د . صباح ايليا القس
الثنائيات كثيرة بدلالتها على الشيء وضده او نقيضه , كثيرة بحيث يصعب حصرها لو اردنا احصاءها في اللغة العربية والعلم والادب لا يمكن ان يكونا نقيضين بل هما يترادفان ويتكاملان في الدلالة المعرفية اذ بهما تقوم الثقافة التي تنشدها المجتمعات كافة .. ومثالا على الثنائيات نقول الحر والبرد والابيض والاسود والليل والنهار والبعيد والقريب والسالب والموجب والطويل والقصير والصلب واللين وهكذا يستطيع كل شخص ان يضيف بحسب معرفته وثقافته عددا من الثنائيات .
يشار الى كلمة الادب احيانا بمعنى الخلق ولطافة النفس سوى ما يتجاوز ذلك في شعر الخلاعة والمجون اما مفهوم العلم فعند بدء الحضارة العربية كان يقصد به العلوم الدينية فقط قبل ان تستوعب الحياة ما عند الامم الاخرى من علوم وفلسفة وطب ورياضيات حينها تخصص مفهوم العلم بما يعني التطور الذهني والعقلي في ادراك العلوم الصرفة .
ولاحقا استطاع الناس حصر دلالة الكلمة على نوع معين من الانجاز فاكتفى مصطلح الادب بالعلوم الادبية من شعر ونثر وخطابة وتدوين ولاحقا الصحافة بميادينها كافة بينما تخصص مصطلح العلم بما يتوافق مع ما يتعامل به الفرد من علوم مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها .. وعلى هذا البناء جاءت لفظة اديب لمن تخصص بالعلوم العقلية ولفظة عالم لمن تخصص بالعلوم العقلية الصرفة لان للادب ايضا علوما ضمن معطياته مثل علم النحو وعلم البلاغة وعالم الدين .
حينما استرسلنا في الكلام تداخل لدينا العلم والادب لا سيما حينما اشرنا الى علوم اللغة فقلنا ( علم النحو وعلم البلاغة ) ما يعني انه يمكن ان تتداخل العلوم احيانا الا اذا كان الخطاب واضح الدلالة كأن تكتب شعرا مثلا حينها سيقول احدهم محتجا وماذا تقول في ألفية ابن مالك التي هي علوم النحو نظمها الشاعر على شكل ابيات لسهولة الحفظ وليس فيها من الشعر سوى الوزن والقافية اما العاطفة التي تحدثنا عنها فحصيلتها صفر من الشعرية .
الشاعر يأخذ الامور بالعاطفة اذ ينظر الى الوردة بشكل مغاير لما ينظره العالم في الوردة نفسها فهذا يفسرها عاطفيا وذاك يعالجها علميا .. فالزهرة هي الجمال والرائحة والالوان عند الشاعر وعند العالم هي بذرة وفصيلة وقوام .
قول الاديب يثير في المتلقي عواطفه المكبوتة ويشعره بالراحة لا سيما ما تخلقه الاوزان الشعرية اي موسيقى الشعر من تراتبية الايقاع فتجعل السامع نشوانا مع الغزل الرقيق ومتألما مع الرثاء المفجع بحيث يتناغم السامع مع القائل ويعيشان كلاهما في حالة واحدة .
بينما قول العالم ومحاضرته يؤثر في العقل ويجعله متوقدا حاضرا عقليا وجسديا وربما متوترا لسيطرة العقل في استيعاب مسألة رياضية فتجد ان العقل يركز في المسألة باحثا عن حل او حلول او علاج في مسألة طبية ..
ما يطرحه الادب يقترب من البقاء والثبات والدليل اننا ما نزال نستذكر شعراء التاريخ العربي على مر السنين ونحفظ من اشعارهم وتنبسط اساريرنا عند قراءة الابيات الجميلة وتنقبض صدورنا عندما نقرأ رثاء الخنساء مثلا .
اما العلوم فانها تتطور وتتقدم بصورة متسارعة لا سيما في يومنا الحاضر وما نشهده من تطور في التشخيص والعلاج ولهذا نجد ان الاعمار طالت والشيوخ كثيرون لا سيما في الدول المتقدمة .
في السابق كانت العاطفة في المقام الاول ولذلك ساد الشعر وكثر الشعراء مقابل قلة العلم والعلماء .. اما في الحياة المعاصرة فقد قلت العواطف وقل الشعر والشعراء وانتشر العلم والاطباء على وجه الخصوص واصبح العلم سيد الموقف وتتسارع الفروع العلمية الى تخصصات نادرة في علم الحواسيب التي سيطرت على اغلب مفاصل الحياة وبدأ العد التنازلي للاديب ليخلو المكان الى الشباب الصاعد الذين قلت عواطفهم واستطالت حواسيبهم .