محطات من الذاكرة خلف مايكروفون الاذاعة الكوردية.. في ذكراها الرابعة والثمانون

جمال برواري

في الخمسينيات وفي مرحلة الابتدائية كنت مستمعا واراسل الاذاعة الكوردية في بغداد، كان اهل قريتنا المتاخمة لكوردستان تركيا، وفي منطقة برواري بالا تلك القرية التي ولدت فيها وما زالت هناك محطات من الذاكرة لتلك القرية الوديعة في احضان الجبل.

كان اهل القرية يجتمعون حولي لاكتب لهم رسائل الى الاذاعة الكوردية، لطلبات المستمعين من الاغاني، ولم يخلد ببالي في يوم من الايام ان اجلس خلف المايكروفون في هذه الاذاعة ، ودارت الايام وانتقلنا من قريتي الحبيبة (ديرشكى- في برواري بالا) الى المدينة وبالتحديد في مدينة الموصل، ومن ثم الى بغداد، لاكمل دراستي المتوسطة والاعدادية والجامعية في هناك.

وفي المرحلة الثانية من كلية الاداب- القسم الكوردي، شاءت الصدف ان ادخل الاذاعة الكوردية واقدم فيها عددا من البرامج التي كانت لها الصدى الواسع لدى المستمعين.

فقد انطلق البث الكوردي ضمن بث اذاعة بغداد العربية ولمدة 15 دقيقة وكان بثا حيا وعلى الهواء مباشرة، فقرات البث كانت تتضمن وصلات غنائية منوعة، فضلا عن نشرات الاخبار وبعض البرامج الثقافية والمنوعة والاجتماعية القصيرة.

ثم تطور البث وزادت مساحته واصبح للاذاعة قسم خاص سمي بالقسم الكوردي ضمن الاذاعات الموجهة والمحلية.

وبعد بيان الحادي عشر من آذار تطورت الاذاعة واصبحت مديرية خاصة كباقي الاذاعات العربية اذ اصبحت للاذاعة الكوردية اقسامها الخاصة (قسم المذيعين، قسم التنسيق والمتابعة، قسم الموسيقى والغناء، القسم الثقافي، قسم الاطفال، قسم التنمية، القسم الريفي، قسم المكتبة، قسم الادارة.

ثم زادت ساعات ومساحة البث لتصل الى عشرين ساعة يوميا كانت الاذاعة الكوردية تبدأ بث برامجها الساعة السادسة صباحا بصوت القبج ثم تلاوة القرآن الكريم والبرامج الصباحية ومن ثم الاخبار والبرامج المنوعة وتستمر الى الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

كانت الاذاعة الكوردية مدرسة للثقافة والادب والفن الكوردي الاصيل، وقد شارك خيرة الادباء والمثقفين الكورد في اعداد وتقديم برامجها، حقا لقد كانت الاذاعة الكوردية مدرسة لأعداد الكوادر الأعلامية، والكثير منهم الان يتبوأون مناصب مرموقة في كوردستان وخارجها.

ساهم مايكرفون الاذاعة الكوردية في صنع كبار الفنانين الكورد،كما شارك الفنانون الكورد من رواد الحركة الفنية الكوردية في رفد الاذاعة الكوردية بالاغاني التراثية والفولكلورية وبكل ما هو جديد في عالم الاغنية والتراث الكوردي الاصيل امثال محمد عارف جزراوي وحسن جزراوي وعلي مردان وطاهر توفيق ورسول كوردي وشمال صائب وحسن زيرك وكاويس اغا وسعيد اغا ومحمد ماملي ودايكي جمال والماس خان وفوزية محمد وباكوري وعمر دزه ئي وعيسى برواري فضلا عن رواد الأغنية
الكوردية الحديثة تحسين طه واياز يوسف واردوان زاخوي وسمير زاخوي وكولبهار وحسن غريب وزاهير جلال و ته نيا عرب وفؤاد احمد وحسن كرمياني واسماعيل جمعة، واحمد زيباري وغيرهم من الفنانين الكورد.

رافقت الزملاء المذيعين القديرين، امثال محمود المفتي ومحمد صديق الامام ومحمد جهاد حسن والاذاعي القدير كمال رؤوف محمد وسكفان عبد الحكيم وهاشم علي مندي وخالد خوشناو وابراهيم سلمان والمرحومة سكينة منصور وكميلة علي ومولود حمد نبي واحمد محمد علي ومحمد سليم سواري ونهاية جلال ومختار فائق وخالدة خضر وعبد القادر بريفكاني واسماعيل ابراهيم .

كانت الاذاعة الكوردية تقدم برامج منوعة يومية مباشرة والتي استطاعت استقطاب اعداد كبيرة من المستمعين من خلال التواصل معهم عبر تلك البرامج وعبر الهواتف المفتوحة ولاول مرة وقبل اذاعة بغداد العربية ولاول مرة تقدم الاذاعة الكوردية برنامجا مباشرا والذي كان يعده ويقدمه كاتب هذه السطور وهو البرنامج الجماهيري (مع المستمعين).

كان هذا البرنامج حلقة وصل وتعارف للمستمعين والرسائل التي كانت تصل الى البرنامج تحمل في طياتها الكثير من المشاعر النضالية والوطنية الكوردية وكنت اعلم جيدا ان مرسلي هذه الرسائل هم من البيشمركه الابطال.

كانت الاذاعة الكوردية بحق مدرسة بل جامعة ادبية فنية نضالية وكان لها دور توعوي وطني و قومي، ويشهد على ذلك الكثير من الادباء والشخصيات الكوردية المعروفة.

في الختام سؤال يطرح نفسه وهو ياترى من يعيد الحياة الى الاذاعة الكوردية التي توقفت عن البث بعد سقوط النظام البعثي ليعيد لها الحياة بعد اعيدت الحياة والبث الى الاذاعة الام.. اذاعة بغداد العربية؟

قد يعجبك ايضا