكثر، وفجأة خرج من بين اللهيب حيوان يغالب النار ويطلق أصواتاً رهيبة، برز أمامه دُبْ بُني يحاول الخلاص من جمرات النار المتقدة. لم يُصدِّق ما يراه، ازدادت دقات قلبه وعرف أن الوقت مناسب، وأن الغنيمة أمامه، انتهز الفرصة، وصوّب بندقيته إلى رأس الدب بدقة، من دون أن يضيع هدفه، وأطلق النار على الدب الهائج، كان صوت البندقية عالياً جداً، انتشر صداه في أرجاء الجبل الممتد والمكسو بالثلج. وازداد صداه في هذا الثلج الكثيف. أصابت أول طلقة رأس الدب. كان هلمت في أوج غضبه، بدأ يصرخ كالمجنون، لم يكتفِ بطلقة واحدة، بل أطلق عليه عدة رصاصات أخرى، كان صداها عالياً انتشر بشدة في أرجاء السفح، تلك الضجة كانت كافية لتجعل الثلج ينهار عن قمة الجبل ويتحرك رويداً رويداً، يتكتل ويندمج مع طبقة أخرى، ويتزحلق نحو الأسفل. وقع الدب وتدحرج إلى الأسفل والثلج يلتف حوله، كان ضخم الجثة، وكان الثلج يلتصق به ويلتف حوله في أثناء تدحرجه ممّا صَنَعَ مِنهُ كُرة هائلة تجرف في طريقها كل ما تصادفه نحو الأسفل. استطاع هلمت أن يحشر نفسه في شق صغير، وينقذ نفسه من الانهيار الثلجي. نظر إلى الأسفل بهلع، كان الثلج يتكدس فوق بعضه بعضاً من كل حدب ليكوّن كتلة ثلجية تجرف كل ما تصادفه إلى أسفل الجبل حيث ترقد القرية بهدوء. كانت كتلة الثلج تبدو كأنها جبل يتدحرج على سفح جبل، ويتوجـه نحــو الــوادي، مــا إن وصلت القرية بقوتها المهيبة حتى هدمت سقوف المنازل المصنوعة من الخشب والطين، حطمت الاكواخ المبنية واحداً تلو الآخر، دمرت المنازل وقتلت ساكنيها الذين كانوا نياما كلهم. كان هلمت في قمة الجبل يرنو من الشق إلى الكارثة الكبيرة التي سببها، وأبادت قريته كلها”.
[1] – ولد في بغداد عام 1983, اكمل دراسته الابتدائية والثانوية في محافظة كركوك الواقعة في شمال العراق,حصل على شهادة بكالوريوس في هندسة النفط من جامعة بغداد عام 2006.