خالد شاهين
كمْ أنتَ مُتُعَبٌ وهادئٌ وعصبيٌّ، وَأنَّ أَهْلكَ قدْ يُخْرِجوكَ منْ مَلابسكَ، وَأَنْتَ ما زِلْتَ تَضْحَك. فَوْضى تَعِجُّ في رَأْسِكَ مثلَ سِكّيرٍ يَتطَوَّحُ، نارٌ تَسْحبُ دُخانَها منْ صَدرِكَ وَالْأَحْلامَ لِأقْرَب حُفْرةٍ تَئِدُ فيها ذاكرَتكَ الْفَذَّة. كُنْتُ شاهِداً عَلى تَلعْثُمِ الأَفْواهَ في لَحْظةِ شَبَقٍ، حَتّى جاءَتِ الْحَربُ كَيْ تَقْسِمَ ظَهْرَ الْحُبِّ. في نَيْسان مِنْ كُلِّ سَنةٍ وَتَحْديداً يَوْمَ السَّبْتِ الْأَوَّل: احْتَفِلْ بِنِسْيانِها لِلْأَبدِ، وَابْحَثْ عنْ جِدارٍ تَتَّكِئَ عَليْهِ في أيِّ مَكانٍ منْ هذا الْعالَمِ، الْتَفِتْ لِأَفْكارِكَ وَتَصاحَبْ مَعَ غِلِّكَ. دَلِّلْ أَحْزانِكَ بِالشِّعْرِ الطّافِح مِنْكَ لَيْلَ نَهار. اللَّحْظةُ تَعْصرُ قَلْبَكَ يَدٌ يَتيمَةٌ، وَتَنْشرُ فَوْقَ الْحَبْلِ هُمومَكَ الْمُتَّسِخَةِ حتّى تَنْشفَ. كَلِماتُ الْغَزلِ تَتَحجَّرُ في أُنْبوبِ الْقَلمِ السّائِل، بَيْني وَبيْنَ الضَّجرِ عَلاقةٌ حَميمةٌ، وَبيْني وبَين اللهِ عَلاقةُ حُبٍّ، فَهلْ منْ إِشارةٍ أَعْرِفُ مِنها أَنَّكَ تُبادِلُني نَفْسَ الشُّعورِ؟ ” لا تَطْرِدَني عَنْ بابِكَ إنْ تَوسَّلْتَ وَأطَلْتَ الْوُقوف”. لا بَعدُكَ وَلا قَبلُكَ مَلْجأً مِن هذا الْقَصْفِ، وَمنْ جَحْدِ الأَولادِ الَّذينَ يَبْصِمونَ الْكَلامَ، وَمِنَ الْبارِعاتِ الْغَبِيّاتِ في تَرْويجِ النَّتانةِ. ” كُلُّهنَّ مَلْعونات ” قال أبي: في لَحْظةِ احْتِضارٍ. أَعْرِفُ منْ عَيْنيكَ مَغْزى الْكَلامِ، لمْ تَكُنْ تَقْصدَ التَّعْميمِ. إِذْ أَوْحَيْتَ لي مَرّةً قبْلَ مَوْتِكَ: بَعضُ النِّساءِ يَتَحوَّلْنَ لِشَياطينَ إذا اكْتمَلتْ دَوْرةُ الْقَمرِ في التَّسَكُّعِ بينَ الْمَجرّاتِ. وَاسْأَلِ الْغَيْبَ كمْ تبَقّى لِيَ منْ عُمُرٍ كَيْ أُنْجِزَ بَعْضَ الْمَهمّاتِ الْمُؤَجَّلَة..؟ كَأنْ أُكْملَ بعضَ النُّصوصِ الْحُرَّةِ وَفْقَ قَواعِدَ النَّثرِ وَأُصولهِ دونَ أَخْطاءٍ مُحْتَملةٍ. وَبِحضورٍ لافتٍ لِموسيقى الْجازِ. كَأنْ تَجْلسَ أمامَ الْبحرِ وَتُدخِّنَ سيجارةَ
” KENT ” قَصيرٍ عندَ غُروبِ الشَّمْس. وَفوْرَ انْتِهائِكَ من هذهِ الْمُغامَرةِ لا تَنْسى أَن تُعْطيَ باقي العُلْبةَ لِلصَّيادينَ. كَأنْ تُخَطِّطَ لِزيارَةِ الْجليلَ الْأَعْلى، وَتُسلِّمَ هُناكَ عَلى مَنْ تُحِبَّ. أَحْلامي بَسيطةٌ؛ لِدَرجَةِ أَنَّني قَدْ أَتَنازلُ عن قِطْعةِ كيكٍ في مَقْهى “مَزاج ” لِعابرَةِ سَريرٍ مُنْتَشيةٍ مِثل خَشبٍ مَبْلولٍ منْ مَطرِ لَيْلةٍ فائِتَة.
“جَسدٌ لا يَصْلحُ لِلْحُبِّ خاضَ مَعارِكَ “.
وَجْهُكَ في الظَّهيرةِ مُرْتَبِكٌ، أَرْضٌ تَنْشَأُ فَوْقَ عِظامِكَ الْمَيْتْة. عَلى ظَهْري حَرَثَ الْحَرّاثُ قُروناً ولَمْ يَزْرَعْ. مِنْ هذا الْقَصَب أكَلَ الغَنمُ، والْحاكِمُ شَيَّدَ قَصْراً، أَكُلَّما نَهَضتْ مَدينَةٌ جَديدةٌ احْتاجَ الْمَوتى لِقُبورٍ أَوْسعَ. لِلشُّعراءِ بُيوتٌ مِن نارٍ وحَطبٍ، وَأنا أَرى مِن زَوْرَقي الْمَكْسور حانةٍ عَلى الشّاطِئِ مَفْتوحَة. مَلائِكةٌ تَأُخُذ بِيَديَ نَحْو السَّماءِ. يُوْجِعُ هذا الطِّينُ الباحثَ عن قَطْرةِ ماءٍ، فَلْتَذهبَ بِأمانِ الرَّبِ أَيُّها النَّعاسُ. يَلْعَقُني حِصانٌ كُنْتُ آخِر شَيْءٍ رَأَيْتُه، وَأَبي يَطْوي الْمَدينةَ كَدَفْتَرِ أَحْياء، وَأَرى في زاوِيَةِ الْمَقْهى امْرَأةً تَطْلبُ مِني النّارَ فَأَشْتَعِلُ أَنا، وَتَصيرُ هِيَ الدُّخان.
اللَّحْظَةَ: أَقْفَلْتُ الْهاتِفَ مَعَ عُرْوَة
انتهى عصَر الصّعاليك.