زكي رضا
النظام السياسي الحاكم في العراق اليوم هو منيقود الدولة العراقية، وهو وريث النظام البعثيالفاشي والدولة العراقية بمؤسساتها المختلفة. وهذاالأمر لا يختصر على العراق وحده كدولة، بل يشملجميع الدول التي أرتكبت جرائم إبادة جماعية بحقسكّانها أو بحق شعوب أخرى من خلال الحروبالتي خاضتها ضد تلك الدول.
في تركيا على سبيل المثال ترفض الدولة التركيةلليوم، الأعتراف بالمجازر التي قامت بها الدولة ضدالأرمن بدايات القرن الماضي، والتي صنّفت كونهاإبادة جماعية ( جينوسايد). كما وترفض رفضاقاطعا أية محاولة ومن أية دولة تعمل على تصنيف ماحصل للأرمن، إبادة جماعية. ويأتي رفض تركيالعملية الإبادة من خلال خوفها تقديم أعتذارللضحايا، وما يترتب على ذلك الأعتذار من تقديمتعويضات لهم ولورثتهم. ولو عدنا الى موسوعةالهولوكوست فنراها تقول ” إن الحكومة العثمانيةشرعت في ترحيل واسع للمدنيين الأرمن من جميعنواحي الامبراطوية العثمانية عام 1915 نحو جهاتمتعددة منها الصحراء العربية، وخلال العملية قتلتغالبية من هم في سن القتال إلى جانب الأطفالوالنساء، كما تعرّض المدنيون الأرمن لهجمات منعصابات وحتى من مدنيين آخرين، ولقي الآلافكذلك حتفهم نتيجة الجوع والمرض”، ولو تمت مقارنةوجهة نظر موسوعة الهولوكوست حول إبادة الأرمنوبما جرى للكورد الفيليين، سنرى العديد من أوجهالشبه. فالحكومة العراقية قامت هي الأخرى بترحيلواسع للكورد الفيليين الى دولة مجاورة أي إيران،وقامت بحجز وقتل الآلاف من الشباب خوفا منالمشاركة في أي قتال ضد النظام السياسي وقتها،كما تعرّضت أعداد لا بأس بها من المهجرين لهجماتمن عصابات عملت بتحريض من الدولة العراقية التيكان يمثلّها وقتها البعث الفاشي.
لو أخذنا دولة أخرى كالمانيا مثالا، نراها قد أعترفتبتحمل الدولة الالمانية رسميا من أنّ ” قواتها ارتكبتجرائم إبادة جماعية في ناميبيا إبّان الحقبة التياستعمرت فيها ألمانيا هذه الدولة الإفريقية، ووافقتالحكومة الالمانية على دفع تعويضات مالية لقاء ذلك،وكان المستعمرون الألمان قد قتلوا عشرات الآلاف منشعبي هيريرو وناما في ناميبيا في مذابح وقعت فيأوائل القرن العشرين”، في حين نرى دولة تتحدثعن القيم والأخلاق والحريات وحقوق الأنسانكفرنسا مثلا، لها موقف مزدوج تجاه مسؤوليتها عنالأبادة الجماعية في دولتين أفريقيتين، فنراها تعترفبمسؤليتها عن جرائم الأبادة الجماعية في رواندا،الى الحد الذي لم يكتفي فيه ماكرون من تحملالمسؤولية والأعتذار، بل ذهب الى طلب الصفح منالروانديين حول مشاركة فرنسا بشكل غير مباشرفي تلك الحرب الاهلية. في حين رفض ومعه الدولةالفرنسية تحمل الإبادة الجماعية للشعب الجزائريأثناء مقاومته للأحتلال الفرنسي لبلاده!!
لو عدنا الى المجازر التي حدثت للأرمن فأننا سنرىتحولا دراماتيكيا تجاه قضيتهم، بعد إعتراف أمريكاعهد الرئيس الحالي جو بايدن بالأبادة الجماعيةالتي حدثت لهم. هذا الأعتراف يعني حق الأرمنبرفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضدالدولة التركية، وقد صرّح رئيس البرلمان التركيالأسبق جميل جيجك من أنّ ” بعض الأرمن منأصول تركية يرفعون دعاوى قضائية ضد تركيا فيالمحاكم الأمريكية منذ مدة، ويشير تقرير لموقعالمونيتور إلى أن هناك دعوى رفعت منذ عام 2010 ضد تركيا تطالب بـ65 مليون دولار كتعويض. لكنالمحكمة رفضت النظر في القضية لعدم تصنيفواشنطن آنذاك المذابح بأنها إبادة جماعية، لكن معالقرار الجديد لجو بايدن، سيكون لرافعي هذهالدعاوى سند كبير” .
العراق وهنا نتحدث عن الدولة العراقية بكلمؤسساتها أعترف رسميا من أن ما حدث للكوردالفيليين هو شكل من اشكال الابادة الجماعية ( جينوسايد)، وعليه فأنّها أي الدولة العراقية اليوموالتي هي وريثة السلطات التي تعاقبت على حكمالبلاد منذ تأسيس الدولة في آذار/ مارس 1921 ،مسؤولة أخلاقيا ودستوريا ليس على تفعيل القوانينالتي لم ترى النور لليوم ، بل أن تقدّم إعتذار رسميللكورد الفيليين. فالأعتذار يعني أنّ الدولة ستتحملمسؤولية عمليات التهجير والإبادة، وعليها وقتهاتقديم التعويضات لجميع المهجرّين بعيدا عنالبيروقراطية الحكومية، أو محاولة تسويف حقوقهم.
على الكورد الفيليين الضغط وفي حالة أعترافسلطات بغداد بمسؤولية الدولة العراقية عن عملياتالإبادة الجماعية ( الجينوسايد) برفع دعاوى قضائيةضدها من أجل الحصول على تعويضات لضياعمستقبل أجيال منهم، وعن أموالهم التي صادرهاالنظام السابق لصالح الدولة العراقية، وفي حالةرفض الدولة العراقية الأعتذار عن تلك الجرائم، فعلىالكورد الفيليين التحرك نحو عواصم غربية ومنهاواشنطن لنيل اعترافها بحصول ابادة جماعية للكوردالفيليين، خصوصا وأن الحكومة العراقية اعترفتبالأبادة الجماعية بقانون من المحاكم العراقية،وحينها يستطيع الكورد الفيليين رفع دعاوىتعويضات على الدولة العراقية من خلال المحاكمالأمريكية وغيرها من المحاكم الأوربية.