ماذا تريد بغداد من أربيل

سردار علي سنجاري

بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العشرينات من القرن الماضي كانت العلاقة بين الحكومة المركزية العراقية في بغداد والشعب الكوردي غير مستقرة لأسباب عديدة منها عدم ادراك المجتمع العربي في العراق مفهوم المواطنة وبالأخص فيما يتعلق بحقوق الأقليات . وقد شهدت تلك الفترة انتفاضات كوردية ضد الحكومات العراقية بسبب التهميش السياسي والتمييز الثقافي مما أدى إلى توترات مستمرة . ورغم المحاولات العديدة لتسوية العلاقة ولكنها كانت دائما تنتهي اما بالعنف الممنهج من قبل الحكومات المتعاقبة او بالحلول التي لا تصبوا الى طموح الشعب الكوردي .

مع سقوط نظام صدام حسين تم كتابة دستور جديد للعراق في عام 2005 والذي اعترف بحقوق الكورد في إقليم كردستان وجعلهم جزءًا من العراق الفيدرالي . وبالطبع لم تأتي تلك الخطوة كمنحة من الحكومة العراقية او الاحزاب العراقية بل كانت استحقاقات قدم من اجلها الشعب الكوردي بحورا من الدماء الطاهرة . كان هذا الدستور خطوة مهمة نحو الاعتراف بالحقوق الكوردية بما في ذلك اللغة الكوردية و السلطة المحلية ومع ذلك كانت هناك تحديات كبيرة في تنفيذ هذه الحقوق على الأرض خاصة فيما يتعلق بتوزيع النفط والموازنة .

أحد أبرز المواضيع التي تسببت في توتر العلاقة بين أربيل وبغداد كان النفط فقد بدأ إقليم كوردستان بتوقيع عقود مع شركات النفط الأجنبية لتطوير حقول النفط في الإقليم بعيدًا عن موافقة الحكومة المركزية في بغداد بحيث اعتبرت بغداد هذه العقود غير قانونية، وطالبت بوقف تصدير النفط من قبل الإقليم. في المقابل كانت أربيل ترى أن لها الحق في السيطرة على مواردها الطبيعية خاصة أن الدستور العراقي ينص على أن النفط ملك لجميع العراقيين وان من حق الكورد دستوريا إدارة ثرواتهم النفطية ضمن إطار الفيدرالية . وبالرغم من ان حكومة اقليم كوردستان سعت جاهدة إلى التوصل لاتفاق مع الحكومة العراقية الاتحادية بخصوص ملف النفط ونفذت كافة الشروط التي حددتها الحكومة الاتحادية في هذا المجال إلا ان بغداد ماتزال تضع العراقيل أمام أربيل مستغلة موضوع الموازنة ورواتب موظفي الاقليم مما زاد حدة التوتر بين الجانبين .

ومنذ عام 2005 كان هناك نزاع مستمر بين بغداد وأربيل حول حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة للعراق. كانت بغداد تتهم الإقليم بعدم تسليم حصة النفط المقررة في الدستور بينما كان الكورد يشتكون من عدم تلقيهم المبالغ المالية اللازمة لتنفيذ مشاريعهم التنموية. هذه القضية أصبحت واحدة من النقاط الخلافية الرئيسية بين الطرفين. ويبدو ان الأزمة لا دخل فيها في الخلافات السياسية بين الجانبين فالعلاقة السياسية مع الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان بالرغم مع بعض التوترات إلا انها تعتبر مقبولة مقارنة بالحكومات السابقة ولكن يبدو ان ثقافة عدم الاعتراف وقبول بالآخر هي العائق الأساسي في هذه الأزمة. وهذا يعني أننا سنواجه العديد من الأزمات المستقبلية مع الطرف الآخر لان ليس من السهولة أن يتم التوصل إلى تسوية في ظل وجود ثقافة تقصي الشريك وتفرض سياسة لي الأذرع.

في 2017 أدى الاستفتاء إلى تفجير الأزمة بين أربيل وبغداد بشكل كامل حيث تدهورت العلاقات بين الطرفين إلى حد كبير. على الرغم من أن القيادة الكوردية أعربت عن رغبتها في العودة إلى المفاوضات مع بغداد إلا أن الحكومة العراقية كانت ترى أن الاستفتاء يمثل تهديدًا لوحدة العراق وكانت هذه الأزمة قد أسهمت في تعميق الشرخ السياسي بين الطرفين . وبعد الاستفتاء حاولت بغداد استخدام القوة لاستعادة بعض المناطق الكوردية وكانت استعادة مدينة كركوك بمثابة الخنجر في خاصرة الشعب الكوردي الذي لولا تعاون بعض الجهات الكوردية ما كانت لتسقط .

بعد الأزمة التي نشأت عقب الاستفتاء بدأت جهود المفاوضات بين بغداد وأربيل لإيجاد حل للأزمة. في عام 2018 شهدت العلاقة بين الطرفين بعض التحسن بعد انتخابات العراق حيث تم تشكيل حكومة جديدة في بغداد وكان هناك توجه نحو التفاوض بشأن القضايا العالقة. كما قامت الحكومة العراقية برفع الحظر عن المطارات الكوردية التي كانت قد فرضت عليهم الحظر كما فرضت حظرا اقتصاديا على أربيل وبدأت محادثات بشأن تقاسم الإيرادات من النفط .
لقد حاول الكورد عبر السنوات الماضية إثبات حسن النية لبغداد وتعاملت مع الملفات الوطنية بمسؤولية تجنبا لاي صراع بين الطرفين. ولكن في المقابل فإن بغداد لم تبادر بالمثل حتى في التعامل مع الملف الإنساني مثل رواتب الموظفين الذي في الحقيقة كان يجب أن لا يدخل في مجال الصراع السياسي بين الطرفين. ولكن يبدو ان الأزمة ليست سياسية انما هي ثقافة شوفينية تمارسها بغداد بحق الكورد قدر المستطاع .

أزمة العلاقة بين أربيل وبغداد هي قضية معقدة تعكس التحديات التي تواجه الدولة العراقية منذ تأسيسها. على الرغم من أن الدستور العراقي يعترف بوجود إقليم كردستان كجزء من العراق الفيدرالي فإن القضايا المتعلقة بالموارد الطبيعية النفط و الاستقلال كانت وما تزال تثير توترات كبيرة بين الطرفين. ورغم جهود التفاوض من قبل القيادة الكوردية فإن الأوضاع السياسية والاقتصادية لا تزال تمثل تحديات كبيرة لعلاقات أربيل وبغداد في المستقبل. واذا لم تغير بغداد تفكيرها المحدود في اتجاه الكورد وتتعامل معهم على اساس المواطنة فان الأزمات سوف تستمر مما يضر مستقبل الدولة العراقية برمتها .

قد يعجبك ايضا