رباب طلال
أيتها الطرق الطويلة، كم من الوقت مضى وأنا أمشي فوقك، بين متاهاتك، بلا خارطة تقودني ولا ضوء ينير لي المسار، أسير تائهة في فضاءات مجهولة، أتبعك كأنك تعرفينني أكثر مما أعرف نفسي، هل من وجهة لطريقي ام انني اسير بطريق لا نهائي بلا وجهة، لا امل في هذه الطرق،وما من علامة على الامل، أضع قدميّ خطوة بعد خطوة، دون يقين حقيقي إلى أين أمضي لقد أمضيت سنينًا في السير، عابرةً مساحات من الغربة والوحشة، محاطة بصمت الأفق ووحشة الوحدة، أحيانًا أشعر كأن هذه الطرق ملّت مني، ملّت من خطاي الثقيلة عليها، من أسئلتي التي لا تهدأ، أمضي كيفما تأخذني، ألاحق المسافات المترامية، حتى وإن كان في المسير ملل وفراغ، وحتى إن لم يكن لي رفيق يشاركني هذه الرحلة الطويلة، أحيانًا أستشعر كأن الطريق نفسه رفيقًا صامتًا، يصغي لأفكاري دون أن ينطق بكلمة ومع كل هذا، لا محطات لي في هذه الرحلة، وكأنني ممنوعة من الاستراحة، ممنوعة من الاسترخاء، الطريق أمامي، وأنا أعبره، كما لو أن السير ذاته صار جزءًا من كياني، من وجودي، وكأنني ولدت للسير، للاستكشاف، ومع أني أعرف في داخلي أن الوجهة ليست واضحة، إلا أنني أواصل السير، أواصل بحثًا ربما عن شيءٍ لا أدرك ماهيته في بعض الأحيان، أُدرك أنه ليس هناك نهاية قريبة تنتظرني، ولا ضوء أخير يرشدني، لكن ربما ليس السير هو المشكلة، ربما هو الصبر نفسه، القوة التي أبحث عنها بداخلي، فربما الطرق الطويلة هي التي تعلمني عن نفسي، تكشف لي عن ملامحي الخفية، عن تحملي وأحلامي، وربما عندما ينتهي الطريق، سأجد نفسي قد تغيّرت، نضجت، أو حتى أصبحت شخصًا لم أكن أعرفه أيتها الطرق الطويلة، أحيانًا أرى فيك مرآة تعكس داخلي، تعكس كفاحي وصبري، تعكس حزني وأملي، وكأنك تريدين أن تقولي لي، أن النهاية ليست بالضرورة هي المقصد، بل قد يكون المقصد هو هذه الرحلة نفسها.