كرم نعمة
مع أن هذا السؤال مستهل لحزمة أخرى من الأسئلة، فبمجرد أطلاقه لا يكتفي بكونه كاملا، ومع أنها في حقيقة الأمر ليست مجانية تماما، لأننا ندفع ما يقابل استخدامنا لهذه المنصات، كما أن الشركات التكنولوجية تجعل من المستخدمين أداة تبدو مجانية، لكنها تجلب عن طريقهم أموالا هائلة
مهما يكن من أمر، فإن سؤال مجانية مواقع التواصل الاجتماعي، ماذا لو كانت غير ذلك، تلتحق به مجموعة أخرى من الأسئلة على شاكلة: هل سيصبح المجتمع أكثر انعزالا؟ من السهولة بمكان المطالبة بشيء مختلف، كما من الضروري تخيل كيف يمكن أو ينبغي أن يكون الإنترنت مختلفا. إننا لا نقبل التخلي عن حياتنا بخلاف وجود الإنترنت .
مع ذلك ينبغي إدراك ما هو جيد وسيء سواء الموجود بالفعل أو ما يمكن أن يحل محل الإنترنت ، اليوم تتم استعادة الانطباع السابق الذي رافق انتشار الإنترنت بوصفه حلما مثاليا وخدمة جليلة تقدم للبشرية، مع التغيير الذي من الممكن أن يحدث عليه .
الحقيقة التي باتت تترسخ يوما بعد آخر، أن إدارة تلك الشركات مستفيدة من كل الذي يحصل وهو بالنسبة إليها معركة للسيطرة، ولا يتوقع أن تقوم بأي تراجع عن استمرار تأثير مواقع التواصل على المجتمعات والدول، حتى لو مرت تلك الشركات بتحول جذري في السنوات القادمة. فتلك الخوارزمية التي تعمل بها تكنولوجيا فيسبوك مثلا بمثابة القلب النابض بالقوة والأرباح، الأمر الذي يستحيل التراجع عنه .
فهل سيبدو الناس سعداء مثلا، لو لم تتسن لهم معرفة ما يعمله الآخرون كل لحظة؟ يمكن أن نعود إلى ساعات توقف فيسبوك وواتساب بسبب عطل طارئ قبل أشهر لندرك ما يشبه الإجابة على هذا السؤال .!
لنفترض أن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت جميعها إلى نموذج اشتراك، هل سيتمكن الأغنياء وحدهم من الاستفادة من التواصل مع بقية العالم؟ ولنفترض أن هذه المواقع الجديدة ستركز اهتمامها على جماهير أضيق ذوي اهتمامات نخبوية، فهل ستزدهر الحقيقة، وسيكون التبادل وحده للمعلومات والأفكار الديمقراطية من أجل ازدهار المجتمعات؟
ماذا عن البيانات المتدفقة بشكل هائل، وهي أكثر بكثير من حاجتنا إلى المعلومات، هل ستقل نوعا ما؟ هل ستكون الغلبة فيها لما هو حقيقي على حساب الملفق؟
من الصعوبة بمكان الحصول على إجابة في الوقت الحالي، ونحن بالأساس نفتقد إلى بيئة تنظيمية تسمح بالاستخدام الملائم لمثل هذه التكنولوجيا المعقدة، ونبدو إلى حد الآن أقل حذرا من أسوأ مخاطر إساءة توفير وتطبيق تلك المنصات في حالها المتاح اليوم. فمن غير الممكن أن نتوقع أن الشركات الرابحة تتخلى مستقبلا بسهولة عن أرباحها. وحتى إذا وفرت طريقة الدفع مقابل الاشتراك فإنها ستجد المئات من الطرق المجانية الأخرى من أجل استمرارية تدفق الأموال عليها .