التجاوز على رواتب المتقاعدين مخالف للدستور

زهير كاظم عبود

أغلب دول العالم تحرص على رعاية أصحاب الدخول المنخفضة بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة ٬ ولذلك تحرص الدولة على رعاية شريحة كبار السن وخصوص منهم المتقاعدين ٬ والمتقاعد خدم الدولة العراقية الخدمة المقررة قانونا باذلا من الجهد والتعب خلال سنوات عمره ٬ ليستحق بعد كل هذا عن تلك الخدمات راتبا تقاعديا أو مكافأة تقاعدية وفقا لما يقرره قانون التقاعد المدني أو العسكري حسب مقتضى الحال.
ويستلم المتقاعد من الدولة راتبا مقطوعا تحدد ادناه واعلاه مدة الخدمة التي يقضيها في الوظيفة ٬ وتقوم هيئة التقاعد بخدمة هذه الشريحة من المدنيين والعسكريين وقوى الامن وتسهيل عمليات استلامهم الرواتب ٬ وتسعى تلك الدائرة الى تطوير إمكانية معالجة الأحوال العامة للمتقاعدين ٬ وفي سبيل هذا الامر تسهل لهم عمليات استلام الرواتب من جهات متعددة ٬ وتزويدهم ببطاقات مصرفية تمكنهم من الاستلام من منافذ المصارف والبنوك ومكاتب الصرافة ٬ وتقوم عدد من الدول التي تهتم بالمتقاعد إيصال الراتب الى بيت المتقاعد أو تسليمه صك بهذا الخصوص ٬ وحماية المتقاعد والنظر له بعين الانصاف لا تأتي من خلال الاشتراكات والاستقطاعات التي تردها له بعد احالته على التقاعد ٬ انما تأتي من خلال مجانية الركوب في القطارات والحافلات ٬ والتميز الذي تمنحه لهم الخطوط الجوية والفنادق والمنتجعات ٬ وأيضا من خلال الرعاية الصحية ورعاية جمعيات المتقاعدين وتوفير السفرات السياحية ودخول النوادي الصحية والمسابح مجانا .
ولان من اهم مهمات الدولة ان تضمن الحياة الحرة والكريمة للمواطن ٬ وتقدم افضل تلك الضمانات للمتقاعد لتفكر بتعديل الرواتب التقاعدية بما يتناسب مع حالة السوق والغلاء الذي يطرأ على الواقع المعيشي لهذه الشريحة ٬ ولان النهوض بواقع المتقاعد يعني بالضرورة حرص الدولة علي النهوض بالمجتمع ٬ وتساهم في تطوير من يقدم خدمة لهذا المجتمع وفاءا لتلك الفترة التي قضاها في الخدمة ٬ ومع ان المتقاعد في بلادنا يتقاضى الرواتب والأجور التي لا تمكنه من ان تكون حياته كريمة وتليق به وبعائلته ٬ ولايمكن معها ان يعيل عائلته بهذا الراتب فيضطر الى الاستعانة بعمل لا يليق بشيخوخته ٬ ولايتناسب مع مؤهلاته سدا لحاجته واكمالا لسد حاجة عياله ٬ وهو أمر يبدو ان الحكومات المتعاقبة ولا اللجان القانونية في مجلس النواب التفتت اليه .
وبعد كل هذا يأتي قرار الحكومة بالتبرع بجزء من رواتب المتقاعدين الى جهات خارجية تحتاج للتبرعات ٬ الا أن هذا الجزء وان كان صغيرا الا أن له تأثير كبير على حياة المواطن المتقاعد ٬ وان بإمكان الدولة ان تتبرع من ميزانيتها المليارية من رواتب الدرجات الخاصة العليا ومن واردات النفط والكمارك لهذه الجهات ٬ ونجد أن مثل هذا القرا يمثل تجاوزا على الدستور ٬ اذ ان فرض الضرائب والرسوم لا يمكن جبايتها او فرضها او تعديلها الا بناء علي قانون ٬ والقانون كما نعرف يصدر من الهيئة التشريعية ٬ بالإضافة الى ان التبرع بمال الغير ووضعه في مواقف حرجة ولاتتناسب مع وضعه المادي والمعنوي يجعل الحكومة متعدية ومتجاوزة على حقوق الغير .
وحين تجد الحكومة انها لا تفكر بتحسين أوضاع المتقاعدين ولا النهوض بواقع المتقاعد الصحي والمعيشي ٬ وتفكر باختيار أضعف الشرائح الاجتماعية في العراق لتجعلهم في وضع لا يحسدون عليه من ناحية العوز المالي ٬ نجد ان هذا التجاوز لا يليق لا بالحكومة العراقية ولا يستحق العراقي المتقاعد مهما كانت الأسباب ٬ فالتبرع بمال الغير لا يضفي صفة الكرم والشهامة.
صدور قرار من مجلس الوزراء بخصم ١٪ من راتب المتقاعد والموظف ليس له صفة قانونية ٬ ويشكل الزاما لا محل له من الدستور ٬ وإزاء تلك المخالفات الدستورية والقانونية على الحكومة ان تتدارك الامر وتعالج الموقف وفقا لما تمليه المصلحة العامة واطار القوانين .

قد يعجبك ايضا