إقليم كوردستان والصراع الإقليمي.. توازن حكيم في منطقة متوترة

 

جليل إبراهيم المندلاوي

في ظل الصراع الدائر في الشرق الأوسط بين المحور الأمريكي-الإسرائيلي وحلفائهم من جهة، والمحور الإيراني وحلفائهم من جهة أخرى، يجد إقليم كوردستان نفسه أمام تحديات دقيقة تتعلق بموقفه من هذا الصراع الذي يحمل مخاطر جسيمة لكل من ينخرط فيه، فبينما تسعى قوى إقليمية ودولية للسيطرة على المشهد السياسي، يأتي دور الرئيس مسعود بارزاني كعامل استقرار أساسي في ضمان الحفاظ على موقف محايد ومتوازن، يحمي الإقليم ويعزز مكتسباته بعيداً عن دهاليز الصراع التي قد تهدد استقراره.

 

فيما يتميز الموقف العراقي الرسمي بمحاولة تحقيق توازن بين القوى المتصارعة عبر اتباع سياسة “إمساك العصا من المنتصف”، حيث يسعى لإرضاء من يمكنه إرضاؤه من الأطراف الإقليمية والدولية، وذلك لضمان مصالحه وتجنب الدخول في سياسات المحاور التي قد تُجَر البلاد إلى نزاعات أكبر، ومع ذلك، تتسم بعض الأطراف العراقية غير الرسمية بالانحياز لأحد المعسكرين المتناحرين، مما يعقّد المشهد السياسي في العراق ويزيد من توتر علاقاته الإقليمية.

 

في هذا السياق، بدوره اتخذ إقليم كوردستان، بتوجيه من الرئيس بارزاني، سياسة خاصة ترتكز على الحفاظ على توازن في علاقاته، واختار نهجاً خاصاً يتمثل بتحقيق توازن مع الموقف الرسمي العراقي، دون أن يضطر إلى الانحياز لأي طرف إقليمي ودون الانجرار إلى الانحياز لأي معسكر، هذا النهج أتاح للإقليم البقاء خارج دائرة الصراعات الإقليمية الحادة، ما ساهم في حماية استقراره الداخلي، كما حافظ على مكتسباته السياسية والاقتصادية التي حققها عبر سنوات من النضال والمثابرة.

 

ما يميز النهج الذي تبنته القيادة الكوردستانية هو التركيز على الاستقلالية والحياد، لتتميز السياسة الكوردستانية بالسعي نحو الاستقرار بعيداً عن الدخول في سياسة التبعية التي يمكن أن تجر الإقليم إلى أزمات أو تصعيدات خارجية، فكانت هذه السياسة بمثابة درع حماية للإقليم، وهو ما دفع برئاسة الإقليم وحكومته إلى اتخاذ خطوات ملموسة لضمان حيادية علاقاتها الإقليمية والدولية، مع التركيز على خدمة شعب كوردستان والحفاظ على مكتسباته بعيداً عن تأثيرات التجاذبات الخارجية.

 

لقد أرسى الرئيس بارزاني بحكمته السياسية مساراً مستقلاً يتيح للإقليم أن يوازن موقفه مع الموقف الرسمي للعراق، ويحافظ في الوقت ذاته على مكانته الخاصة، كما أسس قاعدة للتوازن بين القوى المتنازعة في الشرق الأوسط، ما ضمن بقاء الإقليم خارج دائرة الاستقطاب الحادة التي يشهدها العراق، وحافظ على موقفه الثابت في تبني سياسات مستقلة تحفظ مصالحه دون ميلٍ نحو محورٍ على حساب الآخر.

 

إن إقليم كوردستان بقيادته الحكيمة، يقدم نموذجاً يحتذى به في الحفاظ على المصالح الوطنية بعيداً عن الانزلاق في الأزمات الإقليمية، كما يقدم نموذجاً في كيفية الحفاظ على الاستقرار الداخلي والتوازن في منطقة تشهد تغيرات كبيرة ومستمرة، ليبقى ملاذاً للسلام والنمو بعيداً عن ضغوط القوى المتنازعة في منطقة مضطربة، محافظاً على مصالح شعبه وحمايته من تداعيات الصراعات الإقليمية.

قد يعجبك ايضا