متابعة التآخي
رفعت الجادرجي معماري وكاتب عراقي يعدُّ من أعمدة فن الهندسة المعمارية، الذي لا تزال أعماله شاخصة في الذاكرة.
ولد الفيلسوف المعماري رفعت الجادرجي في 6 كانون الأول العام 1926 في بغداد من أسرة عراقية عرفت بتاريخها العريق. وعلى الرغم من أنه نشأ في أسرة سياسية ،حيث كان والده كامل الجادرجي من رجالات السياسية آنذاك ،إلا أن هذه النشأة لم تؤثر في مسيرته الإبداعية ولم يتأثر بها، بل كان متأثراً بشكل كبير بالجوانب الثقافية والأدبية والفكرية، التي استمدها من عائلته العريقة، وهو ما أنعكس على أعماله بشكل واضح، التي امتزجت بجمالها الإنساني واستحضارها لعراقة وطنه، وقد أفصح الجادرجي عن مدى تأثير تلك البيئة فيه في كتابه (صورة أب) والذي كرسه للكتابة عن سيرة والده.
يعد الجادرجي أول من فكر بمعالجة الشكل الخارجي لواجهات المباني وإيجاد كاسرات الشمس بطريقة إبداعية محمولة على ممر خارجي يحيط بالمبني لتوفير الظل وتقليل الحرارة بالدرجة الأولى وتكسير شدة الضوء وتخفيف حدتها وانتقالها الى الداخل، واستمد فلسفته في العمارة من نظرية الجاذبية لنيوتن وقانون الاستفاء الطبيعي لدارون، بالإضافة إلى البيئة العلمية والانثروبولوجية التي نشأ فيها.
بعد إكماله للمرحلة الثانوية في بغداد سافر رفعة الجادرجي الى بريطانيا العام 1946 ليدرس فنون العمارة والتصميم في جامعة همرسيمث للفنون التشكيلية وأكمل دراسته العام 1952 قبل رجوعه الى بغداد. وبالإضافة الى دراسته المعمارية، درس الفلسفة في جامعة هارفارد لمدة ما تقارب العشر سنوات، كما درس الجادرجي علم الاقتصاد والانثروبولجي.
بعد عودته للعراق أسس رفعة الجادرجي المكتب الإداري الاستشاري العراقي العام 1952، الذي رفد بشكل دائم الحركة المعمارية العراقية بتصاميم أثرت بدورها وتأثيرها في حركة الإبداع المعماري العراقي، أما بالنسبة للتعيينات الرسمية أو الحكومية فقد تقلد الجادرجي عدداً من المناصب الرسمية، ففي العام 1954 تم تعيينه مدير هندسة الأوقاف، والعام 1958 تسلم منصب رئيس هيأة التخطيط في وزارة الإسكان – وهي تلك الفترة التي كان فيها الاتصال المباشر بالزعيم عبد الكريم قاسم الذي طلب منه إنشاء ثلاثة نصب، تم إكمال اثنين منها، قاعدة نصب الحرية والجندي المجهول، في العام 1961 شغل منصب مدير عام قسم التخطيط في وزارة الاسكان، وبين العام 1980 والعام 1982 تسلم رفعة الجادرجي منصب مستشار لأمانة بغداد وبقي في ذلك المنصب الى أن ترك العراق.
وبين الأعوام 1983 و 1992 حمل رفعت الجادرجي رتبة استاذ زائر للعديد من المدارس الهندسية في جامعات العراق ومختلف دول العالم كلبنان، سوريا، البحرين، تونس، انكلترا، النرويج وأمريكا، في فلسفة الفن، الانثرابولوجي، علم الاجتماع، البايولوجي والفلسفة.
ولا يخفي على أحد عبقرية رفعت الجادرجي في المعمار وانجازاته الشامخة في أماكن متعددة في العراق وخاصة تلك التي تحمل رمزية وخصوصية لدى العراقيين بمختلف طبقاتهم ومستواهم الاجتماعي. نذكر منها:
– قاعدة نصب الحرية (1958)
– بناية البريد المركزي في السنك (1970)
– مبنى اتحاد الصناعات الوطنية (1966)
– مبنى المجمع العلمي العراقي (1966)
– مبنى مجلس الوزراء (1975)
– مصرف الرافدين (1969)
– مبنى مخازن صناعة التبوغ ومكاتبها وفروعها.
– مبنى شركة التأمين الوطنية في الموصل.
ومن أعظم الانجازات التي يذكرها ويتداول صورها الى يومنا هذا هو النصب الأول للجندي المجهول في ساحة الفردوس الذي تم هدمه في العام 1982.
أسهم الجادرجي في إثراء المكتبة المعمارية الفكرية بعدد من المؤلفات يصل إلى 12 مؤلفاً التي كانت بمثابة تجسيد فكري لمرحلة مهمة من العمارة العربية. من كتبه:
- التجديد في نهج تصميم المساجد الأثرية – 1984.
– شارع طه وهامر سميث – بحث في جدلية العمارة – 1985 (هو شرح لاطروحة الجادرجي التي كتبها سنة 1951، ونقحها سنة 1958)
– صورة أب – 1985
– ملف 12 لرسوم معمارية – 1985
– ملف 8 لتصاوير كامل الجادرجي – 1985.
– مفاهيم ومؤثرات – نحو هندسة معمارية إقليمية – 1986
– الاخيضر والقصر البلوري – نشوء النظرية الجدلية في العمارة – 1991
– التصوير الفوتوغرافي لكامل الجادرجي – 1991.
– حوار في بنيوية الفن والعمارة – 1995.
– المسؤولية الاجتماعية لدور المعمار أو المعمار المسؤول - 1999
– مقام الجلوس في بيت عارف آغا - 2001.
– مقدمة الى التصميم الحضري والهندسة المعمارية في لبنان – 2004.
- في حق ممارسة السياسة والديمقراطية (2004).
– في سببية وجدلية العمارة – 2006 (جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2008).
جدار بين ظلمتين – 2008 (وهو الكتاب الذي يحكي قصته عندما كان في السجن).
ويوم 10 نيسان 2020 توفي المعماري والفيلسوف والكاتب رفعت الجادرجي عن عمر 94 عاماً ليطوي رحيله حقبة من الجمال والفن والعمارة التي لطالما رفعت سمعة العراق عاليا.