مهند محمود شوقي
لم تنفع الصواريخ التي انهمرت مرارا على أربيل، ولا الشائعات المسيئة عن قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، في كبح مسيرة كردستان كما تتجسد في أرقى صورها في عاصمة الإقليم. باءت بالفشل كل محاولات تكسير نجاحات مسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم والإنجازات التي حققتها التشكيلة التاسعة بقيادته، على الرغم من استخدام ورقة الضغط المالي والاقتصادي الممنهج من قبل بعض القوى في بغداد على رواتب الموظفين الكرد في محاولة لدفعهم إلى السخط على حكومة الإقليم. جميع المؤامرات فشلت كما أثبتتها نتائج الانتخابات الأخيرة وبلغة الأرقام. ولذا عمدت بعض القوى الإقليمية ومن تحركها في بغداد وغيرها، إلى التضييق على اقتصاد أربيل، لعلها تنال من تلك النجاحات ليكون هدفها التالي مشروع “حسابي” الذي يمس لقمة الموظف في الإقليم.
مشروع “حسابي” جزء من مشاريع أطلقتها حكومة الإقليم لتيسير حياة المواطن. أطلقت الحكومة قبل عام المشروع بهدف أتمتة التعاملات بين وزارة المالية في الإقليم والموظفين الحكوميين الذين يعيشون فيه ويقدر عددهم بمليون شخص. وتكمن الغاية الأساسية في توفير المزيد من الخدمات المالية للموظف وضمان حقوقه بكل شفافية والحد من الفساد، بالإضافة إلى عناصر أخرى تميز مشروع “حسابي” عن غيره من المشاريع المتبعة في صرف رواتب الموظفين في عموم العراق.
إلا أن البعض لم يرض عن “حسابي”. ليس بالضرورة لخلل في المشروع اقتصاديا أو تنظيميا وفق سياقات عمل حكومة الإقليم، وإنما لأن وراء الأكمة ما وراءها. وكان لافتا رد رئيس وزراء إقليم كردستان على “ضجيج” هؤلاء، واتهامات بعض الأحزاب المعارضة لمشروع “حسابي” التي كانت في جلها شخصية تفتقر إلى أي دليل على صحة مزاعمها. فعلى عادته، استجاب مسرور بارزاني بلغة قانونية تترفع عن الشخصنة وتقوم على الحجة القوية والسند القانوني الذي يجيز توطين رواتب موظفي الإقليم عبر “حسابي”. ووجّه الوزارات المختصة، من عدل وداخلية، بالقيام بما يلزم لجهة “اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية بحق مديري المصارف أو أي مسؤول حكومي” سعى إلى الحيلولة دون تطبيق المبادرة “وذلك استنادا إلى المادتين 4 و5 من قانون ضبط الموظفين”. وكلّف النائب العام برفع دعاوى جنائية ضد من يثبت تورطهم في محاولة إعاقة وضع المشروع في حيز التنفيذ. في هذا السياق، يجادل متخصصون بأن القانون يؤكد أن حكومة الإقليم هي وحدها المخولة وضع سياساته المالية.
وباعتبار أن المحكمة الاتحادية قد أكدت في 1 تموز/ يوليو الماضي سلامة المبادرة، فما جدوى إغلاق الاتحاد الوطني مكاتب “حسابي” في السليمانية؟ يبدو هذا الخيار عبثيا إلى حد ما، مثلما كان من العبث المثير للشكوك في توقيته. الكرد يقرؤون ما بين سطور الإجراءات التي نفذها الاتحاد ومدى ارتباطها بالانتخابات ونتائجها ومشاورات تشكيل الحكومة. فحديث الشارع السياسي والشعبي أن قرار العمل على عرقلة المبادرة جاء مباشرة من بافل طالباني بُعيد الانتخابات. وعليه، فمن غير المستبعد أن تكون السليمانية قد قررت أن تضم جهودها إلى طهران ووكلائها، بغرض المناورة وانتزاع بعض المكاسب الوزارية في الحكومة الجديدة بما يعوض عن خسائرها في الانتخابات التي كانت الديمقراطية علامتها الفارقة، وضنّ فيها الناخبون على الاتحاد الوطني بالدعم الكافي لجعله مركز الثقل الرئيسي في الإقليم.
أما بغداد، فهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي تحاول فيها تجاوز الدستور في تعاملها مع كردستان. وإذا كانت طهران لا ترضى عن تحقيق أربيل المزيد من النجاح لناحية ترشيد اقتصادها وتأمين حياة أفضل لمواطنيها، ربما بدافع القلق من الديمقراطية التي يمكن أن تنتقل عدواها إلى إيران، فما دخل بغداد؟ وما هو الانطباع الذي تعطيه للآخرين بمعارضتها لمشروع أقرت المحكمة الاتحادية بقانونيته؟ ربما يجدر بها أن تخشى الإضرار بمصداقيتها إذا حاربت مشروعا يشرف عليه البنك المركزي العراقي ويتمتع بالشفافية المالية ويحصن نفسه ضد الفساد!
لكن، وعلى الرغم من الحملة التي تشنها عليها طهران، سرا وعلانية، تمضي أربيل بخطى واثقة على طريق التقدم وإطلاق المزيد من المشاريع الخدمية التي تضاف إلى سجلها الحافل بالإنجازات. ولقد شددت حكومة الإقليم على أن التراجع عن “حسابي” ليس واردا على الإطلاق، فهي لن تساوم على حقوق المواطنين الذين بدأ 300 ألف منهم بالاعتماد على المشروع.
مهما علا صخب أعداء الشفافية وكثرت سهام الخائفين من الديمقراطية، فإن أربيل عاقدة العزم على مواصلة السعي لتذليل الصعاب، اليوم ودائما.