أربيل – التآخي
مع تأخر صرف مستحقات الموظفين والمتقاعدين خلال كانون الأول / ديسمبر الماضي، تزايدت التساؤلات حول وجود أزمة سيولة مالية في العراق، ورغم محاولات التطمين التي قدمتها وزيرة المالية طيف سامي، إلا أن التحديات التي يواجهها العراق في عام 2025 تبدو مختلفة عما كانت عليه في الأعوام السابقة من حيث تدفقات الإيرادات النفطية.
وأكد مختصون في الشأن المالي أن الرواتب ليست في خطر مباشر بفضل استمرار تدفق عائدات النفط، مشيرين إلى أن التأثير الحقيقي سينعكس على النفقات الاستثمارية، مما قد يؤدي إلى توقف المشاريع وتراجع فرص العمل المتاحة.
ومع بداية الشهر الحالي، أعرب عدد من الموظفين والمتقاعدين عن استيائهم بسبب تأخر صرف مستحقاتهم المالية لشهر ديسمبر 2024، وبينما أرجع البعض هذا التأخير إلى أزمة في السيولة النقدية داخل المصارف العراقية، نفت الحكومة بشكل قاطع صحة هذه الادعاءات، مؤكدة أن الوضع المالي تحت السيطرة ولا يواجه أي عقبات تمويلية.
بدوره، رأى الباحث في الشأن الاقتصادي سرمد الشمري أن “الإيرادات الشهرية المتأتية من النفط تصل إلى نحو 7 مليارات دولار، أي ما يعادل قرابة 10.5 تريليونات دينار عراقي، وهي كافية لتغطية مستحقات الرواتب التي تبلغ حوالي 7.5 تريليونات دينار، مما يعني أن شح السيولة لا يمتد ليؤثر على صرف الرواتب”.
وأضاف الشمري لـ (باسنيوز)، أن “عام 2025، مهما بلغت فيه مستويات الشح المالي، لن يكون أقسى مما شهده العراق خلال عام 2020 أثناء جائحة كورونا، عندما توقفت حركة النفط عالمياً، واضطرت الحكومة إلى الاقتراض لتسيير الأمور”.
وأوضح أن “الحديث عن نقص السيولة غير منطقي، خاصة أن تصدير النفط مستمر، وأسعاره لم تنخفض إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل”.
البنك يلجأ إلى العقارات
وأعلن البنك المركزي العراقي عن توجيه جديد صادر عن دائرة الرقابة على المصارف يتضمن تقليص الحد الأعلى للمبالغ المسموح بها في عمليات بيع وشراء العقارات، بهدف تعزيز جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفق ما جاء في البيان الرسمي.
وفي خطوة سابقة، كان البنك المركزي قد أقر إجراء المعاملات العقارية التي تتجاوز قيمتها 500 مليون دينار عبر النظام المصرفي حصراً، بهدف فرض رقابة أكثر صرامة على حركة الأموال وضمان التزام الأطراف بالضوابط القانونية والمالية.
وبحسب التعميم الجديد الصادر عن البنك المركزي العراقي، تم تقليص الحد الأقصى لقيمة العملية الواحدة من 500 مليون دينار إلى 100 مليون دينار، وذلك لضمان تحقيق رقابة أشد على العمليات المالية وتعزيز الامتثال للمعايير المحلية والدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وسيتم تفعيل القرار اعتباراً من الأول من شباط 2025، حيث دعا البنك المركزي جميع المصارف والمؤسسات المالية المعنية إلى الالتزام التام بهذه التعليمات وتنفيذها بشكل دقيق وفق الضوابط المقررة.
ويأتي هذا القرار في ظل التحديات المالية التي تواجهها الدولة العراقية، حيث أشار نواب ومختصون إلى وجود ضعف في السيولة المالية، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على تأخير صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين خلال الشهر الماضي.
هل يرتبط ذلك بنقص السيولة؟
ورأى خبراء أن القرار الجديد للبنك المركزي سيترك آثاراً مباشرة على مستقبل القطاع العقاري، حيث قد يؤدي إلى انخفاض حجم العمليات العقارية الكبيرة وزيادة الطلب على العقارات ذات القيمة الأقل.
ويعاني العراق من أزمة سكنية خانقة، وهو ما يستدعي تسهيل الإجراءات المرتبطة بنقل الملكية وتقليل العقبات أمام الملاك والمشترين، وسط مخاوف متزايدة من تأثير القرارات الجديدة على مبيعات العقارات، مع احتمال ظهور عمليات فساد أو رشاوي نتيجة محاولات الالتفاف على التعليمات الجديدة.
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أن “القرار الجديد للبنك المركزي، الذي يلزم البائع والمشتري لأي عقار تزيد قيمته عن 100 مليون دينار بفتح حساب مصرفي والتحقق من مصادر الأموال، قد يؤدي إلى ركود في سوق العقارات بسبب انخفاض الطلب الناتج عن صعوبة توفير المشترين للمبالغ دفعة واحدة ووضعها في المصارف”.
وأضاف المرسومي في منشور عبر “فيس بوك” ، أن “هذا الإجراء سيزيد من تكلفة المعاملات العقارية ويؤخرها بسبب البيروقراطية المصرفية، مما يزيد الأعباء المالية على المتعاملين”.
ويُعتقد أن الإجراء الحكومي قد يكون مرتبطاً بنقص السيولة المالية التي تعاني منها البلاد، حيث تسعى الحكومة إلى تعزيز دور المصارف في جمع الأموال والسيطرة على حركة النقد، ما قد يسهم في زيادة حجم الودائع المصرفية واستخدامها لتغطية نقص السيولة.
ويؤكد مختصون أن القرار يهدف إلى تقليل التداول النقدي المباشر خارج النظام المصرفي، وهو ما يعتبر خطوة لتعزيز الشفافية وضبط العمليات المالية، ومع ذلك، فإن هذا التوجه قد ينعكس سلباً على القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على السيولة النقدية المباشرة، مثل القطاع العقاري.