د . صباح ايليا القس
الادب هو نشاط يعبر بوساطته الفرد عن خصوصياته الداخلية العاطفية والعقلية ولا بد أن يعيش الادب ضمن المعطيات الاجتماعية المتعارف عليها في زمن ومكان محدود ويرتبط حتما بالمعطيات والسلوكيات التي يلتزم بها الناس لا سيما العقائد والانظمة السياسية والسلوك الاجتماعي عامة ويمكن أن يتأثر الادب حتى بالطبيعة الجغرافية ..
الاخلاقيات والنظم والطبيعة هي من تتحكم بطبيعة الانتاج الادبي التي ستظهر حتما على المستوى الذوقي وتبعث مساحات من الخيال والعواطف للقول الابداعي ..
عند العودة الى ادبنا العربي يطالعنا الشعر الجاهلي بما يشتمل عليه من صور الطبيعة واللغة الصعبة والعادات القبلية والصراعات الدموية معتمدين في عيشهم على قسوة الظروف المناخية وشح المياه واعطاء قيمة عليا للجمل والناقة لان الحياة الجاهلية لا يمكن ان تسير من دون الجمل الذي هو وسيلة النقل والاحمال الثقيلة والصبر على العطش اما الناقة فمنها الحليب والوبر لصناعة الخيام والنقل ايضا اذا عزّ الجمل , حتى ان الشعر الجاهلي صور لنا تفاصيل الناقة واسماء اعضائها حتى يقال ان بعض شعر الغزل ربما يقصد به الناقة اصلا ..
وربما كان طول الطريق للوصول الى الهدف والسكون الدائم سوى ضربات الخف على الرمل التي تحدث صوتا موسيقيا رتيبا كان وسيلة لاكتشاف موسيقى الشعر التي على منوالها نسج الشعراء قصائدهم .. وما نراه في الشعر الجاهلي يختلف تماما عما نعرفه عن شعراء الدولة الاموية اذ ابتعد الشعر عن اجواء الجفاف الى اجواء المدنية التي تعرف عليها في الشام والدولة الاموية حينها ابتعد الشعراء عن رموز الصحراء وانشغلوا بالماء والامطار والخضرة الدائمة والحدائق والقصور حيث ترقق الشعر بما يناسب الاوضاع الجديدة من دون ان ننسى انه اصبح لاحقا اكثر دقة وموسيقية عندما وصل العرب الى الاندلس التي عرفوها بانها جنة الله على الارض .
وبعد الدولة الاموية كانت الدولة العباسية التي اصبحت حينها ملاذا لاغلب الشعراء وموئلا للادباء والشعراء والكتاب والموسيقيين فضلا عن ما كان يغدقه الخلفاء على المبدعين من هبات وعطايا لا سيما في جلسات الخليفة ولياليه التي شغلت حيزا كبيرا من قصص الف ليلة وليلة ..
اخذت الحروب مساحة واسعة من الادب العربي منذ العصر الجاهلي حيث كانت تشن الحرب من اجل بئر ماء او واحة صغيرة وأفرزت الحروب شخصيات وقصائد وشعراء كانت لهم مواقف تفصيلية في تحقيق النصر على الآخر وإلحاق الهزيمة بالعدو حتى كانت هناك اعمال خارقة تنسب الى الشاعر عنترة بن شداد بحيث صاغ القصاصون روايات هي اقرب الى الخيال عن شجاعتهم .
ولا بأس من الاشارة الى العقلية الناضجة التي افرزتها المجالس الليلية في اجتماعات مجلس القبيلة حيث نجد كثيرا من الحكم وفضائل الاخلاق وفلسفة اجتماعية انسانية لا يكاد القارئ يصدق انها تصدر عن من عاش تلك السنوات .
واذا كنا تحدثنا عن الجمل والناقة بوصفهما سفينة الصحراء فليس من المقبول ان ننسى دور الفرس والحصان في الحياة العربية اذ يمثلان القدرة والقوة والثروة فليس كل الناس يستطيعون الحصول على الفرس لانها تتطلب ادامة وطعاما يختلفان عن الناقة التي ترتضي بالشوك غذاء .
اما المرأة فكانت لها مكانتها الخاصة والمحترمة ولذلك نشهد عددا لا يحصى من قصائد الغزل العفيف أصدقاً كان ام تقليدا او ادعاءً والدفاع عن المرأة وحمايتها يعد من المهمات الاولى في حياة العربي قديما وحديثا اذ يقاس الشرف بالدفاع عن المرأة حتى الموت .
يبقى الكرم سيد الموقف والعربي معروف بكرمه قديما وحديثا ولا يستطيع ان ينافسه في هذا الجانب اي مخلوق على وجه الارض حتى ان الحطيئة أشهر شاعر هجاء معروف بالبخل همّ ان يذبح ولده عندما زاره ضيف ..
يتطور الادب عندما يعيش الاديب واقعه حقيقة ويرسم بالكلمات حياته والمجتمع لغة واسلوبا شعر او نثرا او اي وسيلة ابداعية اخرى .