” أحلام حيارى” و ” ذاك الجدار”

 

 

اعداد: عدنان رحمن

اصدار: 19- 11- 2024

 

‌( أحلام حيارى) هو عنوان ديوان الشاعر عصمت شاهين الدوسكي، الذي كتب عنه الاستاذ أنيس ميرو، والذي صدر عن مكتبة كازى بوك بالحجم المتوسط وعدد صفحاته ( 226) ويضم ” 62 ” قصيدة وتصميم الغلاف من قبل الفنان نزار البزاز.

– ” الديوان هو مجموعة من التصورات والانفعالات والأحساسيس الحقيقية المؤثرة في عالم الإنسانية الشاملة في مضامين من ضيق الحال والبؤس والشقاء والحرمان الكبير. وهو ديوان من الأحلام المؤثرة في وسط الحرب والحب والتأمل والخيال الخلاق منبعثة من ثقافة واسعة عميقة متقدة بالتميز والإبداع ،فالأحلام جزء من تكوين الإنسان بل تكون بلسما في الحياة. فقصائده ليست لها حدود معينة فهي في فضاء واسع تسافر كحمام السلام ،أفكار ديوان أحلام حيارى إنسانية مؤثرة واقعية منطقية ومقنعة للقارئ  ويحس القارئ إنه جزء من هذه الأحلام يتسلل إليها دون تعقيد. لقد  أعجبني الكتاب بمواضيعه الشاملة التي تطرح المشكلة للآخر بصورة شعرية واضحة سلسة والقارئ العصري محتاج لها، جدير ذكره ان الأديب الشاعر عصمت شاهين الدوسكي من الأدباء المبدعين والمميزين في اختيار الفكرة والمضمون شارك في مهرجانات عديدة في العراق والقى محاضرات أدبية في الموصل ودهوك وزاخو وشارك في عدة حوارات ثقافية في إذاعة وار الفضائية. الاستاذ عصمت حصل على عدة شهادات تقديرية للتميز والإبداع، حيث اختير ضمن موسوعة شعراء الفصحى من قبل مجلة مبدعو مصر 2017، وقد صدر للشاعر تسعة مجاميع شعرية وأدبية، منها ما صدر في أمريكا ككتاب الرؤيا الإبراهيمية بين الموت الميلاد عام 2018. وفي المغرب ديوان بحر الغربة  عام 1999. وفي سورية كتاب سندباد القصيدة الكوردية عام 2018. وفي بغداد ديوان شعر حياة في عيون مغتربة عام 2017. وفي دهوك كتاب قهوة على نار ساخنة عام 2023. وقد كتب مجاميع شعرية أخرى: ( وستبقى العيون تسافر، نوارس الوفاء، عيون من الأدب الكوردي المعاصر، وإيقاعات وألوان). وقد كتب الكثير من الأدباء والمختصين دراسات عن أشعاره، وأصدرت في كتب، منهم الأديب أحمد لفتة علي في كتابه القلم وبناء فكر الإنسان، وهو رؤية أدبية عن الشاعر عصمت الدوسكي صدر عام 2019. وكتاب القلم العاشق في الزمن المحترق، الذي هو دراسة عن شعر الشاعر عصمت شاهين الدوسكي للأكاديمية السورية من قبل كلستان المرعي صدر عام 2021. وكتاب التأرجح الشاهيني بين التقصي والتشخيص عن أدب عصمت الدوسكي  للأديبة التونسية هنده العكرمي، الذي صدر عام 2022. وكتاب خطاب الإنسانية رؤية أدبية عن الشاعر عصمت شاهين الدوسكي للأديب أنيس ميرو عام 2023″.

                 عن دار السلام ببيروت- لبنان صدرت رواية بعنوان ( ذاك الجدار) للروائية مي الحسني وفيه عدّة قصص منها القصة التي تحمل عنوان الكتاب نفسه وهو ( ذاك الجدار)، التي ورد في جزء منها:

– ” هو ذاك الجدار… كلما ازداد آرتفاعاً إزدادت أسىً.. وكلما ازداد صلابةً ازدادت غربة.. كأن الذي يقهرها سد يأجوج ومأجوج.. لا تدري متى بدأ يرتفع ويرتفع.. وحدها التساؤلات تزيدها حيرةً ولوعةً وحزنا.. ترفع طرفاً ساهماً نحو السماء.. تهيم في عالم الملكوت.. ترحل بعيداً. يفتر ثغرها عن ابتسامةٍ باهتة. تحدّت دموعاً تحجرت في المآقي. ما المسافة بين العبرة والبسمة؟. ما منبع كل منهما؟. وأيهما أشد وجعاً؟!. ما الفاصل بين السعادة والشقاء؟. ما سرّ كل منهما؟.. وأيهما أشد قسوة؟!. تتيه في لجّة الأحزان. تأخذها دوامة قاسية. تحتويها رمال متحركة تبتلعُ صخب الصمت. لا تدري متى وُضعت أول لُبنةٍ في ذاك الجدار، وكيف بدأ يتحداها بعلوه وارتفاعه وصلابته و عناده؟!. طالما مدّت يدها مُسالمةً فعانقها الخواء وتطلعت برجاء فارتّد طرفها حسيراً. هي تتطلع إلى فضاء أرحب وأُفق أوسع.. تتوق إلى الإنعتاق من كل قيد إلى الرحيل إلى مدارات أبعد.. أبعد. تقف عند نافذة القمر حائرةً والهةً ملتاعة.. تتلمس موضع الجرح.. تحاول أن تنأى عن كل التفاصيل.. عن سؤال لماذا؟ وألامَ؟.. يكفي أن ترى الجدار ماثلاً أمامها بكل قسوته وجبروته وتحديهِ. تأخذها عذابات القلب بعيداً في متاهات الحزن ومجاهل اللوعة.. تفترس مساحات العُمر بألوانها الباهتة وملامحها الشاحبة وحروفها المبعثرة.. تتعثر الخطى.. تضطرب الرؤى تتكسر كل الأشياء الجميلة.. تتناثر بين ثنايا القلب وحنايا الضلوع صرخةٌ مُوجعةٌ مكتومة وآهةٌ آليمةٌ مختنقة تفتقد اللحظات الحميمة والحكايات الوادعة والأمنيات الجميلة. تتمنى لحظة فرح مسروقةً من سنين العُمر. مخبوءةٌ بين صفحاتِ النسيان تبذل بسخاء وبلا حدود ذوب القلب وعصارة الروح.. ولكن!.. لن تقف على أطلال آمالها وأحلامها وتنعى.. ولن تعلن الإستسلام أتراها تقوى.. أتُترك وشأنها؟!. تنصت بشجى ووداعة لنداء يهتف بها: أطلقي لدمعك العنان.. لا تحبسيه.. فالبكاء ليس ضعفاً، والبكاء ليس جُبناً.. البكاء لحظة تواصل مع القلب مع الروح مع الوجدان.. لحظة ذوبان في طهر الألم وومضات بوح في عتمة الحزن. الدمع غيث الرحمة في زمن الجفاف.. كل الجفاف. الدمع رُسل الوفاء في زمن الجحود.. كل الجحود، الدمع براءة الطفولة في زمن الوحوش كل الوحوش. تأبى الطفلة في داخلها أن تكبر.. تتحدى السنين. تعاند الأيام.. تتطلع إلى المجهول بابتسامتها الحالمة وضحكتها العفوية رغم قلبها المترع بالحزن المثقل بالوجع الطافح بالأسى!. في داخلها تختزن كل عذابات الدنيا وآلامها.. وكل الحنين.. تنسكب آهاتها وتراً ممزقاً حزين النغمات، شجي الإيقاعات، يتردد صداه في الأودية السحيقة ويعود حطاما!. تتوهج مشاعرها شلالات من الضياء تتكسر عندها أشعة الحلم ألواناً شتى، تتخلل متاهات الصمت وتعود هباء!. تكتب على رمال الشاطئ كلمات الحب والجوى، والوجد وآلنوى وعبارات ليس لها منتهى.. يأخذها الموج بعيداً بعيداً.. تغتسل بأشعة القمر وترحل إلى مجرات المجهول والسنين الضوئية البعيدة والأكوان اللامتناهية.

 

 

يهمس إليها صوت حنون كحنو أم.. وديع كوداعة طفل: لست وحدك من يعاني فلِمَ الحزن؟!. لست وحدك من يتوجع فلِمَ الأسى؟.. لست وحدك مَن يئن فلِمَ الشكوى؟!. أيمكن أن تتداعى قناعات ترسخت في الذات كما تتشبث جذور شجرة عملاقة برحم الأرض. أيمكن أن تتساقط أبجديات حُفرت على شغاف القلب نُدوباً لا تُمحى؟.. أيمكن أن تجف غُدران الدمع وينابيع العبرات فتفسح في النفس لمساحات ربيعية مورقة؟.. ربما..!.. يستعطفها القلم ترنو إليها الأوراق.. تستحثها المعاني.. يستفزها الوجع. تستسلم لإغراءات الحروف فتستجيب ليراعها. من بين خلايا الغيوم المتناثرة في أديم السماء، تطل الشمس على استحياء هنيئة ثم تحجبها قطع السحاب المتسارعة، ما تلبث أن تستجمع أشعتها من جديد لتهب من في الأرض الدفء والضياء.. هي الأمل لمن يعيش الأمل منهاجاً وسلوكا وبذلاً وعطاء.. وهي نَصَبٌ لِمَن ألِفَ الظلام واختار الخنوع وتحجرت طموحاته، وسكنه القنوط واستباحه اليأس. إكتمل عقد العائلة حول مائدة الفطور عند الصباح الباكر. ملأت سجى أكواب الشاي ووضعتها أمام الجالسين التفتت نحو أخيها قائلة:

– أحمد، أرجو أن يسعني وقتك اليوم، فلدي محاضرة مهمة وأرغب في أن توصلني إلى الجامعة خشية أن يعيقني التأخير عن حضورها مع صعوبة المواصلات والزحام الشديد.

– معذرة لا وقت لدّي وأنا على عجلة من أمري. يجيبها أحمد.

– هكذا أنت دائماً على عجلة من أمرك ووقتك لا يتسع للآخرين! وبالأخص لي أنا.

– إنها المسؤولية، ولها الصدارة في حياتي يا عزيزتي.

– أوَلسنا جزءً من هذه المسؤولية الكبيرة يا ترى؟.

– ربما، ولكن ليس اليوم على الأقل.

– لكنها ليست المرة الأولى.

– ولعلها لن تكون الأخيرة.

– وعلينا أن ننتظر ونستجدي رأفتك ونستمطر رضاك.

قطعت السيدة سعاد الحوار الساخن متسائلة: أما تجيدان لغة الحوار الهادئ بدل الجدل العقيم؟ ينبغي أن يكون حديثك أكثر هدوء ورقة يا ابنتي.

– لماذا أنا وحسب؟!… ألأنه الرجل وأنا المرأة ويحق له ما لا يحق لي؟. بهدوء أجابتها والدتها: لا ياعزيزتي وإنما جُبلت المرأة على الرقة والنعومة، وهذا ما ميزها عن الرجل وأكسبها صفات لا نجدها في جنس الرجال.. وما هذا بضعف في شخصيتها، بل القوة والعنفوان والصبر.

– أراكِ يا أمي تسوّقين المبررات والحجج، وتجدين لكل سؤال جواباً شافياً يقنعك أنت، ولعله لا يقنع الآخرين؟.

– أوَليس هذا عين الحكمة يا ابنتي؟ أنت محط أملي والحلم الذي أنتظر تحقيقه وجني ثماره المباركة.. أرجو أن تكوني كما يريدك الله عز وجل ثم كما أرغب أريدك مثالاً للحكمة وحسن التصرف وسعة الصدر والتواضع.. ومتى عاش الإنسان هذه المفاهيم في بيته ومع أسرته استطاع أن يجسدها في المجتمع سلوكاً حضارياً راقياً.. حسن الخلق يا ابنتي وسعة الصدر يكسب الإنسان احتراماً وتقديراً ويمنحه ثقة الآخرين.. أما تَرَين أنه يعادل في الميزان الصلاة والصيام كما جاء في الحديث النبوي الشريف.

– وهل ينبغي أن يكون حسن الخلق من طرف واحد؟.. أعني أن أتحلى أنا بهذا ولا أجد من يبادلني إياه؟.. أوَليس في هذا إجحاف بميزان العدالة يا أماه؟. إبتسمت السيدة سعاد وربتت على كتف ابنتها، ثم أردفت: لسنا من يضع الموازين يا سجى.. وميزان العدالة يتحقق حين يدرك كل إنسان مسؤوليته تجاه الخالق تبارك وتعالى ثم تجاه الآخرين.. الكلمة الطيبة والأسلوب الهادئ الطريق الأمثل لنيل ما نريده من الطرف الآخر.. إبتسامة لطيفة، كلمة حلوة، نظرة وديعة جواز مرور إلى قلوب الآخرين وبلا عناء”.

قد يعجبك ايضا