رباب طلال
لا أعلم قائل هذه العبارة، لكنها تلامسني بعمق وكأنها وُجدت لتعبر عني. فالخيال كان ملاذي الوحيد بعد كل الخيبات والخذلان من واقع لم أستطع مجاراته،كنت أهرب إلى عالم واسع من الأفكار الغريبة والأحلام التي لم تتحقق ولن تتحقق، أكرر في خيالي مواقف حدثت وأعيد صياغتها من جديد، كما لو أنني أستخدم فرشاة فان جوخ لإعيد بهجة الأشياء، لكن بدلًا من الألوان، كنت أعيد رسم الواقع بخيالي، أحاول أن أجد فيه جمالًا ما،لكن هذا الخيال، الذي كان مهربي الوحيد، تحول إلى مصدر لشقائي،كنت أبحر فيه بمركب صغير بعيدًا عن شواطئ الواقع المظلمة، إلى أن غرقت في دوامات الوحدة، أصبحت منعزلة، وفقدت القدرة على التفاعل مع الواقع، مما أدى إلى اكتئاب حاد وانفصال عميق عن الواقع من حولي، لم يتبق لي سوى الكتابة كوسيلة للعودة، كجسر يعيدني إلى الأرض التي تهت عنها،
الكتابة أصبحت علاجي الأخير، أملي الوحيد للتعامل مع واقع قد يبدو أقل قسوة من واقع الآخرين، ولكنني كنت دائمًا أُتهم بالمبالغة، لطالما بالغت في تقدير آلامي، وفي رؤيتي للأشياء والأشخاص، حتى بات من الصعب علي أن أرى الأمور على حقيقتها.
رغم ذلك، كنت مصممة على أن أجد نفسي في الكتابة، حتى لو لم أكن قادرة على كتابة نصوص مميزة. كنت أعدّل وأعيد صياغة نصوص قرأتها سابقًا، وأضيف عليها لمسة بسيطة بطريقتي، لم يكن ذلك كافيًا لأعتبر نفسي “كاتبة”، ولكنه كان كافيًا لأمنح نفسي شعورًا بأنني شيء يُذكر، بأنني أملك هوية أستطيع الاختباء خلفها،لطالما كنت أرغب بأن أكون شيئًا عظيمًا، شيئًا يُذكر بفخر، شيئًا يلهم الآخرين. لم أحب اسمي عاريًا؛ كنت أحتاج إلى صفة تُرافقه، تمنحه هيبة ومعنى، كنت أحلم بأن أصير كاتبة تُدهش الآخرين بكلماتها، تُحيي فيهم مشاعر دفينة، وتوقظ “الأنا” الغافلة داخلهم، كما فعلت بي كلمات دوستويفسكي وموراكامي ونيتشه ومصطفى محمود،
رغم كل شيء، أواسي نفسي بأنني ما زلت في العشرين من عمري، وأن أعظم الكُتّاب لم يكتبوا أعظم أعمالهم إلا بعد أن تجاوزوا الأربعين. لكن الخوف لا يفارقني؛ أخاف أن أفشل في أن أكتب شيئًا يُغير العالم، أن أكون مجرد اسم يُنسى في طيات التاريخ.
ومع ذلك، أؤمن أن الكتابة هي بوصلتي، وأنني سأظل أكتب حتى أجد صوتي الحقيقي،قد لا أكون قد كتبت شيئًا يُذكر حتى الآن، لكنني أعد نفسي بأنني سأكتب يومًا ما كلمات تُدهش العالم، وسأضع اسمي بجانب أعظم الكُتّاب بكل فخر.