بين الحب والخذلان

رباب طلال

يُقال إن القلوب شواهد، لكن هل شهد قلبٌ يومًا على شبيهه؟ هل وجدتم قلبًا يشبهكم حقًا؟ أنا لم أجد، بل وجدت قلبي وحيدًا وسط بحرٍ من الجراح، مُرهقًا مما تحمّل، مُثقلاً بما أغضى عنه، ولم يعد لديه ما يقدّمه. أحببت من لم يرفق بي، سامحت من لا يستحق، غضضت الطرف عن الأخطاء، وابتلعت الخذلان مرة تلو أخرى، حتى شعرت أنني لم أعد أنا.

كان الحب بالنسبة لي أملًا، طاقة تُشعل الروح وتُضيء الطريق، لكن مع الوقت، أصبح الحب شيئًا مُرهقًا، معركة خاسرة مع نفسي قبل أن تكون مع الآخرين. كم مرة بحثت عن الأمان، ولم أجد سوى ألم أكبر؟
الآن، وأنا في العشرينات، أجد نفسي أُفكر في الحب وكأنه سراب، فكرة جميلة لكنها غير واقعية. روحي أصبحت متعبة، مُلطخة بلقاءات وأحاديث مع الأشخاص الخطأ، وماذا بقي؟ بقي قلبٌ مُثقل، وروحٌ تتوق إلى النقاء الذي فقدته، تتوق إلى السلام بعيدًا عن البشر،لا أستطيع أن أنكر أن فكرة العزلة تبدو مغرية، الابتعاد عن الجميع، التوقف عن الركض وراء العلاقات، وراء الحُب الذي يُخيبنا كل مرة. أريد فقط أن أختفي، بلا حب، بلا شوق، بلا ألم. أريد حياةً بلا خذلان، بلا خيبة، بلا توقعات،ولكن، هل العزلة هي الحل؟ أم أنها مجرد هروب من مواجهة النفس؟ قد يمنحنا الابتعاد سلامًا مؤقتًا، لكنه لا يعالج الجراح. في النهاية، سنحتاج أن نواجه ما بداخلنا، أن نفهم سبب هذا الألم، ونعيد بناء أرواحنا من جديد، قطعةً قطعة،أحيانًا أفكر أن المشكلة ليست في الآخرين، بل فينا نحن. نحن من نُحب باندفاع، نحن من نُعلّق قلوبنا بمن لا يليق بها، نحن من نُغالي في توقعاتنا ثم نتحطم عندما لا تتحقق. ربما الحل هو أن نُعيد النظر في أنفسنا، أن نتعلم كيف نُحب دون أن نُفقد أرواحنا،الشفاء رحلة طويلة، لكنه ليس مستحيلًا. يمكننا أن نجد السعادة في التفاصيل الصغيرة، أن نعيد اكتشاف قلوبنا، أن نتعلم كيف نُعيد لها النقاء الذي فقدته. ليس المطلوب أن ننسى الألم، بل أن نتعلم منه، أن نحوله إلى درس نحتفظ به لنحمي أنفسنا في المستقبل، أحيانًا أفكر: هل سأجد يومًا القلب الذي يشبهني؟ القلب الذي يفهمني، الذي يقدرني، الذي يمنحني الأمان؟ لا أعرف الإجابة، وربما لن أعرفها أبدًا. لكنني أعلم أنني سأحاول أن أُعيد بناء قلبي، أن أسمح له بأن يشفى، أن أعطيه فرصة جديدة ليُحب دون أن يخاف،الحياة ليست دائمًا كما نريدها، لكنها تستمر، بكل تجاربها ومفارقاتها. الخذلان جزء منها، لكنه ليس النهاية. ربما في يومٍ ما، سنجد السلام الذي نبحث عنه، ليس في الآخرين، بل داخل أنفسنا.

قد يعجبك ايضا